في أفراح النصر: الشباب العربي يَصدم الغرب ببوتين!
قبل أيام وعشية الاحتفال في روسيا بعيد النصر الكبير على النازية الهتلرية والفاشية الألمانية والعسكرتارية اليابانية وحلفائهم (الثلاثاء09مايو)، أفرد موقع “دي فيلت” الناشر بالألمانية، تقريرًا وُصف بأنه “صادم”، إذ أنه “تجاسر” في كشف نتيجة استفتاء شركة “أصداء بيرسون مارستيلر”، للعلاقات العامة بين الشباب العربي، والذي أعلن لأول مرة عن الحقيقة.. عن أن تقدير هذا الشباب العربي لأمريكا “يتهاوى”، بينما تتمتع روسيا “بتقدير أكبر منها بينهم”.
الى ذلك، اعتبرت صحيفة (فايننشيال تايمز) البريطانية أيضاً، أن نتائج هذا الاستطلاع تُبرز الرئيس الروسي فلاديمير فلاديميروفيتش بوتين في “تفضيل الشباب العربي له على غيره من زعماء العالم”، إذ أظهر المَسح السنوي زيادةً قدرها 12% في عدد المشاركين الذين يُعرِّفون “روسيا بوتين”، باعتبارها “حليفتهم الأكثر ثقة”، وذلك بعد أن وصلت نسبتهم إلى 21% مقابل 9% فقط عام 2016، حسبما أوردت الصحيفة.
وعلى النقيض من ذلك، انخفضت نسبة ألق وتأييد الولايات المتحدة بين شباب العرب إلى 17%، بعد أن كانت قد سجِّلت العام الماضي2016، نسبة 25% بحسب الاستطلاعات.
لكن، بماذا تشي هذه الأرقام والنِّسب وعن ماذا تكشف؟
بالمناسبة، لا بد مِن التنويه هنا أولاً، إلى أنه لم يكن في استطلاعات الرأي هذه أية تدخلات روسية. فروسيا بعيدة عن منظمات المجتمع المدني الأمريكية، التي يتم تمويلها من جانب أساطين المال والأعمال الأمريكان، وهي بالتالي تنطق بإسم الأساطين ولصالحهم. وما النتيجة التي كشفت عنها مؤسسات الاستطلاع والصحافة الأمريكية والغربية عن شعبية بوتين في العالم العربي، وربما في الغربي أيضاً، إلا نتيجة متوقعة وموضوعية أفضت إليها حالة المواجهة والتنافر التي يعانيها المجتمع الأمريكي برمته، ما بين مؤيّد للرئيس ترامب، ومعارض له، وللتخبط في سياسات “عواصم الألق التاريخي” الغربية “الكبيرة”، وتراجع تأثيرها السياسي والمعنوي، وحلول روسيا بوتين محلها. وهنا ندرك التغيّر التاريخي الذي يؤدي الى نتيجة منطقية مغايرة للماضوية الغربية، إذ يتّسق مع التطور في مستويات الإدراك السياسي للأحداث المصيرية التي تجري في الأوسط الشعبية للبلدان النامية والفقيرة، التي تمثّل غالبية البشرية.
والملاجظ كذلك، أن الزمن لم يعد يُحالف الغرب برمته. فإقرار الغرب بشعبية بوتين يَفرض نفسه في الوقت ذاته الذي تفبرك فيه وسائل إعلام غربية وعربية تابعة لها، ما يُسمّى بتدني شعبية بوتين في روسيا، وعشية الاحتفالات بنصر روسيا في الحرب الكونية الثانية، ووأدها تحالف المحور الغربي، وهزيمته على أبوب موسكو ولينيغراد وستالينغراد وغيرها العشرات من المدن الروسية البطلة، وها هو نصر بوتين الروسي يَطل مجدداً في الأفئدة العربية ويتوطن في عقول العرب، ويعترف به الغرب مُرغماً ومُكرهاً، في مصادفة تاريخية لم يَحسب هذا الغرب حسابها بالتأكيد، وفي هذه الايام العظيمة التي نشهد فيها الاستعداد لتدشين النصر البوتيني أيضاً على فلول الارهاب الدولي في سورية.
