في أسباب تراجع أوباما عن العمل العسكري
صحيفة الخليج الإماراتية ـ
يوسف مكي:
ليس من المعتاد أن يطرح المتابعون لتاريخ السياسة الأمريكية السؤال، عن أسباب إقدام رؤساء الولايات المتحدة الأمريكية على اتخاذ قرارات الحرب، بحق الدول الأخرى، فتلك هي القاعدة، والاستثناء هو التردد عن الدخول في الحروب .
فمنذ إعلان الرئيس روزفلت الحرب على دول المحور، في الحرب العالمية الثانية، تفرّد الرئيس جيمي كارتر، بين كل الرؤساء بالامتناع عن الزج بالجيش الأمريكي في دخول حرب ضد أي من الدول، مع أنه كان الأكثر احتياجاً لشنها، إثر قيام الحرس الثوري الإيراني باحتجاز أعضاء السفارة الأمريكية في طهران، في الأيام الأولى للثورة الإيرانية التي قادها آية الله الخميني . قام بمحاولة يائسة لإنزال قوات من البحرية الأمريكية لإنقاذ الرهائن، وتعثرت تلك المحاولة إثر سقوط الطائرة العسكرية التي تحمل قوات المارينز، ولم يعاود المحاولة مرة أخرى .
والخلاصة، أن الشعور بالحاجة إلى حرب، عمّ معظم الرؤساء الأمريكيين . فالنصر العسكري هو الطريق الأسهل للدخول في قائمة القادة العظام . فلماذا إذاً تردد الرئيس أوباما عن تنفيذ تهديده بالحرب ضد سوريا؟
قبل يومين من انعقاد الكونغرس الأمريكي، صرح أحد أعضائه، بأنه من غير المتوقع أن ينهي المجلس مناقشاته حول الأزمة السورية قبل أسبوعين من انعقاده . وقد أشارت استفتاءات الرأي إلى أن المعارضة للحرب قوية داخل الكونغرس . وأن أوباما لن يتمكّن من حشد عدد كاف لاستصدار قرار يؤيد الضربة العسكرية .
دفع موقف الكونغرس هذا بالرئيس الفرنسي، إلى الإعلان عن أن مشاركته في أية عملية عسكرية ضد سوريا، ستظل مشروطة بنتائج التحقيق الأممي حول استخدام السلاح الكيماوي في غوطة دمشق . وقبل الإعلان الفرنسي، رفض مجلس العموم البريطاني المشاركة في الحرب .
وفي قمة مجموعة العشرين، فشل الرئيس أوباما في حشد التأييد للحرب، وكشفت الاجتماعات عن صلابة الموقف الروسي، حيث أعلن بوتين صراحة، أنه سيواصل تقديم الأسلحة والدعم الاقتصادي والإنساني للحكومة السورية، حتى لو نفذت الإدارة الأمريكية مشروع الحرب عليها .
والنتيجة أن قرار الحرب، ظل متردداً . ولا يستثنى الرئيس أوباما من هذا التوصيف . فليس في الذاكرة المعاصرة، حادثة تشير إلى انتظار أي رئيس أمريكي موافقة من الكونغرس لشن الحرب . فهو وحده بموجب الدستور صاحب هذا القرار وهو القائد الأعلى للقوات المسلحة . وبموجب التقليد الأمريكي، فإن الرئيس يشن الحرب أولاً، ثم يبلغ الكونغرس الأمريكي . وتمتد فترة تجاوزه للكونجرس التسعين يوماً .
يشير كثير من المحللين السياسيين في الغرب، إلى أن الشراكة الأمريكية مع الصين وروسيا تعززت في الأزمة الاقتصادية العالمية . وكان دور الصين، بمخزونها المالي، وشرائها للسندات الأمريكية عامل تهدئة وخلق مناخات جيدة للخروج من الأزمة، التي لا تزال تداعياتها ماثلة حتى يومنا هذا . إن الخشية على هذه الشراكة هي أحد أسباب التردد الأمريكي . فروسيا والصين تقفان بقوة ضد أي تدخل عسكري أمريكي في سوريا، واستخدما “الفيتو” مرات عدة للحيلولة دون صدور أي قرار يوصي بتطبيق الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة بحق القيادة السورية .
