فلسطين.. جدل الوحدة والتحرير
موقع قناة الميادين-
وليد القططي:
فصل المقال في جدل الوحدة والتحرير أنَّ العلاقة بينهما هي علاقة جدلية تبادلية، بمعنى وجود تأثير متبادل بينهما.
بعد نكبة فلسطين الأولى في العام 1948م، تأسَّست حركة القوميين العرب لمواجهة تحدي الهزيمة والنكبة، ورفعت شعار “الوحدة والتحرر والعودة”، واعتبرت أنَّ الوحدة العربية هي الطريق لتحرير فلسطين وعودة اللاجئين.
وبعد نكبة فلسطين الثانية في العام 1967م، تأسَّست الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين من رحم حركة القوميين العرب، لمواجهة تحدي الهزيمة والنكسة، بعد أنْ أدركت استحالة وحدة الدول العربية بأنظمتها الحاكمة الرجعية المرتبطة بالاستعمار، فطرحت وحدة القوى العربية الثورية كطريق للتحرير والعودة، وأكدت ذلك في مؤتمرها العام في شباط/فبراير 1969م، ونصّه: “إنَّ استراتيجية تحرير فلسطين تتطلَّب استراتيجية فلسطينية متلاحمة مع استراتيجية ثورية عربية… وطريق التحرير هو جبهة فلسطينية عربية ثورية تُنضج العمل الفدائي وتحميه وتسانده، وتمهّد الطريق لامتداده حتى يشمل (إسرائيل) من كل جوانبها”.
وخلافاً للشعار القومي والجبهوي (الوحدة العربية طريق التحرير والعودة)، طرح التيار الوطني الفلسطيني، ممثلاً بحركة التحرير الوطني الفلسطيني (فتح)، شعاراً معاكساً هو “تحرير فلسطين هو الطريق إلى الوحدة العربيّة”، تحت ضغط اليأس من تحقيق الوحدة العربية، وهو الشعار الذي يعني أنَّ على الشعب الفلسطيني أن يعتمد على نفسه في الأساس لخوض معركة التحرير، من دون أنْ يعني ذلك الانتقاص من أهمية الدور العربي في دعم مشروع التحرير.
لذلك، اعتبرت حركة “فتح” في مبادئها أنَّ الثورة الفلسطينية هي طليعة الأمة العربية في معركة تحرير فلسطين، والمعركة واجب قومي، تُسهم فيه الأمة العربية بكل إمكانياتها وطاقاتها المادية والمعنوية، إيماناً منها أنَّ معركة تحرير فلسطين سوف تُسفر عن حل التناقضات القائمة في الوطن العربي، كما أنَّ حرب التحرير هي وحدها الكفيلة بتوحيد الأمة العربية ورأب الصدوع في بنائها.
وحلاً لإشكالية الخلاف بين القوميين والوطنيين الفلسطينيين حول جدل الوحدة والتحرير، جاء في الميثاق الوطني الفلسطيني أنَّ “الوحدة العربية وتحرير فلسطين هدفان متكاملان، يهيئ الواحد منهما تحقيق الآخر، فالوحدة العربية تؤدي إلى تحرير فلسطين، وتحرير فلسطين يؤدي إلى الوحدة العربية، والعمل لهما يسير جنباً إلى جنب”.
وتأكيداً للترابط بين هدفي الوحدة والتحرير في الميثاق، اعتبر “مصير الأمة العربية، بل الوجود العربي ذاته، رهناً بمصير القضية الفلسطينية. ومن هذا الترابط، ينطلق سعي الأمة العربية وجهدها لتحرير فلسطين، ويقوم شعب فلسطين بدوره الطليعي لتحقيق هذا الهدف القولي المقدس”. كما أنَّ تحرير فلسطين من الاحتلال الصهيوني وتحرير الوطن العربي من الهيمنة الاستعمارية الغربية هما معركة واحدة، سيؤدي الانتصار في أي منها بالضرورة إلى الانتصار في المعركة الأخرى.
إنّ جدل الوحدة والتحرير كان حاضراً لدى الحركة الإسلامية الفلسطينية. ويمثل مدرسة “الوحدة طريق التحرير” حزب التحرير، فالحزب رغم نشأته الفلسطينية على يد الشيخ تقي الدين النبهاني، لم يعتبر فلسطين قضية الحزب المركزية، واعتبر إقامة الخلافة الإسلامية هي قضيته المركزية، ورأى أنَّ توحيد المسلمين تحت راية الدولة الإسلامية الواحدة وتنصيب خليفة عليها هو الأساس في حل كل مشاكل الأمة، ومشكلة تحرير فلسطين ستكون إحدى مهام دولة الخلافة، ومن خلال جهاد جيشها فقط.
