فرنسا الحائرة وإيران الصاعدة من البحر الأبيض المتوسط إلى المحيط الهادئ
صحيفة الوفاق الإيرانية-
السيد عماد الدين الحمروني:
“إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ، وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَدَاءَ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ” (آل عمران/140)
ملخص
ديناميكية التاريخ والجغرافيا والتحوّلات الكبرى في عالم دائم التغيّر تستدعي من كل دولة وقوة صاعدة وضع الرؤية الإستراتيجية حسب مصالحها الحيوية وأمنها القومي، نحاول في هذا المقال تسليط الضوء على حركة التاريخ في منطقة المتوسط وعلاقتها بما يقع اليوم بالمحيط الهادئ والهندي، 1750 م كان مفصلياً في تاريخ الأمم حيث ولأول مرة تتوازن القوة بين الشرق والغرب ومن ثمّ سيصبح الغرب الأوروبي أولا ثم الأمريكي ثانياً القوة الكبرى المسيطرة على باقي الأمم والمشكّلة لعالمنا المعاصر حتى هذا التاريخ.
مثّلت فرنسا مركز إنطلاق لمفاهيم حضارية جديدة خاصة بعد الثورة الفرنسية 1789 م وحتى قبلها واستطاع نابوليون بونابرت بحروبه المتعددة داخل وخارج أوروبا أن يعيد تشكيل موازين القوة أوروبياً أولاً وشرقياً ثانياً ومثّلت بريطانيا المنافس الأبرز والخصم الأكبر لفرنسا بداية من 1792 م.
ظهر في العالم صراع الكتل الكبرى، الكتلة الأنقلوسكسونية بقيادة بريطانيا والكتلة الجرمانية بقيادة ألمانيا والكتلة السلافية بقيادة روسيا والكتلة اللاتينية بقيادة فرنسا. مع تفكك الدولة العثمانية وإنهيارها تقاسمت تركتها فرنسا وبريطانيا مع بداية القرن العشرين. إنتصار الثورة البولشيفية بروسيا 1917 والحرب العالمية الأولى 1914/1917 ثم الثانية 1939/1945 أضعف القوى الأوروبية (فرنسا، ألمانيا – بريطانيا) المتصارعة وحقق صعود القوة الأمريكية وظهور الإتحاد السوفياتي.
نستعرض أيضاً في بحثنا نشوء الإتحاد الأوروبي وحلف الشمال الأطلسي وبداية الحرب الباردة – كان ومازال المتوسط ملاذ الدولة الفرنسية وسبيل قوتها ومجالها الحيوي منذ منتصف القرن التاسع عشر لكن إحتلالها من طرف ألمانيا النازية مثّل أول إنهيار لها كقوة كبرى ولولا بريطانيا تشرشل وزعيم كبير مثل الجنرال شارل ديغول لفقدت فرنسا كل قوتها.
تُعتبر فرنسا الدولة الأوروبية الوحيدة التي تعمل من خلال رؤية جيوسياسية مستقلّة نسبياً عن الولايات المتحدة الأمريكية وتبني علاقاتها بما يخدم مصالحها وتوجهاتها الإيديولوجية والثقافية.
على مدى أكثر من سبع عقود فقدت فرنسا الكثير من قوتها مع صعود قوى كبرى أخرى بآسيا مثل الصين والهند وروسيا وقوى إقليمية فاعلة في غرب آسيا مثل إيران بعد نجاح ثورتها الإسلامية 1979 وتركيا الأطلسية.
المسألة الفلسطينية مثّلت هاجساً للديبلوماسية الفرنسية، ورغم وقوفها إلى جانب دولة الإحتلال الصهيوني وتمكينها من إمتلاك السلاح النووي 1950 تنظر “اسرائيل” بنظرة الريبة وعدم الثقة إلى فرنسا وجناحها الديغولي داخل وزارتي الخارجية والدفاع الفرنسية.
هزائم أمريكا في كل حروبها منذ الحرب الكورية الى اليوم وسباق التسلّح مع الإتحاد السوفياتي سابقاً وروسيا والصين حالياً أدّى إلى تقلّص قوتها وتراجع نفوذها أمام الصين خاصة، حيث تنافس الصين واشنطن على قيادة النظام الدولي لذلك أعادت الولايات المتحدة ترتيب أولوياتها وتغيير هرمية سلسلة حلفائها وعادت إلى مربّعها في الكتلة الأنغلوسكسونية ولتتحول من الأنطلنتيك إلى المحيط الهادئ والهندي لمواجهة الصين والروسيا.
فرنسا التي خسرت صفقة القرن مع أستراليا بأمر أمريكي وتحريض بريطاني تجد نفسها حائرة بعد طعنة الحلفاء في الظهر كما عبّر السيد جون إيف لودريون وزير الخارجية الفرنسي.
بين ترامب وكوفيد إذا جاز التعبير، وصعود المخاطر الجيوسياسية بجميع أنواعها في جميع أنحاء أوروبا. السؤال الحقيقي هو ما إذا كانت فرنسا في وضع أفضل وأقوى وأكثر استعداداً لمواجهة تحديات العالم مما كانت عليه قبل خمس سنوات. في بعض النقاط، يمكن الحصول على إجابة إيجابية: عندما يتعلق الأمر بالإنفاق العسكري، على سبيل المثال، فإن حكومات السيد ماكرون قد حافظت بلا شك على مسارها. لكن القلق الذي يجب أن يكون موجوداً في سجل آخر: على مر السنين التي مرّت للتو، الميل نحو عزلة معينة لفرنسا، إلى شكل من أشكال العزلة الإستراتيجية، وإلى التراجع على مستوى القوة والتأثير.
ما هي رؤية الرئيس ماكرون الإستراتيجية اليوم وهو مقبل على إنتخابات رئاسية ومن الملاحظ أن له الكثير من الحظوظ بالفوز بها سنجيب على أنه يجب على جميع القادة الفرنسيين أن يدركوا أن أزمة كوفيد وانتخاب جوبايدن قد أوصلت فرنسا وأوروبا الى علاقة مع الصين تذكرنا بما كان عام 1947 لصعود الحرب الباردة بين اتحاد الجمهوريات الإشتراكية السوفياتية والغرب.
من المشروع للأوروبيين بما في ذلك فرنسا عدم تفاقم المواجهة بين الشرق والغرب التي بدأت، سيحكمون على أنفسهم بالتهميش إذا سعوا إلى شكل من أشكال المساواة بين الصين والولايات المتحدة، أو حتى جادلوا في “طريق ثالث” افتراضي، من الناحية المفاهيمية، من المهم أن يدمج تفكير المسؤولين الفرنسيين هذا الوضع الجديد واليوم له طابع هيكلي تماماً.
واجهت فرنسا منافس جديد في شرق المتوسط وغربه تركيا التي تتمدد بحثا على الغاز والنفوذ بمنطقة شمال إفريقيا ووقعت بعض الإحتكاكات العسكرية بينهما في مياه المتوسط في شهر جون (يونيو) 2020. حلف جديد يرى النور بين تركيا وإسرائيل ودول التطبيع العربي للهيمنة على المتوسط بضفتيه، نتناول في دراستنا إمكانية تشابك المصالح بين الجمهورية الإسلامية الإيرانية والجمهورية الفرنسية لوجود تهديد واضح لأمنهما القومي من طرف نفس الأطراف وحاجة كل واحد منهما للآخر على المستوى الجيوسياسي والإقتصادي والثقافي وأيضا في مجال الأمن والطاقة.