تنفيذ وعد الرئيس أوباما بالحرب على سوريا، يعني أمرين خطرين بالنسبة لصانع القرار الأمريكي . الأول هو تعرض العلاقة الاقتصادية مع الصين وروسيا للخطر . وقد ألمح الرئيس الصيني إلى ذلك في خطابه في اجتماعات مجموعة العشرين . إن تراجع العلاقة الأمريكية مع الصين وروسيا سيسهم في خلق أزمة اقتصادية عالمية أكثر حدة . والثاني، هو استعادة روح حرب فيتنام . ففي تلك الحرب لم يتدخل السوفييت والصينيون فيها بشكل مباشر، وكان دعمهما لوجستياً في الحرب . بقيت جسور الإمداد العسكري السوفييتي والصيني مفتوحة لسنوات عدة . تمددت الحرب إلى لاوس وكمبوديا، ولكنها انتهت بهزيمة سياسية ماحقة لأمريكا .
يخشى أوباما من تكرار سيناريو فيتنام، خاصة أن الروس أفصحوا أنهم سيساعدون سوريا لوجستياً، في حالة اندلاع الحرب . وأوضح رسالة في هذا السياق، هي إنذارهم المبكر، قبل أيام عدة عن الصاروخين الباليستيين “الإسرائيليين”، وإبلاغهم بوتين عنه، في رسالة واضحة للإدارة الأمريكية، عن نواياهم في حال اندلعت الحرب .
صحيح أن الإدارة الأمريكية بوسعها أن تبدأ الحرب، وبإمكانها أن تعلن عن أنها ستكون محدودة وجزئية، لكن ما هو متاح من معلومات، يشير إلى رفض القيادة السورية وحلفائها للتكتيك العسكري الأمريكي، واعتبارها إطلاق صاروخ أمريكي واحد هو بمثابة إعلان حرب شاملة . وهو أمر لا يرغب به الرئيس أوباما، الذي خاض حملته الانتخابية الأولى على أساس عدم توريط بلاده بحروب مماثلة كالتي خاضها سلفه الرئيس جورج بوش .
يعلم الرئيس أوباما، عبر المواقف الروسية – الصينية المعلنة، أن الحرب المفترضة، إذا ما تحققت لن تكون نزهة، وأنها يمكن أن تشعل النيران في عموم المنطقة، بما في ذلك “إسرائيل” . وذلك هو سر تردده .
بالإمكان الحديث عن قوة النيران الأمريكية و”الإسرائيلية”، لكن المفاتيح ليست جميعها بيدها . وفي الحروب ليس بإمكان التأكيد على مآلاتها وتطوراتها . والتقديرات تشير إلى أن هذه الحرب، إن حدثت ربما تحمل مفاجآت غير سارة . وحتى إذا افترضنا، أن الأمور سارت بسلاسة، وفق الترتيبات الأمريكية، فالمؤكد أن هناك فراغاً سياسياً كبيراً ستعيشه سوريا ما بعد الانتهاء من الهجوم العسكري . والأقرب أن تتفتت إلى مناطق يتقاسمها أمراء الحرب، من جبهة النصرة، وتنظيمات أخرى متطرفة . وأن تعيش لأمد غير منظور في وضع مشابه لليبيا، مع فارق موقع سوريا في الخارطة السياسية، واحتمال انتقال الفوضى لدول مجاورة، بما يهيئ الفرص لتنفيذ مشروع الوطن البديل في الأردن . ويجعل المنطقة بأسرها حبلى بمفاجآت لا تحمد عقباها .
ما حدث مؤخراً، هو وقفة هدنة في الصراع بين العمالقة على سوريا، لها ما بعدها، من تطورات في ملف الأزمة، فإما الذهاب إلى جنيف وذلك احتمال ليس مؤكداً، أو أن تستمر آلة القتل في طحنها، إلى أمد غير محدود، وذلك ما ستكشف عنه التطورات اللاحقة، بعد القبول السوري للمبادرة الروسية بتسليم مخزونها من السلاح الكيماوي وتوقيع اتفاقية حظر استخدام هذا النوع من الأسلحة . وما لم يتمكن العقلاء من إيقاف هذه الحرب المجنونة، فليس أمامنا سوى المزيد من الخراب والانهيار وفقدان الأمن .