في الطريق إلى مضايا
الطريق بين دمشق ومضايا لا يزيد عن الخمسين كيلومتراً، لا يحتاج عبورها أكثر من نصف ساعة. حركة خفيفة من العاصمة دمشق وحتى جسر الزبداني على طريق بيروت باستثناء ازدحام عند حاجز للجيش السوري عند الصبورة. كيلومترات قليلة تليها الانعطافة نحو طريق الزبداني.
صمت رهيب يملأ المكان، تكاد الغيوم تلامس قمم المرتفعات الحادة على طرفي الطريق، وحدها أشجار الصنوبر والسرو الحرجية تبدد وحشة الطريق الذي لطالما كان مكتظاً برواد أشهر مصايف دمشق.
للسوريين ذكريات لا تنسى وخصوصاً في نهاية الأسبوع عندما يتحول الطريق إلى ما يشبه طريقاً داخل مدينة لكثرة سياراته، رذاذ المطر في ظل درجات حرارة تصل إلى الصفر تعطي للطريق نكهة أخرى. درجة الحرارة هنا انخفضت بما يزيد عن خمس درجات عنها في دمشق.
عند أول حواجز الجيش تصطف شاحنات المساعدة. طابور طويل من سيارات تحمل شعارات الهلال الأحمر ترافقها سيارات فارهة للصليب الأحمر ووكالات الأمم المتحدة.
تدقق حواجز الجيش السوري بكل تفصيل، بالشاحنات، بالصحفيين، بسيارات معدودة تمر من حين لآخر، سيارات تابعة لمعمل مياه بقين، وأخرى لعمال في إحدى محطات الوقود. بدا مشهد غير مألوف على الجنود رغم تكراره للمرة الثانية خلال أقل من أسبوع باتجاه البلدة التي تحولت الى عنوان رئيسي في وكالات الأنباء.
لا تفاصيل عن موعد دخول تلك الشاحنات، المعلومات المتوفرة أن دخولها سيكون متزامناً مع دخول القافلة الأخرى باتجاه الفوعة وكفريا. لكن الطريق في تلك المنطقة بعيد وطويل نسبياً. يخبرني أحد المشرفين بأن الطريق ليس صعباً لكن القلق الدائم من تأخير تفرضه حواجز عديدة تابعة لجبهة النصرة وحركة أحرار الشام بين قلعة المضيق في ريف حماه إلى الهبيط الى إدلب قبل الدخول الى البلدتين. تجري اتصالات مكثفة ومتواصلة، يحاول موظفو الهلال الابتعاد بتحركاتهم وجعلها طي الكتمان. لا أحد يملك جواباً لموعد دخول السيارات إلى مضايا مع أنها فعلياً باتت على بعد أقل من خمسة كيلومترات من البلدة.
منسق الأمم المتحدة للشؤون الانسانية يعقوب الحلو بدا متفائلاً لتوالي إدخال المواد الإغاثية رغم الظروف المناخية القاسية. تحدث الرجل في تصريح مقتضب للصحفيين عن حجم القافلة ومحتوياتها، وكشف عن وجود اتصالات أجرتها منظمة الصحة العالمية مع الحكومة السورية لتسهيل خروج الحالات الحرجة من مضايا إلى المشافي العامة، وأكد خروج طفلة تبلغ من العمر 8 سنوات، في حالة ملحة للتدخل الطبي الى إحدى مشافي العاصمة مع أهلها.
عند مدخل البلدة.. “ما ضل فينا نتحمل”
يقول أحد الجنود السوريين إنهم يأملون الخروج من البلدة وبعضهم ينتظر المساعدات للدخول. قبل أن يضيف لكن لا يوجد أي تعليمات لخروج أحد حالياً.نحاول الاقتراب من المدنيين لكنهم موجودون في المنطقة الواقعة تحت سيطرة المسلحين. نبهنا بعض الجنود إلى أن الأبنية خلف جمهرة المدنيين تحت سيطرة المسلحين وفيها دشم وتحصينات لمسلحين من جهات مختلفة بما فيها داعش. لا معلومات دقيقة عن عدد المسلحين لكنه لا يقل عن 600 ولا يتجاوز الـ 800 ومعظمهم من أحرار الشام وجبهة النصرة والمجلس العسكري وآخرين من داعش.
لا إمكانية للاقتراب أكثر باتجاه المدنيين المتجمهرين. لكن إحداهن صرخت مؤكدة رغبتها بالمغادرة “ما ضل فينا نتحمل مع هذه الظروف”. طفلة أخرى تصرخ باكية بصوت غير مفهوم.بدا واضحاً أن هذا الحشد يأمل بإمكانية إخراجه من البلدة كما جرى مع نحو 378 مدنياً أخرجوا يوم دخول قافلة المساعدات الأولى قبل أيام قليلة.
لكن الأمر لم يكن بهذه البساطة، تقول مصادر للميادين، مضيفة أن الأمر يرتبط بترتيبات للمناطق الثلاث مضايا وكفريا والفوعة، أي أن إخراج المدنيين يجب التوافق عليه كما جرى في موضوع إخراج جرحى مسلحين من الزبداني ومرضى وجرحى من الفوعة وكفريا بواقع 126 من الأولى و338 من البلدتين وهو التوافق الذي جرى برعاية إقليمية.
إدخال المساعدات
يقول خالد الصفوري مدير الإغاثة في قرى الأطفال إن المشاهد داخل البلدة قاسية لحالة الأطفال لكنه يأمل أن تؤدي الأغذية والمساعدات التي دخلت الى تحسين أوضاعهم. بدورها عبير أحد أعضاء الفريق تشير إلى أنها شاهدت أطفال هزيلين في تأثير واضح لنقص الغذاء. تضيف إن بعض الأطفال فقدوا ذويهم ومعيليهم في البلدة ولا بد من مساعدتهم، وهناك جهود تبذل بهذا الشأن.
تمضي الساعات بطيئة دون أي تغيير. الساعة الخامسة والربع تتحرك ست سيارات برفقة سيارات للهلال الأحمر. تتوقف عند مدخل مضايا. دقائق قليلة تتحرك صعوداً وسط ليل حالك وشديد البرودة بدأ يرخي بظلاله على البلدة.
أخيراً مع دخول ثلاث سيارات إلى الفوعة وكفريا وست سيارات الى مضايا، كانت إشارة البدء لتحرك العملية برمتها، أقل من ثلاث ساعات كانت كافية لإدخال القافلة كاملة.