المقدمة
فقدت فرنسا الكثير من قوتها وتأثيرها في العالم وبعد أزمة 2008 المالية. فرنسا هي اليوم قوة متوسطة ذات تأثير جيوسياسي محدود وما أزمة صفقة الغواصات مع أستراليا الأخيرة والخسارة الفرنسية الكبيرة على الصعيد المالي والعسكري والإستراتيجي إلا دليل اضافي على تقهقرها ونزولها من سلّم الدول الأكثر تأثيراً في العالم لصالح منافسيها وخصومها الأنجلو ساكسون خاصة بريطانيا الخارجة لتوها من الإتحاد الأوروبي والمؤسسة لتحالف “أوكوس” الأميركي البريطاني الأسترالي في منتصف سبتمبر 2021.
مثّل إلغاء عقد لشراء إثناعشر غواصة بدفع الديازل من نوع “باراكودا” من طرف أستراليا أُبرم سنة 2016 بقيمة تفوق 56 مليار أورو سميَّ بصفقة القرن، صدمة كبيرة في الأوساط الفرنسية السياسية العسكرية والأمنية وصفها وزير الخارجية السيد جون إيف لودريون “بالطعنة بالظهر” من طرف الولايات المتحدة و “خيانة عظمى” من طرف بريطانيا وتحوّلت صفقة القرن الى خيانة العصر. فرنسا مرّة أخرى تعيش الإذلال من طرف حلفائها الأقربين.
في صائفة سنة 2020 سعت تركيا الى التمدد في مياه شرق المتوسط للتنقيب عن الغاز والنفط في محاولة منها توسيع مجال جرفها القار وحدودها البحرية مع اليونان، ضغطت تركيا الى جارتها اليونان من أجل أن تكون جزر بحر إيجه خالية من السلاح وتم إبعاد سفينة الأبحاث نوتيكال جيو التي تحمل علم مالطا الى خارج ما تقول إنه جرفها القاري في البحر المتوسط.
شرق البحر الأبيض المتوسط يقع في موقع مركزي بين آسيا وإفريقيا وأوروبا، وكان بمثابة مفترق طرق استراتيجي مهم للتجارة العالمية عبر تاريخه.
ويوفر شرق البحر الأبيض المتوسط أيضاً أقصر طريق بحري بين الأسواق الآسيوية والأوروبية، بفضل قناة السويس التي تربط المحيط الهندي والبحر الأبيض المتوسط. يمر ما يقرب من 12 في المائة من التجارة العالمية وأكثر من تريليون دولار أمريكي من البضائع عبر القناة سنوياً. كما تعمل المنطقة كطريق مهم لنقل البترول والغاز من الخليج الفارسي إلى الأسواق الأوروبية. يتم نقل ما يقرب من 70 بالمائة من احتياجات الطاقة في أوروبا عبر البحر الأبيض المتوسط سنوياً. كما بينا سالفاً أن القوى الأوروبية الفرنسية والبريطانية تهيمن على هذه المنطقة إضافة لليونان، لذلك تحاول تركيا التمدد على حساب اليونان وفرنسا بدعم أمريكي/ إسرائيلي وحتى صيني بعد وصول البحرية الروسية الى المتوسط وربّما في المستقبل القريب وصول البحرية الإيرانية.
اجتذبت الأهمية الجغرافية والإقتصادية والجيوسياسية لشرق البحر المتوسط تاريخياً قوى كبرى غير إقليمية الى المنطقة: الولايات المتحدة، الى جانب حلفاء الناتو، وروسيا التي عززت نفوذها منذ الحرب في سوريا، والآن الصين التي بدأت في غرس الجذور في أواخر عام 2013، بمجرد إطلاق مبادرة الحزام والطريق في تركيا.
فرنسا القوة المتوسطة اليوم محاصرة ومحاولات تقليص نفوذها مستمرة بغرب آسيا، بشرق المتوسط، بالمحيط الهندي، والهادي وبالساحل والغرب الإفريقي منافسيها كثيرون، بريطانيا الخصم التاريخي، تركيا الحليف القديم، روسيا والصين وأيضاً إسرائيل الدولة النووية الثانية بالمتوسط. بدءاً من عام 2015، نفذت تركيا سياسة حازمة في شرق البحر الأبيض المتوسط تعتمد على القدرات العسكرية، بدلاً من المحادثات الدبلوماسية، لفرض مطالباتها بالولاية البحرية تجاه الدول الإقليمية مثل اليونان وجنوب قبرص ومصر.ومع ذلك، يمكن أيضاً اعتبار سياسات تركيا الأخيرة في شرق البحر المتوسط دفاعية.
في يناير 2019، أنشأت جنوب قبرص (جمهورية قبرص) ومصر واليونان وإسرائيل وإيطاليا والأردن وفلسطين منتدى غاز شرق المتوسط لإنشاء مركز للطاقة في المنطقة (13). تسبب استبعاد تركيا من المجموعة في توتر في أنقرة، مما دفع تركيا إلى إطلاق جهود أحادية للتنقيب عن الغاز والتنقيب عن الغاز بدعم من السفن الحربية، في نوفمبر 2019، حددت تركيا وليبيا حدودهما البحرية، والتي تداخلت جزئياً مع المناطق الإقتصادية الخالصة لليونان ومصر، مما أثار ردود فعل قوية من كليهما. فرنسا المعنية بمصالحها بليبيا ومصر واليونان حرّكتها قواتها البحرية لمواجهة التهديد التركي وأرسلت قوات جوية إلى اليونان.
في عام 2015، اقترح حزب الشعب الجمهوري (CHP)، حزب المعارضة الرئيسي في تركيا، مشروع مركز تركيا (Merkez Turkiye)، الذي يهدف الى جعل تركيا مركزاً لوجستياً وإنتاجاً يربط بين أوروبا وآسيا وأفريقيا. يمتد هذا المشروع الممر الأوسط إلى إفريقيا عبر الشرق الأوسط مع الحفاظ على توافقه مع مبادرة الحزام والطريق، كما أنه مؤشر على المصلحة المشتركة بين الحكومة التركية الرائدة وأحزاب المعارضة.
تشير ورقة عمل نشرها بنك التنمية الآسيوي في مايو 2021 إلى منطقة التجارة البينية وسياسات التكامل الإقتصادي خارج المنطقة التي تم تطويرها كجزء من الممر الأوسط يمكن أن تسهل المشاركة بين الإتحاد الأوروبي والصين. يمكن لمثل هذه المنطقة التجارية، بقيادة تركيا وبدعم من التجارة عبر الإقليمية، أن تعزز دور تركيا في دول المنطقة، والإتحاد الأوروبي، والصين.
