في الذكرى العاشرة لمبادرة “الحزام والطريق”
صحيفة البعث السورية-
عناية ناصر:
يصادف هذا العام الذكرى العاشرة لمبادرة الحزام والطريق التي اقترحها الرئيس الصيني شي جين بينغ. ومن خلال إلقاء نظرة على 10 سنوات على المبادرة يمكن رؤية كيف أنها تحقق التعاون المربح بين الصين والدول الواقعة على طول الحزام والطريق، وكيف أنها تزيد من الشعور بالرضا في هذه البلدان. ووفقاً للعديد من المحللين الاقتصاديين، فإن “مبادرة الحزام والطريق” جعلت الصين صوتاً قوياً نيابة عن البلدان النامية، ليس فقط بالكلام بل أيضاً بالأفعال.
عندما تم اقتراح مبادرة الحزام والطريق لأول مرة قبل 10 سنوات، وإلى جانب الكثير من الترقب، كان هناك حيرة كبيرة وأسئلة كثيرة تطرح حولها على نطاق واسع، كونها أول مبادرة من هذا النوع، إضافة إلى أنه لم تكن هذه الخطة ذات تواريخ محددة، كما لم يكن هناك شيء ملموس على أرض الواقع، ولم يكن هناك تاريخ انتهاء. لقد كانت مجرد فكرة، وطريقة جديدة ومبتكرة للتفكير في مشروع.
لقد كانت على أعلى المقاييس، وتضم الغالبية العظمى من سكان العالم، وهذا الأمر لم يشهده أحد من قبل. في الحقيقة، كان مصدر إلهامها يكمن في ماضي الصين، ومآثر غير عادية مثل سور الصين العظيم والقناة الكبرى.
كانت فكرة مبادرة الحزام والطريق انعكاساً للتحول الاقتصادي للصين، فما هي الدروس التي يمكن استخلاصها من ذلك للعالم النامي؟ وما الذي يمكن أن تتعلمه البلدان النامية منها؟
لقد كان الاستثمار واسع النطاق في قلب التحول الصيني بقيادة الدولة هو في البنية التحتية، فإذا كانت تعمل لصالح الصين، فلماذا لا تفعل ذلك مع الآخرين؟. لقد عانت معظم مساحة اليابسة في أوراسيا، إلى جانب إفريقيا وأمريكا اللاتينية، من نقص في البنية التحتية، حيث ستسعى مبادرة الحزام والطريق لتغيير ذلك، وستكون الصين محور المشروع الذي سيتكون من عدد من الاتفاقيات الثنائية بين الصين والدول النامية، مع توفير الصين للتمويل في شكل قروض. لقد كانت الاستجابة هائلة مع مشاركة 151 دولة الآن في مبادرة الحزام والطريق.
إذا كان الكثيرون في حيرة بشأن مبادرة الحزام والطريق عندما تم الإعلان عنها لأول مرة، فلن يكون هذا هو واقع الحال، فقد بات الجميع يعرف الآن ما يدور حول المبادرة بدرجات متفاوتة. ففي غضون 10 سنوات، أصبحت المبادرة جزءاً من الثبات الجغرافي الاقتصادي العالمي، بما لا يقل عن صندوق النقد الدولي، والبنك الدولي. وهنا لا بد من التذكير بما كانت عليه الصين في عام 2013 عندما تم إطلاق هذه المبادرة لأول مرة، حيث كانت البلاد تمر بعملية كانت الأولوية القصوى خلالها هي التنمية الاقتصادية للصين. لقد كانت هادئة على الساحة العالمية، وتسعى إلى الابتعاد عن الأضواء، وتلتزم وتطيع القواعد بدلاً من صنعها، وتشتهر بمعدل نموها الاقتصادي الاستثنائي.
لم يكن هناك سوى قدر بسيط من المعرفة في ذلك الوقت، لكن إطلاق مبادرة الحزام والطريق كان بمثابة إشارة إلى تحول كبير في علاقة الصين بالعالم. لقد كان لحظة بروز الصين وإثبات نجاحها بشكل ملحوظ. وليس من المبالغة القول إنه على مدى عقد من وجودها فقد غيرت المبادرة العالم، ولكن بأية طريقة؟
أولاً : عززت مبادرة الحزام والطريق مسألة التنمية لتصبح مركزية أساسية على المسرح العالمي. في المقابل، لم يقدم الغرب وبشكل دائم أكثر من مجرد كلام شفهي للعالم النامي، الذي كان ينظر إليه بازدراء، ويعامله بطريقة استغلالية وسلطوية. على العكس من ذلك، قدمت المبادرة نوعاً جديداً من الحلول للبلدان النامية، وخلال هذه العملية، أصبح العالم النامي يحتل مكانة متزايدة الأهمية على المسرح العالمي.
ثانياً: أقامت المبادرة نوعاً جديداً من العلاقات بين الصين والعالم النامي، حيث أصبح يُنظر إلى الصين على أنها بطلة الدول النامية، وصوتاً قوياً نيابة عن البلدان النامية، ليس فقط بالكلام ولكن بشكل حاسم بالأفعال.
ثالثاً: مهدت المبادرة الطريق لنوع جديد من التوافق العالمي، وبالتالي إلى نوع جديد من السياسة العالمية، فالعلاقة بين الصين والعالم النامي لا تقوم على رؤية مشتركة للسياسة أو الأيديولوجية، ولا على التحالفات العسكرية، ولكن على أهم قضية تواجه الغالبية العظمى من سكان العالم، وهي التنمية، وهذا النهج يختلف تماماً عن نهج الغرب. لقد كانت مبادرة الحزام والطريق هي مرحلة هذا التحول، والذي نرى أنه يتم التعبير عنه بعدة طرق مختلفة. أحد الأمثلة على ذلك، هو الموقف المستقل للغاية لجنوب الكرة الأرضية تجاه حرب أوكرانيا، حيث بشرت مبادرة الحزام والطريق بظهور علم الجغرافيا كقوة جديدة في الجغرافيا السياسية.