لكن الاستطلاعات تشي بشيء أخر أيضاً، لا يَقل أهمية عن كل ما تقدّم. فهي تنبئ بصورة غير مباشرة كما يبدو، عن وضع عربي غير مألوف منذ سنوات طويلة، هو أن (روسيا بوتين) بالذات صارت عامل جذب أوسع للعرب، وبخاصة لأجيالهم الجديدة التي ستقبض على الدفة العربية، وتحكم البلدان العربية مُستقبلاً، وتدير مؤسسات الحُكم والعلوم والسياسة فيها، إذ بدأت ملامح التغيير تغزو الشباب العربي الذي ينفض عن نفسه ولو ببطء أثقال الماضي، لينتقل من “الصديق الغربي التقليدي”، الى موسكو بوتين، والى روسيا بوتين، الى حيث ستبدأ هجرة الشباب العربي الجديدة نحو (العالم الروسي)، الذي تمكّن الإعلام الغربي والأمريكي من تحييده لنحو عشرين عاماً، بعد البيريسترويكا اللعينة. لكن الغرب الذي اعتاد إدارة العالم العربي والتحكّم بمصائر شعبه، لن يَغفر لبوتين هذه الشعبية العربية، وسيبقى يتحيّن الفرص لإخراج روسيا من عالم العرب، وبسط سيطرته على طُرق تصدير الطاقة العربية إلى عواصمه مجاناً، في استمرارية لمحاولاته خنق روسيا اقتصادياً و.. روحياً، ولقطع شرايين تواصلها مع بلاد الشام التي تشكّل تاريخياً، واحدة من أهم ينابيع الثقافة الروسية وشخصية المواطن الروسي وإيمانه.
وفي الأوساط المسيحية العربية أيضاً، نلمس تعاظماً في تأييد روسيا البوتينية. فموسكو بوتين ضامنة حقيقية لتحرير العرب من هيمنة الارهاب المباشر وغير المباشر عليهم، وهي ظهير موثوق ومُجرَّب. لهذا باتت أوسط مسيحية عديدة تطرح في العَلن، إمكانية انتقالها الروحي والإداري الى “بطريركية موسكو وكل الروسيا”، وتزداد الرغبة بوجود كنائس روسية للمسيحيين العرب وذوي الأصول الروسية، سيّما في الاردن، حيث موقع العُمّاد المسيحي الوحيد في الكرة الارضية، لكونه لا يستطيع استيعاب المسيحيين يومياً للصلاة فيه لأسباب كثيرة، ما يطرح على بساط البحث فكرة تشييد كنائس روسية في العاصمة الاردنية عمّان، وتعيين كهنة دائمين لها، وإنشاء إدارة روحية روسية منفصلة بكهنتها وإدارتها، لخدمة قضايا المسيحيين المُنتمين إليها، والذين يُعانون الكثير لانتفاء وجودها للآن.
أما في المجال الإسلامي، فهناك العديد من المُطالبات بضرورة شروع الرئيس الشيشاني البطل رمضان قاديروف، بتجسير علاقاته بالشعب الاردني، سيّما بناء مساجد في الاردن، أسوة ببنائه مسجداً في إحدى قرى القدس الشريف، ولزوم توثيق العلاقات مع الجمهوريات الإسلامية الروسية، التي أبتعثت شرطتها العسكرية لحماية المدنيين وضمان الأمن والآمان في حلب ومدن ومناطق سورية أخرى، عِلماً أن الرئيس قاديروف يتمتع هو الآخر بشعبية كبيرة في الأوساط العربية والإسلامية، وليس في المجتمع الشيشاني الاردني فحسب.
*رَئِيس رَابِطةُ القَلَمِيِّين مُحِبِّي بُوتِين وَرُوُسيّه للأُردنِ وَالعَالَم العَربِيِّ.
**كَاتَبَة وَرَئِيسَة تَحرِير (المُلحَقُ الرّوُسِي) سَابَقاً، وَرَئِيِسَة الفِرع النِّسائِي فِي رَابِطةُ القَلَمِيِّين مُحِبِّي بُوتِين وَرُوُسيّه للأُردنِ وَالعَالَم العَربِيِّ.