أثارت سياسات تركيا الهجومية ردود فعل قوية من القوى الإقليمية الأخرى وفاقمت التوترات في بعض الحالات، في مايو 2020، شجب وزراء خارجية قبرص ومصر وفرنسا واليونان والإمارات العربية المتحدة أنشطة تركيا في المنطقة الإقتصادية الخالصة لجنوب قبرص، “وهي منطقة بحرية تتمتع فيها دولة ذات سيادة بحقوق خاصة فيما يتعلق باستكشاف واستخدام المياه البحرية. مصادر”. في سبتمبر 2020، أكد وزير الخارجية الأمريكي آنذاك مايك بومبيو دعم الولايات المتحدة لليونان، كما فعل الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي في نوفمبر. في الشهر التالي، فرض المجلس الأوروبي عقوبات على تركيا.
في الوقت الحالي، يبدو أن الصين تفضل اليونان لعلاقاتها التجارية مع أوروبا. يقع ميناء بيريوس بالقرب من الأسواق الأوروبية ويوفر طريقاً أقصر وأكثر فعالية من حيث التكلفة من ميناء كومبورت التركي. ومع ذلك، وكما أظهر إغلاق قناة السويس لمدة ستة أيام في مارس 2021، فإن تطوير طرق تجارية بديلة أمر ضروري. وفقاً لوزير النقل التركي عادل كارايسمايلوغلو، فإن الممر الأوسط هو أنسب طريق تجاري بديل بين الشرق والغرب.
فرنسا الحائرة والواقعة تحت ضغوط الأنقلوسكسونية وتخاذل الكتلة الجرمانية بقيادة ألمانيا عن نصرتها وضعف الإتحاد اللاتيني عسكرياً واقتصادياً (فرنسا إيطاليا إسبانيا) تواجه حرب نفوذ بثلاثة أبعاد القوة الأنقلوسكسونية، محور الصين وروسيا ومحور تركيا وإسرائيل.
إسرائيل في شرق المتوسط
تركز الجغرافيا السياسية لشرق البحر الأبيض المتوسط على دراسة العلاقات الدولية للفضاء البحري لحوض بلاد الشام، تحد هذه المنطقة من الشمال تركيا، ومن الشرق سوريا ولبنان وإسرائيل وقطاع غزة، ومن الجنوب مصر، وتتوسطها جزيرة قبرص. تشتهر دول هذه المنطقة بنزاعاتها على الأراضي، خاصة حول اسرائيل. ولكن هناك أيضاً صراعات بحرية على الموارد مرغوبة للغاية. في الواقع، تم اكتشاف عدة مليارات من الأمتار المكعبة من الغاز مؤخراً في هذا الجزء من البحر، ويمثل الإستيلاء على هذه الهيدروكربونات مصدر توتر. النزاعات الموجودة بالفعل بين مختلف دول المنطقة وعدم ترسيم الحدود البحرية تقلل من احتمالات الإتفاقات وتزيد من التوترات.
للصهاينة جذور عميقة في الغرب، أنهم مرتبطين تاريخياً وثقافياً وفلسفياً بأوروبا. “على الرغم من أننا كنا بشر شرقيين، إلا أننا كنا أوروبيين وأردنا العودة إلى فلسطين بالمعنى الجغرافي فقط. لقد خططنا لتأسيس ثقافة أوروبية هناك”، كتب دافيد بن غوريون مؤسسة الكيان الصهيوني.
كان طموح الصهاينة بناء معقل أوروبي. كتب هرتزل في كتابه “دولة اليهود”: “بالنسبة لأوروبا، سنشكل هناك حصناً ضد آسيا، وسنكون الحارس الأمامي للحضارة ضد البربرية”.
من وجهة نظر اسرائيلية، كانت فرنسا بالفعل قوة متوسطية. حتى أن بن غوريون أعلن في عام 1948 أنه “أعظم قوة متوسطية” لكن لأهمية المتوسط في بناء التأثير الفرنسي والسياسة الخارجية حرصت الدولة الفرنسية على التوازن بين ضمان أمن دولة الكيان الصهيوني وبين علاقات متميزة مع الدول العربية المطلة على المتوسط. الدول العربية تُعتبر مناطق نفوذ لفرنسا خاصة بلدان شمال إفريقيا وسورية ولبنان إضافة إلى مسيحيي الشرق الكاثوليك التي تعتبرهم فرنسا حامية لهم وبالتالي تحرص على عدم الإعتراف بالقدس عاصمة لدولة الكيان الصهيوني لذلك لا يثق الصهاينة بالموقف الفرنسي.
على خلفية الصراعات في الشرق الأوسط، يعتقد العديد من الخبراء أن إحدى القضايا الكبرى هي احتياطيات الغاز المكتشفة مؤخراً في شرق البحر المتوسط. سيتم تصدير هذه الموارد البحرية كأولوية إلى أوروبا، لكن المنطقة تقع في قلب الإشتباكات السياسية أو العسكرية: غزة وإسرائيل ولبنان وسوريا وتركيا وقبرص واليونان.
ويغطي حوض بلاد الشام مساحة 83000 كيلومتر مربع، ويقدر احتياطياته من قبل هيئة المسح الجيولوجي الأمريكية بـ 1/7 مليار برميل من النفط، وفوق كل ذلك بـ 3452 مليار متر مكعب من الغاز الطبيعي. في حين أنه من المرجح أن تعزز هذه الإحتياطيات، على المستوى الإقليمي، إستقلال الطاقة في بعض البلدان، أو حتى تجعلها من الدول المصدرة للغاز، إسرائيل وقبرص على وجه الخصوص، إلا أنه لا ينبغي لها مع ذلك أن تزعج وضع الطاقة العالمي. سيكون لإحتياطيات الطاقة في بلاد الشام تأثير أقل على سوق الغاز العالمية من تأثير استغلال الغاز الصخري في الولايات المتحدة. تمثل هذه الإحتياطيات في شرق البحر الأبيض المتوسط حوالي 1% من إجمالي الإحتياطيات العالمية المؤكدة من الغاز الطبيعي والنفط. على سبيل المقارنة، هذا يضع هذه المنطقة في مستوى أقل بقليل من إحتياطيات الغاز العراقي. يعتبر بلاد الشام حتى الآن وراء إيران (18% من إحتياطي الغاز الطبيعي العالمي) وروسيا (6/17%) وقطر (4/13%). بالنسبة للنفط، فإن الإحتياطيات في بلاد الشام أقل بكثير من تلك المتوفرة في شمال إفريقيا، على سبيل المثال، حيث تقدر بنحو 65 مليار برميل.
لذلك يمكننا أن نقول إن موارد الطاقة في بلاد الشام أصغر من أن تغير وضع الطاقة العالمي، لكنها مهمة بما يكفي للتأثير على الجغرافيا السياسية لشرق المتوسط والشرق الأدنى.
مثّلت هذه الإكتشافات المهمة للطاقة نقطة تحول في السياسة الإسرائيلية ومع التقدم الإيراني عسكرياً وأمنياً في المنطقة، سعت إسرائيل إلى ضرب مقومات الدولة السورية، تشجيع الحصار على لبنان والتنسيق مع تركيا للتمدد شرقاً وغرباً في عملية إلتفاف على إيران وروسيا من جهة وإضعاف دول جنوب أوروبا للهيمنة على الممرات المائية والتحكم في إنتاج الغاز بالمتوسط والسيطرة على أهم الموانئ عربياً وأوروبياً بالتعاون مع الصين.
