فشل استخباراتي ’إسرائيلي’ في مواكبة الحدث السوري
ينطوي الفشل الاستخباراتي الإسرائيلي المتوالي، الذي تم الاعتراف به وتفسيره وتبريره في غير محطة، على عدد من المفاهيم والعبر التي ينبغي التوقف عندها:
· لم تنجح محاولة الاستخبارات العسكرية، أمان، بتفادي السقوط في فخ التقديرات الخاطئة على مستوى استشراف مستقبل الأحداث في سوريا. ولهذه الغاية، سبق أن قلصت الفترة الزمنية لآفاق تقديرها من سنة إلى ستة أشهر. مع ذلك، لم ينجح هذا الإجراء في تحقيق المؤمل منه. فأخفقت الاستخبارات في توقع التدخل الروسي وحجمه ومفاعيله، وصولًا إلى الاعلان عن وقف اطلاق النار، وحقيقة الحديث عن الانسحاب الروسي من الاراضي السورية..
· أيضا، على المستوى السياسي، كانت الاستخبارات والقيادة السياسية تتوقع تفكك سوريا على اسس مختلفة.. لكنها عادت وفوجئت بمسار سياسي لم تكن تتوقعه، الامر الذي دفعها إلى الاعلان عن تغيير التقدير الاستخباري، كما عبَّر مسؤول الساحة السورية في الاستخبارات العسكرية، في مقابلة مع صحيفة “إسرائيل اليوم”. بغض النظر عن حقيقة مستقبل وافاق الحدث السوري.
· يشي التغيير في التقدير الاستخباري الإسرائيلي بأن “تل أبيب” لم تتوقع انطلاق المسار السياسي، بصرف النظر عن آفاقه الزمنية البعيدة.. لكن الاستخبارات باتت ترى أن فرصه لم تعد معدومة كما كانت عليه من قبل. حيث كانت ترى أن “الحرب ليس لها أفق ومن غير المتوقع حصول حسم في المستقبل المنظور”. أما الآن باتت الاستخبارات ترى إمكانية فعلية لعودة سيطرة الدولة، بصيغة من الصيغ.
· مع ذلك، لا يعني أن الاستخبارات ترى أن هذا المسار على وشك التحقق، بل لا تستبعد أن يستغرق سنوات، خاصة وأنه مرتبط ايضا بمتغيرات كثيرة؛ وهذا يعني أن اسرائيل كانت ترى هذا الافق في متغيرات الساحة السورية، مستبعدًا بالكامل، لكن الاستخبارات العسكرية عادت وتراجعت واستبدلت تقديراتها السابقة، الامر الذي يكرس حقيقة سقوطها في فخ التقديرات الخاطئة.
· إلى ذلك، لا تزال الاستخبارات ترى أن الدولة السورية، التي لم تعد تستبعد عودة سيطرتها على كامل اراضيها، قد تكون فيدرالية أو ضمن صيغة تتعدد فيها مناطق الحكم الذاتي..
· فيما يتعلق بمستقبل القيادة السورية، ترى الاستخبارات أنه ليس واضحا من سيكون رئيس الدولة الجديدة، هل سيكون الرئيس الاسد نفسه، أم سيكون له خلفاء.. ومن هم.. ويؤشر هذا القصور في ترجيح أي من السيناريوهات. إلى حالة لا يقين تشهدها القيادة الإسرائيلية، الامر الذي ينعكس في الاداء والاستعداد والخيارات..
· وعلى ما يبدو، فإن خلفية الحراك السياسي والدبلوماسي الإسرائيلي النشط ازاء روسيا، يعود من ضمن أمور أخرى، إلى ما ورد على لسان مسؤول الساحة السورية في الاستخبارات العسكرية، الذي رأى أن الممر الالزامي لتسوية مفترضة كهذه، هي روسيا.
· يبدو من هذا التقدير أن العدو بات يسلم بعدم امكانية الحسم لصالح أي من الأطراف، الأمر الذي وضع المسار السوري أمام خيارين: إما المراوحة أو التسوية. ويمكن الافتراض بأن المراوحة وفق الصيغة الحالية تنطوي على الكثير من المخاطر على قوى اقليمية خاصة لجهة استمرار سيطرة داعش والنصرة.. اللتين تتجاوز طموحاتهما الساحة السورية.. على خلفيات عقائدية وسياسية..
· ضمن العوامل نفسها التي تضغط على الاطراف الدولية والاقليمية، تنطوي المراوحة على بقاء الرئيس الاسد على رأس الهرم القيادي للدولة السورية، وعلى التحالف القائم مع حزب الله في لبنان، وصولا إلى الجمهورية الاسلامية. ويعني ذلك، استراتيجيا، أنه سيكرس معادلات اقليمية متداخلة مع وقائع اخرى، تعزز المخاطر المحدقة بدول وانظمة اقليمية، بما فيها “إسرائيل”.
على ضوء ما تقدم، من الواضح بأن “إسرائيل” تشهد حالة من التخبط على مستوى التقدير، واقل ما يمكن التعبير به أنها لم تنجح في مواكبة الحدث السوري، على هذا المستوى. وحاولت تل ابيب لتجنب مفاعيل الاخطار غير المحسوبة عبر الحذر الشديد من التورط المباشر الذي قد ينعكس سلباً على أمنها القومي..