الإخوان المسلمون قبل إنشاء حركة المقاومة الإسلامية “حماس” كانوا يحملون فكرة قريبة من ذلك، تتعلق بإقامة دولة إسلامية تكون قاعدة لدولة الخلافة التي ستتكفل بمهمة تحرير فلسطين في مرحلة التمكين الإسلامي. وأولوية الوحدة على التحرير لدى الإخوان المسلمين تغيرت بعد تشكيل حركة “حماس” في مطلع الانتفاضة الأولى، ليصبح التحرير أولوية على الوحدة كواجب على الشعب الفلسطيني خاصة، والأمة العربية والإسلامية عامة.
أما حركة “الجهاد الإسلامي” في فلسطين، فتبنّت العلاقة الجدلية بين الوحدة والتحرير، وظهر ذلك جلياً في خطاب الأمين العام للحركة الأستاذ المجاهد زياد النخالة في مؤتمر الوحدة الإسلامية المنعقد في طهران مؤخراً في إطار أسبوع الوحدة الإسلامية، فقال: “إنَّ نهضة الأمة وتحقيق وحدتها سيبقى مرتبطاً ارتباطاً جدلياً بتحرير القدس وفلسطين من الاحتلال الصهيوني، أي لا وحدة من دون القدس وفلسطين، ولا قدس وفلسطين من دون الوحدة”.
هذه الرؤية منسجمة مع رؤية الأمين العام المؤسس للحركة المفكر الشهيد فتحي الشقاقي، الذي اعتبر أنَّ السمتين الأساسيتين للمشروع الغربي الاستعماري ضد الأمة هما التجزئة و”إسرائيل”، وأنَّ أي مشروع مُضاد يجب أن يكون شعاره وهدفه القضاء على التجزئة وإعلان تكريس وحدة الأمة، كما يكون شعاره وهدفه إعلان الجهاد للقضاء على “إسرائيل”.
وتأكيداً لذلك، يقول: “نحن نرى في جهادنا دعوة لاستنهاض الأمة كي تقوم بواجبها، كي تنهض وتتوحّد وتتوجّه إلى بيت المقدس”، وهو ما جاء في الوثيقة السياسية للحركة تحت عنوان “المشروع الصهيوني”، ونصه: “قيام الكيان الإسرائيلي هو تجسيد لإرادة القوى الاستعمارية الغربية ورغبتها في إنشاء كيان بشري وجغرافي حاجز، لفصل مشرق الوطن العربي عن مغربه، وعزل مصر عن بلاد الشام وسلبها مكانتها الاستراتيجية ودورها المركزي في المنطقة، ومنع قيام أي وحدة عربية أو إسلامية، وتكريس التجزئة والتبعية، وخدمة المصالح الاستعمارية الغربية”.
وبناءً على ذلك، إنَّ أي مشروع للأمة أو أحد مكوناتها هدفه الوحدة والاستقلال والنهضة لن يُكتب له النجاح ما دامت “إسرائيل” موجودة في فلسطين، قلب الأمة، كما أنَّ أي مشروع لتحرير فلسطين لن ينجح بدوره من دون العمل على تكوين وحدة عربية وإسلامية تضم كل الدول والقوى الحية الرافضة لوجود الكيان الصهيوني في فلسطين، والهيمنة الاستعمارية الأميركية على الأمة، وهذا ما نراه اليوم يتحقق في محور المقاومة الذي يتبنى الوحدة والتحرير طريقاً للنهضة.
فصل المقال في جدل الوحدة والتحرير أنَّ العلاقة بينهما هي علاقة جدلية تبادلية، بمعنى وجود تأثير متبادل بينهما، فالتقدم في إنجاز مشروع الوحدة – الوطنية والقومية والإسلامية – يؤدي إلى التقدم في مشروع تحرير فلسطين، كما أنَّ التقدم في إنجاز مشروع تحرير فلسطين من الاحتلال الصهيوني، وتحرير إرادة الأمة من الاستعمار الأميركي الجديد، يؤدي إلى التقدم في إنجاز مشروع الوحدة بمستوياتها الوطنية والقومية والإسلامية. والتقدم في مشروعي الوحدة والتحرير معاً يعني وضع فلسطين والأمة في بداية طريق النهضة والعالمية الإسلامية الثانية.