حرب الموانئ
مرسين شمالاً وحيفا جنوباً
على كتفيّ اللاذقية وبيروت، يقع مرفآن كبيران بإمكانهما مع ما يضعانه من خطط تطوير وتوسّع أن يخرجا باقي مرافئ الإقليم من المنافسة. أوّلهما مرفأ مرسين الذي يتناول، بحسب خبير اللوجستيات أونور أكارجا، نسبة 17 بالمئة من مجمل حركة البضائع في تركيا، وذلك على عكس التركّز الذي يشهده مرفأ بيروت بنسبة 70 بالمئة من مجمل بضائع لبنان.
سوى أن مرفأ مرسين يعدّ مرفأ الحاويات الأكبر في تركيا، وهو يشهد نمواً مطرداً في إنتاجيته منذ العام 2017 حين تسلق الترتيب ليصل إلى المرتبة الأولى عام 2018 متجاوزاً باقي مرافئ مرمرة والبوسفور، ومحققاً رقماً قياسياً تركياً في العام 2019 بتناوله 93/1 مليون حاوية نمطية بنسبة نمو سنوي وصلت إلى 12 بالمئة. بدأ تطور مرفأ مرسين منذ تخلّي “مؤسسة السكك الحديدية الحكومية (TCDD)” في العام 2007 عن إدارته لصالح “شركة مرفأ مرسين الدولي (Mersin International Port Inc)” التي تأسست عبر شراكة بين “بي إس إي إنترناشيونال (PSA International)” وآكفن القابضة (Akfen Holding)” بعقد خصخصة للإدارة والتشغيل لمدة 36 عاماً. تتضاءل معطيات مرفئي اللاذقية وبيروت أمام أرقام مرفأ مرسين الذي يعرض لزبائنه أرصفة بطول 3,370 متر تعمل عليها 12 رافعة قنطرية سككية و 38 رافعة قنطرية مدولبة وغاطس يصل إلى عمق 8/15 متر واستطاعة حاويات إجمالية تصل إلى 6/2 مليون حاوية نمطية سنوياً.
على المقلب الآخر، يقع مرفأ حيفا منفذ دمشق التقليدي إلى المتوسط والعالم ما قبل الإحتلال الإسرائيلي لفلسطين. يعبر المرفأ أكثر من 50 بالمئة من مجمل حجم البضائع في فلسطين المحتلة، وتتناول محطات الحاويات الثلاث فيه ما إجماليه 46/1 مليون حاوية نمطية في العام. ومع انتهاءها من الأعمال الإنشائية والتطويرية لأحدث هذه المحطات المسماة “الكرمل” بأرصفتها ذات عمق 8/15 متر وثماني رافعات قنطرية جبارة (super post – Panamax gantry cranes) وطاقة استيعابية لتخزين 25,000 حاوية في المحطة، بدأت “اسرائيل” منذ عام 2015 عمليات خصخصة وبيع حصص الشركات الحكومية المشغلة للمرافئ عبر دعوات دولية للإستثمار في هذه المرافق. وعلى الرغم من معارضة حامية أبدتها الولايات المتحدة، فازت الصين بالصفقة التي ستعود على “إسرائيل” بحوالي 500 مليون دولار أميركي بحسب توقعات بلومبرغ. كما أنه من المتوقع أن تضخّ “مجموعة مرافئ شنغهاي الدولية (Shanghai International Port Group)” التي فازت بعقد الإدارة والتشغيل بملايين الدولارات على شكل استثمارات في البنية التحتية والمعدات كي تطور أعمال مرفأ حيفا وخاصة في مجالات الترانزيت والمسافنة وتجعله واحداً من النقاط المركزيّة في “مبادرة النطاق والطريق (Belt and Road Initiative)”.
الصين استثمرت ما يقارب 20 مليار دولار أميركي في “إسرائيل” في السنوات العشرة الماضية وخاصة في قطاعات البنى التحتية والتكنولوجيا والنقل.
في حين لم تبدي الصين أي إهتمام في سوريا رغم موقفها السياسي الإيجابي بمجلس الأمن، إذ أن الصين لم تبد حتى اليوم اهتماماً بالمرافئ السورية على عكس روسيا وإيران.
قد ينطبق هذا الأمر على مرفأ بيروت أيضاً حيث لا يوجد حتى الآن أي مؤشرات قوية على اهتمام صيني خاص به.
يظهر من خلال هذه المعطيات أن إسرائيل / تركيا/ دول التطبيع العربي محور يهدّد التوازن في المتوسط وشرقه بالأخص وهذا تهديد مباشر للمصالح الفرنسية على المستوى المتوسط والبعيد. يحاول الرئيس الفرنسي السيد إيمانوئل ماكرون فك العزلة عن فرنسا من خلال فتح آفاق تعاون مع الكتلة الشيعية الصاعدة في منطقة غرب آسيا عسى أن يُعيد بعض الحضور الفرنسي بسوريا والعراق وفي السنوات الأخيرة وبعد خسارة الرهان على إسرائيل وتركيا والسعودية والامارات وقطر في كسب المعركة في سوريا والعراق واليمن حيث إرتفعت مبيعات السلاح الفرنسي لهذه الدول بالأخص الواقعة على الخليج الفارسي وإنسحاب الولايات المتحدة من الإتفاق النووي 5+1 مع جمهورية إيران الإسلامية الذي سبب للإتحاد الأوروبي وللشركات والبنوك الفرنسية بالأخص خسائر تقدّر بالمليارات.
تواجه فرنسا حلف أسترالي – بريطاني – أمريكي بالمحيط الهادئ والهندي وحلف تركيا وإسرائيل ودول التطبيع العربية بالمتوسط، خياراتها صعبة جداً رغم أنها قوة متوسطة نووية وعضو دائم بمجلس الأمن وتملك أكبر قوة بحرية، فهل تتجه نحو الهند واليابان أكثر بمنطقة المحيط الهادئ والهندي؟ هل ستحاول التعاون والإنفتاح على جمهورية إيران الإسلامية؟ ما هي آفاق وشروط هذا التعاون هل لديها القدرة على مواجهة الضغوط الأمريكية والإسرائيلية؟ تأثير اللوبي الصهيوني على السياسة الداخلية خاصة في الإنتخابات الرئاسية.
وصول القوى الناشئة، من كوريا الجنوبية الى الهند على سبيل المثال، وعودة ظهور قوى فاعلة مثل روسيا وتركيا وإيران والصين. افقد فرنسا قدرتها الجيوسياسية.
مع غياب قدرة أوروبية حقيقية في هذا المجال، نتيجة لذلك، يصعب على فرنسا بشكل متزايد العمل بمفردها، خارج إطار متعدد الأطراف، لتنمية دورها كقوة حافظة للتوازن الذي يرتبط بإرث الجنرال ديغول ويحاول الرئيس ماكرون أن يضع أيضاً أسس سياسته على ذلك المنوال.
