فلسطين وإيران بألسنِ الأَناسِيَةِ
صحيفة الديار الأردنية ـ
يلينا نيدوغينا:
أمس كتبتُ مقالةً عن العلومية الإيرانية المُتقدِّمة والشاسعة في فضاءاتِها. بعض الأَناسِيّين، مِن الاخوات الكاتبات والمواطنات الاردنيات، وعدد من الاساتذة اتصلوا بي، بعضهم كان مُعَاتِباً، والآخر مؤيداً لما ذهبت إليه في حديثي، والثالث قال، يا حبذا لو أنظر الى إيران طائفياً، بمعنى أن الشيعة “ليسوا منّا”!… الى آخر المطاف.
في الحقيقة، أنا لست طائفية أو مذهبية دينية، ولست متقوقعة ولا مُغلقة على نفسي، ولا متصلبة أو مُعلّبة على ذاتي عنصرياً أو قومياً ودينياً. وفي كتاباتي لا أنحاز الى طائفة بعينها، أو عنصر ما، ونظرتي الى الامور والوقائع هي واقعية، متلاقية ومنسجمة مع المبادئ الانسانية والأنسنة العامة والشاملة ولصالح الكل وقضية الكل. ورأيي هو ببساطة ودقّة أنني أنظر لكل قضية من زاوية سياسية، ومن منظار مدى توافق هذا الطرف أو ذاك مع قضية تحرير فلسطين ونُصرتها.. فلسطين المقدسة، كل فلسطين التاريخية والجريحة، فلسطين قضية البشرية، وقبلها وأولها أنها قضية العرب الاولى، وقضية المسلمين الاولى، وقضية المتحررين والاممين والشرفاء الاولى، ولا يجب ان تكون قضيتهم الثانية.
لا أعرف إيران عن قُرب، ولا أعرف أي إيرانيين، لكن الموقف لا يُبنى على معرفة شخصية، بل على معرفة سياسية ومنهجية. لذا، إذا أخطأت إيران في ملف ما وقضية ما، سأكتب وأقول بأنها أخطات هنا وهناك. وإذا أخطأ الأخرون غيرها، سأقول بفمٍ صارخ، أنهم أخطأوا.. وعندما تتقدم إيران علمياً وتقنياً وإنسانيًا، فيسرّني الكتابة عن ذلك، ويغبطني الإشادة بتقدمها ونجاحاتها، وهو نمطي الذي يَنسحب على الكل من أجل الكل، عدا دويلات الإحتلال، القمع، وأنظمة الاستعمار والقتل.
يَسرُّني أيضاً أن أستمع من أناسيين يعرفونني، ومِن مَن لا يعرفونني شخصياً، إلى نقد من أي كان تجاه كتاباتي. والكاتب يَحتاج باستمرار الى الاستماع الى النقد، وإلى توجيه الجماهير والرفاق والاصدقاء والأنصار والاحبة، وهم زاد له وخبزه اليومي كما زاده في الثقافة والعلومية المتعددة. لكن، ان يبلغ البعض مبلغ الاتهامية، والتجريح، فهو شيء غير مقبول، بل ومرفوض، ويعكس سوء صاحبة، وضيق أفقه، وينطبق عليه صفة الرجل المُعلّب الذي يَخشى الجميع، ويبتعد عن الكل، ويرى الناس والأحداث من زاوية ضيقة، ربما لا تتسع له حتى.
وبرغم مرضي الخطر، ورغم همومي الصحية اليومية، وتعرضي الى علاج يومي، وترددي على الأطباء والمستشفيات يومياً، وبرغم حقد الحاقدين، وآفات المستثمرين في مآسي الانسان، وأشباه البشر القثائيين المتجردين من كل شيء عدا جمع الاموال والشهرة الزائلة، إلا أنني تمكّنت من الرد على أسئلة واستفسارات الصديقات والاساتذة الكتّاب، وهو واجبي تجاههم، واوضحت لهم موقفي ببساطة حول إيران وغير إيران، ذلك ان فلسطين ستبقى كامنة في قلبي وقلوب البشر أجمعين. ففلسطيننا عظيمة، وهي موطن الإنسانية جمعاء، وهي التي قدّمت التوحيد للعالم، ووفرت له رسائل الخلاص وأشعار السماء، والحضارة الروحية، وثقافة الأنسنة، وقِيم التآخي، وربطت والامم صَغيرها وكَبيرها وجمعت الشعوب بعضها ببعض على كلمة سواء، وشدّتهم الى الاستمساك بعُرىً روحية ومعنوية وإنسانية سامية، لا مَثيل لها على امتداد أزمان الناس، ولا سابق لمستواها، ولا قادم لمكانة مثلها ولهدفِها الرفيع، الذي سيبقى الأمثل والأعلى والصورة الأجمل والأبهى.
أتدرون لماذا يَحبّون فلسطين في العالم.. ولماذا لا يحبون “إسرائيل”؟.. ولماذا يدرِّسُون تاريخ فلسطين، ولماذا يدرّسُون تاريخ بلاد الشام وأغاني فيروز ووديع الصافي في كليات ومدارس أناسية معرفية واستعرابية وإستشراقية أجنبية؟.. ولماذا يدقِّقون في وحدة فلسطين وبلاد الشام التي كانت كلها وحدة واحدة أيام “الشاقل”، أو “الشيكل”، العِملة العربية الكنعانية، وما قَبل الكنعانيين، وأزمان العمّونيين، وغيرهم؟.. ببساطة لأن فلسطين والشام الكبرى مِن حولها، هي تاريخ الخلاص العالمي، فبِهَا يكون السلام عالمياً، وبها تكون الحرب دوليةً، ومِن أجلها يَحترب البشر ويتنازعون، لذلك ترون أن كل دولة استعمارية تريد لنفسها شرعية بإمتلاك ولو متر مربع واحد في فلسطين، ولو كنيسة صَغيرة فيها وعلى الضفة الشرقية للنهر المُقدّس في منطقة العُمّاد الاردنية، وفي رياح الاردن، حيث التاريخ الاسلامي الذي كُتب هنا للناس أجمعين، ونَبَع هنا، وانتشر مِن هنا الى الشمال والغرب، ونحو الجنوب والشرق كذلك.
نعم، أنا أحب فلسطين، واريد أن أتقدّس بها. وبرغم من أنني وزوجي نواجه المنع من دخولها منذ سنين طويلة، ومطلوبون للاحتلال بسبب حُبّنا واخلاصنا لها، إلا أن رؤيتي هي، أن جيل عربي وأجنبي واعٍ ومُتّحد سيتقدم لتحريرها، وسوف يُدخِلُنا إليها كفاتحين ومُطهِّرين لها من أدناس الاحتلال الصهيوني والعالمي، وسنتَبَّرّكُ بها، وسوف تَحكم فلسطين على الكلِ في محكمةٍ دوليةٍ للانسانيةِ. فمن معها يَكون نظيفاً وشريفاً، ومَن تآمر عليها من الأَناسِيَةُ يَستحق دينونة كبرى، وإيران ودول غير إيران، يُحكم عليها من زاوية الإخلاص لفلسطين وأمانيها، مكانتها وقُدسيتها.. وإنَّ غــداً لناظرهِ قــريـبٌ..
*كاتبة وإعلامية ورئيسة الفرع الاردني للاتحاد الدولي للصحفيين والإعلاميين والكتّاب العرب أصدقاء الصين، ورئيسة تحرير الملحق الروسي سابقاً بالاردن.