رابعاً: أدخلت مبادرة الحزام والطريق، لأول مرة، المبادئ الأساسية للفلسفة الصينية إلى العالم الأوسع، حيث كانت لغة ومفاهيم العلاقات الدولية والسياسة ولأكثر من قرنين من الزمان غربية بشكل حصري. لقد انتهى هذا العصر الآن، مع ظهور مبادرة الحزام والطريق، التي قدمت طرقاً جديدة لوضع المفاهيم، والقدرة على التفكير من منظور عالمي حقيقي لأن التنمية هي في جوهرها قضية عالمية، وهي فكرة مختلفة تماماً عن الوقت، مع جداول زمنية أطول بشكل كبير، بعيداً عن أن تكون محدودة ببضع سنوات، أو على الأكثر عقداً كما هو الحال في العقل الغربي، ففي حالة “مبادرة الحزام والطريق” يجب التفكير من منظور نصف قرن، أو حتى بدون أي حدود زمنية على الإطلاق، وهذا هو التحدي للتنمية. ثم بالطبع، لدينا فكرة العلاقات المربحة للجانبين بدلاً من التفكير الصفري، وثم هناك مفهوم الصين لمجتمع بشري ذي مستقبل مشترك، وتعتبر مبادرة الحزام والطريق تجسيداً حياً لها، وهو ما يشجع على التفكير فيما وراء القيود الضيقة للدولة القومية، ويمكن القول إن مبادرة الحزام والطريق تشبه دورة مكثفة في الفلسفة الصينية.
خامساً: تعد مبادرة الحزام والطريق نوعاً جديداً تماماً من المؤسسات الدولية، بعد أن هيمنت على النظام الدولي مؤسسات على غرار الولايات المتحدة مثل صندوق النقد الدولي والبنك الدولي، والتي تتميز بخصائصها المميزة أنها تمثل أقلية صغيرة من الإنسانية وتتحدث نيابة عنها. في المقابل، تعد مبادرة الحزام والطريق نوعاً جديداً من المؤسسات الدولية التي تسعى إلى تمثيل 85 في المائة من العالم الذين يعيشون في العالم النام. بعبارة أخرى، إنها تقدم لمحة عن نوع مختلف تماماً من النظام الدولي الذي تهيمن فيه مصالح الأغلبية وليس الأقلية، حيث تضم مبادرة الحزام والطريق الغالبية العظمى من دول العالم، أي من جميع أنحاء أوراسيا، بما في ذلك آسيا الوسطى، وجنوب شرق آسيا، وجنوب آسيا، والشرق الأوسط، وأجزاء من أوروبا جنباً إلى جنب مع إفريقيا وأمريكا اللاتينية.
تجاوز الاستثمار الصيني المباشر الخارجي غير المالي إلى البلدان الواقعة على طول الحزام والطريق منذ عام 2013 / 140/ مليار دولار بحلول نهاية حزيران 2022. ومن المهم أن نرى مبادرة الحزام والطريق كمؤسسة ديناميكية، أي مؤسسة تتحرك وتتغير باستمرار مثل تغير العالم نفسه. في المرحلة الأولية، كان التركيز الرئيسي على مشاريع البنية التحتية، ولكن إلى جانب هذه المشاريع، اكتسبت المشاريع الصغيرة والمتوسطة، والاحتياجات البيئية والمناخية، والتكنولوجيا الرقمية، والمشاريع الخضراء أهمية متزايدة. ومن الأمثلة الواضحة على كيفية تقدم وتراجع مبادرة الحزام والطريق اعتماداً على البيئة الأوسع نطاقاً، هو كيف استلزمت حرب أوكرانيا تركيزاً جديداً على الطرق البحرية، بعد أن تأثرت بعض خطوط السكك الحديدية بشكل واضح في أوكرانيا.
ماذا عن الرد الغربي؟
رفضت الولايات المتحدة في البداية مبادرة الحزام والطريق باعتبارها غير ذات صلة، ولكن، مع انضمام عدد متزايد من الدول إلى المبادرة أصبح من المستحيل تجاهلها، لذلك غيرت الولايات المتحدة تركيزها، وسعت إلى تقويضها ، متهمةً الصين بدبلوماسية الديون. في الواقع، كان العكس هو الصحيح، حيث بذلت الصين جهوداً كبيرة لمساعدة البلدان على تجنب الوقوع في ديون كبيرة، فما الذي يمكن أن تكسبه الصين من رؤية البلدان وهي مثقلة بالديون، إنها ستقضي على الهدف الكامل لمبادرة الحزام والطريق.
مع النجاح الباهر الذي حققته مبادرة الحزام والطريق، أدرك الغرب أخيراً أنه بحاجة إلى تقديم بديل لمبادرة الحزام والطريق، لكن ليس هناك ما يشير إلى أن الغرب، سواء كان الولايات المتحدة أو الاتحاد الأوروبي، أو الاثنين مجتمعين، لديه الالتزام أو الموارد أو القناعة السياسية للتوصل إلى بديل قابل للتطبيق. سوف يتطلب الأمر تحولاً هائلاً في موقف الغرب تجاه العالم النامي، وهو موقف غير متوقع بشكل واضح. وبعد 10 سنوات، ليس لدى الغرب ما يقدمه، ولذلك فإن مبادرة الحزام والطريق هي العرض الوحيد، وهو عرض غير عادي.