تبرز لحظة التبلور في صيف 2019 م فرنسا نحو العزلة في أوروبا
مرحلة ثانية من سياسة السيد ماكرون الخارجية. من صيف عام 2019 الى بداية عام 2020، يحدث ما نسميه في فرنسا في الاضطرابات التي يشهدها العالم (لحظة بلورة)، والتي ترقى في الواقع الى نقطة تحول، حتى لو لم يقصدها الرئيس على الأرجح على هذا النحو، للخروج من أزمة (السترات الصفراء)، يمكن لإيمانويل ماكرون ان يبرز نفسه مرة اخرى على الساحة الدولية، أولا بمناسبة دعوة السيد بوتين الى بريجانسون، لإطلاق حوار مع روسيا غير متفق عليه مع شركائنا الرئيسيين، ثم من خلال الاستفادة الكاملة من مجموعة السبع في بياريتز على وجه الخصوص لمحاولة التوسط بين واشنطن وطهران، في تشرين الثاني (نوفمبر) من العام نفسه، وضع الرئيس في مقابلة شهيرة مع مجلة The. Economist تشخيصه لـ (الموت الدماغي لحلف الناتو).
تلقي قضية الغواصة الاسترالية بظلالها على سجل إيمانويل ماكرون في المحيطين الهندي والهادئ، إنه يعيدنا الى موضوعنا المركزي، وهو موضوع العزلة الاستراتيجية لفرنسا، دعونا نضيف. من بين العوامل التي تساهم في هذا الأخير، الانفصال البريطاني: لإعطاء وجود مادي لـ (بريطانيا العالمية)، لن تتردد المملكة المتحدة في التصرف كمنافس شرس في منطقة آسيا والمحيط الهادئ، ولكن ربما أيضاً في الشرق الأدنى، الشرق وإفريقيا.
ان تناقض التحالفات في منطقة شرق المتوسط ترفع نسبة التوتر بين قوى إقليمية مثل مصر، تركيا، اليونان وإسرائيل وبين قوى دولية مثل الولايات المتحدة وروسيا وفرنسا وبريطانيا وأيضا ايران صاحبة أكبر إحتياط للغاز.
العلاقات التركية / الإسرائيلية
العلاقات التركية / الإسرائيلية إستراتيجية منذ نهاية الحرب العالمية الثانية فقد كانت الجمهورية التركية أول الدول الإسلامية المعترفة بالكيان الصهيوني في مارس سنة 1949. فتح المجال للتعاون العسكري والاستراتيجي والدبلوماسي. في 1986 عينت الحكومة التركية سفيراً كقائم بالأعمال في تل أبيب. وفي 1991، تبادلت الحكومتان السفراء، وفي فبراير وأغسطس 1996، وقعت حكومتا تركيا وإسرائيل اتفاقيات تعاون عسكري، تأسست مجموعة أبحاث إستراتيجية ومناورات مهمة خاصة مناورات وتدريبات بحرية بدت سنة 1998 وايضا تطوير سلاح الجو، كما يوجد مستشارون عسكريون إسرائيليون في القوات المسلحة التركية. وتشتري جمهورية تركيا من إسرائيل العديد من الأسلحة وكذلك تقوم دولة إسرائيل بتحديث الجيش التركي من دبابات وطائرات حربية، زار رئيس الوزراء رجب طيب أردوغان إسرائيل في عام 2005 وفي أوائل عام 2006، وصفت وزارة الخارجية الإسرائيلية علاقات بلادها مع تركيا بأنها (مثالية) وفي زيارة استمرت ثلاثة أيام لأنقرة في نوفمبر 2007، التقى الرئيس الإسرائيلي شيمون بيريز بالرئيس التركي عبدالله جول، وألقى كلمة أمام الجمعية الوطنية الكبرى لتركيا، تعرضت العلاقات بين البلدين لبعض التدهور لكن لم يكن مؤثراُ على علاقاتهم الإستراتيجية، منذ حكم أردوغان تطورت هذه العلاقة رغم توتر ظاهري في بعض الأوقات في حرب غزة، من المؤكد أن العلاقات الاقتصادية والعسكرية والاستخباراتية بين البلدين لازالت قوية الى هذه الساعة بل ومن الممكن وصفها بالـ (تحالف) كما صرح وزير الدفاع التركي سنة 2013.
قبل كل شيء، كانت القضايا الأمنية هي التي أدت الى التعاون بين أنقرة والقدس، مما اضفى عليه طابعاً استراتيجياً، من التعاون انبثقت بنية تحتية: تدريبات مشتركة، زيارات متبادلة، تنسيق بين الموظفين وتبادل المعلومات من قبل الخدمات، وبالتالي قدرة أكبر على العمل معاً. رفع مستوى الردع، وكانت قراءة عسكرية للعلاقات السائدة في المنطقة بين إسرائيل وتركيا. بالنسبة لكلا البلدين، كا هو الحال في الشرق الاوسط بشكل عام، تبرز القدرة العسكرية كعامل حاسم للقوة الوطنية والنفوذ الإقليمي. حيث يتم تقييم العلاقات الدولية في المقام الأول من حيث القوة وحيث تكون التحالفات غير الرسمية مهمة على الأقل بقدر أهمية الائتلافات الرسمية، لا يمكن الحكم على التفاعلات بين إسرائيل وتركيا على أنها بريئة، لا سيما في ابعادها العسكرية، احتمال توازن جديد من شأنه أن يقرب بين الدولتين.
الم يذكر وزير الدفاع التركي في مايو 1997 أن برامج اسلحة الدمار الشامل لجيرانه الإيرانيين والسوريين والعراقيين تشكل تهديداً للمنطقة (14).
ناهيك عن تقييم أكثر واقعية لإشكالية الردع الواسع لحلف شمال الأطلسي والولايات المتحدة. علاوة على ذلك، لا تمتلك تركيا الصواريخ طويلة المدى اللازمة، وإسرائيل هي التي يمكن أن تساعدها في الحصول على هذه القدرة من خلال نظام الدفاع الباليستي الوحيد الذي يعمل بنظام الدفاع الباليستي (منذ عام 2000)، وهو ِArrow.
یفضل الإسرائيليون وجود أنقرة أكبر في آسيا الوسطى والقوقاز على وجود طهران أو موسكو. هذا هو السبب في أن القدس شجعت تدفق الطاقة من بحر قزوين الى تركيا- باكو – جيهان في البحر الابيض المتوسط – بدلاً من روسيا وإيران. مشروع طاقة عزز تركيا سياسياً واقتصادياً، منع روسيا من إعادة تأكيد هيمنتها على حوض بحر قزوين، مما أدى الى موازنة النفوذ الايراني وتقليل أهمية الخليج الفارسي كمصدر للطاقة، خاصة وأن إسرائيل تتطلع الى علاقات طيبة مع الدول الجديدة التي يسكنها مسلمون ويحكمها قوميون علمانيون. من ناحية أخرى، لا تتاثر علاقتهم بإسرائيل بالصراع العربي الإسرائيلي لأنها تسهل الوصول الى التكنولوجيا والغرب، وخاصة في واشنطن.
مع ترسيخ إسرائيل بشكل أفضل في العاصمة الامريكية، كانت تركيا تأمل في أن تكون قادرة على حشد نفوذها لتعزيز مصالحها وموازنة ثقل جماعات الضغط اليونانية والأرمنية.
يشتكي كلا البلدين من سلوك أوروبا الغربية تجاههما، عانت تركيا من حظر الأسلحة من الدول التي تتعاطف مع القضية الكردية، انتظر الاتحاد الأوروبي حتى ديسمبر 1999 للموافقة على أن تكون تركيا قادرة على التقدم، لكن من المتوقع أن تستمر المفاوضات لسنوات. كما كان الإسرائيليون موضوع حظر توريد الأسلحة. ويعتقدون أن الأوروبيين يميلون الى الجانب العربي وخاصة الجانب الفلسطيني.
أخيراً، لا تتبع أوروبا نفس نهج استخدام القوة مثل تركيا وإسرائيل
خاصة وان الأتراك، مثل الإسرائيليين، يحللون تحفظات الأوروبيين تجاههم على أنها متجذرة جزئياً في ثقافتهم ومرتبطة بالاختلاف في الدين.
أدى الاختلاف بين المفهوم التقليدي للأمن القومي في تركيا وإسرائيل من جهة، والثقافة الاستراتيجية الجديدة في أوروبا الغربية من جهة اخرى، الى توسيع الفجوة بين وجهات النظر المتبادلة حول الشرق الأوسط.
يخشى الأتراك والإسرائيليون بشكل عام من وجود روسيا أكثر نشاطاً في الشرق الأوسط وشرق البحر الأبيض المتوسط. أقامت موسكو علاقات هناك مع سوريا وإيران والعراق، وهم حلفاء محتملون لمواجهة النفوذ الأمريكي، ما لا تذوقه إسرائيل ولا تركيا.
العلاقات الفرنسية – الايرانية
بين الثورة الفرنسية والحرب العالمية الأولى، أقيمت اتصالات عديدة بين البلدين، مع إقامة نفوذ ثقافي فرنسي متنام في بلاد فارس، تتشوه هذه العلاقات بشكل دوري بسبب مناورات الإمبراطوريات الغربية العظيمة (الروسية والبريطانية بشكل أساسي) بهدف التأثير على مصير إيران، التي تقع في موقع استراتيجي على الطرق بين الشرق الأوسط والهند.
مرّت العلاقات الفرنسية – الايرانية المعاصرة بفترات توتّر قصوى خاصة إبان الحرب العراقية – الايرانية حيث وقفت فرنسا الى جانب حليفها صدام وزودته بكل أنواع الاسلحة الفتاكة تم تسليم طائرات ميراج F1 ، التي تم طلبها في عام 1977، الى العراق. في أكتوبر 1983، أقرضت فرنسا خمسة طائرات من طراز سيبارإيتندار تحمل صواريخ أكزوسات ووضعت في خدمته خياراتها القتالية والإستخباراتية وشاركت معه في حرب المدن. ايضا الخلاف الايراني – الفرنسي حول حقوق إيران في شركة أوروديف لتخصيب الأورانيوم.
فقد دخلت إيران كمساهمة في شركة أوروديف. في عام 1974، وصلت الحصة السويدية البالغة 10% في بوروديف الى ايران بعد اتفاقية فرنسية إيرانية بتاريخ 27 يونيو، نصت هذه الاتفاقية على بيع فرنسا لخمس محطات طاقة ذرية أمريكية (رخصة فراماتوم)، وتوريد اليوارنيوم المخصب لإيران، وإنشاء تكنيكاتوم لمركز نووي يضم ثلاثة مفاعلات بحثية، والتشغيل المشترك لمحطات الطاقة النووية. رواسب اليورانيوم التي يمكن اكتشافها في إيران ورواسب في دول ثالثة، وتدريب العلماء الإيرانيين، وكذلك وصول ايران الى صناعة تخصيب اليورانيوم، ثم أسست الهيئة الفرنسية للطاقة الذرية (LC) والمؤسسة الإيرانية للطاقة الذرية صوفيديف (الجمعية الفرنسية الإيرانية لتخصيب اليورانيوم بالانتشار الغازي)، بحصتها 60% و40% على التوالي …% من الأسهم، في المقابل، استحوذت شركة صوفيديف على حصة 25% في بوروديف، مما منح إيران اقلية معطلة في بوروديف. تم تقسيم النسبة المتبقية البالغة 75% من بوروديف بين C بإ (8ر27% من الأسهم) وثلاثة مساهمين أقلية (إيطاليا وإسبانيا وبلجيكا).
كمساهم، كان لإيران الحق في إزالة 10% من اليوارنيوم المخصب بواسطة أوروديف.
اقرض رضا شاه بهلوي، مليار دولار أمريكي عقب اتفاقية تم توقيعها في ديسمبر 1974، خلال الرحلة الرسمية لرئيس الوزراء جاك شيراك الى طهران، ونص على دخول إيران في أوروديف ثم أخرى 180 مليون دولار في 1977 لبناء مصنع أورودف، من أجل الحصول على 10% من إنتاج اليورانيوم المخصب في الموقع.
تم التوقيع على عقود بيع محطات الطاقة والمعدات في طهران في 18 نوفمبر 1974 من قبل ميشيل دورنانو، وزير الصناعة والبحوث.
بعد إنتصار الثورة الإسلامية المباركة وقيام الحكومة الإسلامية بإيران في عام 1981، بعد تشغيل مصنع بوروديفِ، طالبت إيران بنسبة 10% من إنتاج اليورانيوم المخصب الذي كان يحق لها تعاقدياً، وهو ما رفضته فرنسا. وبعد صراع مرير وإتهامات متبادلة بين البلدين وأزمة السفارات، وقع الرئيس جاك شيراك اتفاقية مع إيران تنص على السداد الكامل للمبالغ التي تطلبها إيران، ولكن ايضاً إعادة العلاقات الدبلوماسية بين البلدين، والتنازل عن 10% من اليورانيوم الذي تنتجه شركة أوروديف لإيران، لعب الرئيس جاك شيراك فترة حكمه من سنة 1995 الى سنة 2007 على ايجاد توازن بين العلاقات الفرنسية – الايرانية من جهة والعلاقات الفرنسية – الاسرائيلية العربية من جهة اخرى وكآخر رئيس فرنسي يحمل فكر وتوجهات ديغولية حاول الإستقلالية عن الموقف الامريكي المتشدد حيال ايران.
حرصت فرنسا على اعتبار المسألة النووية الايرانية أولوية لها في سياستها الخارجية وكلّفت لجنة خاصة بالخارجية لمتابعة هذا الموضوع المهم الذي سيشغل الديبلوماسية الدولية وما زال على مدى اكثر من عشر سنوات. لعبت فرنسا دوراً مهما في ايجاد مناخ مفاوضات مع الجانب الايراني وكان مدخلاً مهماً لإعادة الدفئ للعلاقات الفرنسية – الايرانية وتنمية التبادل التجاري خصوصا في مجال الطاقة ومجال صناعة السيارات.
مع بدء رئاسة نيكولا ساركوزي، ازدادت التوترات مع ايران، واقترب الموقف الفرنسي من الموقف الأمريكي لصالح العقوبات ضد النظام الايراني، بالنسبة للسفير الفرنسي السابق في ايران فرانسو نيكولود ، اتجهت فرنسا حتى نحو موقف أشد قسوة من موقف الولايات المتحدة. وبحسب إيف ميشيل ريولز: في مواجهة الجمود في المحادثات واكتشاف موقع فوردو العسكري تحت الأرض، بادرت فرنسا بتوسيع العقوبات، في عام 2011، لضرب الآلة الاقتصادية الإيرانية وجهاً لوجه: فرض حظر على تصدير النفط وتجميد أصول البنك المركزي في الخارج.
إعادة اطلاق الشراكة بين فرنسا والمملكة العربية السعودية من قبل الرئيس فرانسوا هولاند يضيف دافعاً إضافياً: فالأخيرة تزعم خشيتها من (التوسع الايراني الشيعي في العالم العربي، سواء في الداخل، في البحرين، في العراق، في لبنان وبالطبع في سوريا، حيث تم تعريف سقوط بشار الأسد حليف ايران، على انه أولوية من قبل النظام الملكي الوهابي في سباق الحرب السورية.
في عام 2013، أدى انتخاب حسن روحاني لرئاسة الجمهورية، الذي كان حريصاً في خطاباته على اعادة الحوار مع الغرب، الى دفئ العلاقات الفرنسية الإيرانية، في يوليو، تمت دعوة فرانسوا هولاند للحضور الى منصبه أمام البرلمان الايراني في اوائل أغسطس في طهران، عندما كان أحد آخر رؤساء الدول الذين هنأوه، لكن في موقف مشترك، قرر الاتحاد الأوروبي عدم إرسال ممثلين لحضور حفل التنصيب. في الوقت نفسه، عرض رئيسا الوزراء السابقين ميشال روكار ودومينيك دوفيلبان، اللذين تفاوضا حول القضية النووية مع حسن روحاني في عام 2003، خدماتهما للذهاب الى طهران لتهنئة الأخير، مثل الرئيس السابق للدبلوماسية البريطانية جاك سترو. لقد فعلت من جانبه. لكن وزير الخارجية لوران فابيوس عارض هذه المبادرات، قبل لقاء السفير الإيراني في باريس والتحدث مع نظيره جواد ظريف، في 24 سبتمبر 2013، التقى فرانسوا هولاند وحسن روحاني لفترة وجيزة في مقر الأمم المتحدة خلال الدورة الثامنة والستين للجمعية العامة للأمم المتحدة. الرئيس الفرنسي، الزعيم الغربي الوحيد الذي قابل الرئيس الإيراني بهذه المناسبة.
في كانون الثاني/ يناير 2016 قام حسن روحاني بزيارة الى فرنسا استغرقت يومين، لم تحدث لرئيس إيراني منذ 1998. الهدف هو تجديد العلاقات الاقتصادية بين البلدين، في هذه المناسبة، أعلنت شركة بيجو وشركة إيران خودرو عن إنشاء مشروع مشترك لتطوير وإنتاج سيارات ماركة P يوعيوت في ايران اعتبارا من عام 2017، شركة بيجو هي أول شركة تصنيع دولية تعلن عن اتفاقية صناعية بهذا الحجم.
مع القرار الأحادي الذي اتخذه الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بالانسحاب من الاتفاق النووي (8 مايو 2018) وفرض عقوبات على ايران وجميع الشركات الأوروبية والفرنسية العاملة مع إيران (مبدأ قوانين الولايات المتحدة خارج الحدود الإقليمية)، تطور بشكل كبير تم إيقاف الشركات الفرنسية في ايران وكذلك العقود الرئيسية التي تم توقيعها بين البلدين (توتال، بي إس أي، رينو، إيرباص، إيه تي آر، إلخ). ثم قرر إيمانويل ماكرون، وكذلك جميع الدول الأوروبية، البقاء في الاتفاقية النووية ومحاولة جعلها حية بكل الوسائل ومواجهة القرارات الأمريكية (تحديث وتطبيق قوانين الحصار على المستوى الأوروبي لمنع تطبيق قوانين الولايات المتحدة خارج الحدود الإقليمية)، وذلك على الرغم من الخلافات السياسية الكبيرة مع ايران في مجالات اخرى (القدرات الباليستية الإيرانية، السياسة الإقليمية الإيرانية، الصراع في سوريا واليمن..) مع تصاعد التوتر بين الولايات المتحدة وإيران، يحاول الرئيس الفرنسي العمل على خفض التصعيد بين البلدين، ومع ذلك، يشك كليمان ثيرم، الباحث في مؤسسة سي ي ري، في إمكانية ان يكون إيمانويل ماكرون وسيطاً بحجة ان فرنسا، الحليف العسكري للمملكة العربية السعودية، ليست عاملاً محايداً، بالاضافة الى ذلك، يلاحظ ان التعيينات في الخارجية ووزارة الدفاع الفرنسية، والمسؤولين الذين تمت ترقيتهم في الأشهر الأخيرة (لديهم مواقف معادية لإيران).
في اوائل عام 2020،بعد اغتيال الجنرال الشهيد قاسم سليماني رضوان الله تعالى عليه، ممثل دولة ذات سيادة دعيت من قبل السلطات العراقية في بغداد، بضربة أمريكية، ظلت الدبلوماسية الفرنسية متماشية مع دبلوماسية الحكومة الأمريكية، وأكد إيمانويل ماكرون لدونالد ترامب أن التضامن الكامل مع الحلفاء، ومما زاد من حدة التصعيد بين باريس وطهران تغريدة من الرئيس الفرنسي باستخدام مصطلح (الخليج العربي الفارسي) بدلا من الاسم التاريخي (الخليج الفارسي)، مما أثار ردود فعل غاضبة في إيران. آية الله السيد علي الخامنئي، في الشهر نفسه، دعا فرنسا والمانيا والمملكة المتحدة (اذيال امريكا).
مستقبل العلاقات الايرانية – الفرنسية في ظل التحولات الإقليمية والدولية
في السنوات الأخيرة، فرض صعود ايران نفسه كما هو واضح للعديد من المراقبين والخبراء الدوليين، فإيران اليوم هي (اهم لاعب استراتيجي في غرب آسيا على حساب الولايات المتحدة وحلفائها في المنطقة، من ميزات الحكومة الإسلامية الإيرانية أنها تاسست بعد ثورة إسلامية شعبية قادها علماء الدين والشباب على راسها الإمام روح الله الموسوي الخميني قدس سره وورثت دولة لها بنية تاريخية متجذرة وتبنت نظاماً سياسياً نموذجيا ساهم في قوتها وتماسكها وإنتصارها في كل مراحله على مدى أربعة عقود وهو (نظام ولاية الفقيه)، إعادت احياء المشروع السياسي القائم على نهج الإسلام المحمدي الأصيل في المنطقة والعالم الإسلامي، صمود الشعب الإيراني وتماسك مؤسسات الحكم، وحدة الموقف الوطني في المسائل الكبرى وأهمها الحرب العراقية – الايرانية والمسألة النووية التي مثلت عنوان لإستقلال وسيادة ايران، اعطى إيران الكثير من اسباب القوة لتكون حالة مستقرة في منطقة تزداد فيها الفوضى عام بعد عام. الشعب الإيراني هو الشعب الوحيد في المنطقة الذي حقق ثورتين مهمتين خلال القرن العشرين 1906/1911 و1979) اما خصوم ايران الأقليميين وهم تركيا، المملكة العربية السعودية والكيان الصهيوني فهم يملكون منسوب مهم القوة من العسكرية والإقتصادية والمالية وعلاقات دولية كبيرة خصوصا من الولايات المتحدة الأمريكية ودول الإتحاد الأوروبي وروسيا مع وعود استثمارات صينية مهمة بهذه الدول. تمكنت الجمهورية الإسلامية من بناء منظومة دفاع داخلية متينة ومتطورة تعتمد على قوى نظامية وأخرى شعبية وأستطاعت محاصرة أعدائها بايجاد ودعم حركات مقاومة فاعلة بغرب آسيا ومنطقة المتوسط تملك اليوم القوة والقدرة والعزم ما مكنها من التصدي والإنتصار ضد الإحتلال الأمريكي في العراق وإفغانستان وضد الوجود الإسرائيلي بلبنان وغزة وبالأخص تحقيق الإنتصار الكبير والسريع ضد الحركات التكفيرية والجماعات الإرهابية الوهابية بالعراق وسوريا ومنع تقسيم الدولتين وهو إنجاز تاريخي بعد نجاح حرب 2006 بلبنان.
إيران القوية سياسيا وبنيويا ومعرفيا وعلميا لها نقاط ضعف يجب تتداركها وأهمها نظرتها الإستراتيجية والإستفادة القصوى من قوتها الناعمة والصلبة في المنطقة وخارجها من خلال تحويل إنتصارات محور المقاومة العسكرية الى انجاز سياسي قوي وثابت وإحتواء منافسين مثل السعودية وتركيا، وبناء اقتصاد أكثر فاعلية داخليا وإقليميا ودوليا وهذا يتطلب الوصول الى اتفاق مع القوى الكبرى بما يناسب قوة إيران المستقبلية من خلال الإتفاق النووي وتنشيط الديبلوماسية الإقتصادية مع الاتحاد الاوروبي وإفريقيا والهند واليابان والديبلوماسية الثقافية مع الدول الإسلامية خاصة مع مسلمي أوروبا وبالأخص فرنسا.
بعد إنهزام الوهابية وتراجعها منذ احداث سبتمبر 2001 حاول الأمريكي والإسرائيلي دفع تركيا أوردغان للإستفادة من هذا الفراغ والتقدم لخلافة السعودية في مجال استقطاب مسلمي إفريقيا خاصة بشمالها ومسلمي أوروبا خاصة بفرنسا، لم تهم ايران للأسف بشكل جدي لهذا الامر خاصة وأن اول مناصري الثورة الاسلامية كانوا مسلمي فرنسا وشمال وغرب افريقيا ببركة وجود الإمام الخميني قدس سره بفرنسا بمنطقة نوفل لوشاتو وإشعاعه من هناك على العالم، الأحياء الاسلامي ونمو قوة المسلمين بفرنسا وأوروبا مصدره الثورة الإسلامية وكان عاملا مؤثراً على الصراعات السياسية الداخلية بفرنسا ونتذكر مسألة الحجاب وإرتداداتها داخليا وخارجيا وايضا قضية فتوى الامام الخميني الشهيرة ضد المرتد سلمان رشد في 1989 وما نشهد من إنتشار (الإسلاموفوبيا) منذ نهاية تسعينات القرن الماضي إلا مظهر من مظاهر حرب الصهاينة ضد فرنسا الديغولية من جهة وضد تنامي قوة المسلمين بما يخدم مصالح الامة في فلسطين ومنطقة غرب آسيا، غياب التأثير الإيراني في حينها سمح بصعود نهج السلفية الجهادية وحركة الإخوان داخل مسلمي أوروبا وشمال إفريقيا وتحول الشباب المسلم الى جيش يخدم مصالح اسرائيل والولايات المتحدة ويهدد أمن أوروبا ودول غرب آسيا. تشابك المصالح الإيرانية – الفرنسية يجب أن يكون من خلال النظرة الإستراتيجية للمرحلة الثانية للحكومة الإسلامية بإيران بما يخدم الأمن القومي الإيراني والإقتصاد الإيراني ومصالح دول محور المقاومة الذي يجب أن يتشكل في منظومة سياسية وأقتصادية متكاملة ومتجانسة. الإنسحاب الأمريكي من افغانستان والإعلان عن حلف أكسوس وإنتصار محور المقاومة بسوريا والعراق واليمن يجعل فرنسا وتركيا والسعودية من أكبر الخاسرين بالمعنى الإستراتيجي. لذلك تسعى فرنسا لإيقاف التمدد التركي المدعوم إسرائيليا وأمريكيا بشرق المتوسط رغم إدعائهما دعم اليونان وايضا التواجد التركي بليبيا حيث تسعى إسرائيل الى محاصرة الجزائر بعد تطبيع المغرب وإعلان التعاون العسكري بين المغرب وتركيا وإسرائيل.
فرنسا الدولة الوحيدة في الإتحاد الأوروبي التي تعمل من خلال رؤية جيوسياسية لوقوع الكتلة الجرمانية تحت السيطرة الأمريكية المطلقة وما ألمانيا إلا اداة طيعة للدولة العميقة الامريكية وليس لها تطلعات جيوسياسية. مازال الحليف الأقوى لفرنسا في منطقة غرب آسيا السعودية لذلك يعتبر نجاح الحوار الإيراني – السعودي أحد مفاتيح التقارب الايراني – الفرنسي اضافة الى إستقرار العراق وفتح مجال الإستثمار والتعاون الإقتصادي بين إيران وفرنسا والعراق. إيران القوة الصاعدة عالمياً اذا نجحت في إتمام عودة الولايات المتحدة الأمريكية الى الإتفاق النووي عليها إيجاد إتفاق تعاون مع دول الكتلة اللاتينية المتوجسة من التمدد التركي الذي يعتبره مهدد لأمنها القومي، الرأي العام الفرنسي والأوروبي عامة لم يعد يعتبر إيران تهديد لأمنها القومي بل ينظر اليها كعامل رادع للجماعات الإرهابية ومساعد مهم لإستقرار دول المنطقة.
الاستنتاج
التحديات الكبرى لإيران هي إقتصادية وأمنية وإستراتيجية هناك فرصة حقيقية اليوم بوجود تجانس وتكامل بين مؤسسات الدولة الإيرانية ومراكز القرار المهمة والتحولات في التحالفات الدولية أن تكون إيران مركز تقاطع إستراتيجي لمصالح الكتل الكبرى فبعد إنضمام ايران لمنظمة شنغهاي تشكل هذه الخطوة مساراً جديداً في علاقات إيران مع محيطها، بعد ان ساد مصطلح (الوحدة الاستراتيجية) التي عانت منها طهران في السنوات الماضية. تملك إيران موقع جيو سياسي حيوي يربط دول آسيا وروسيا والهند ويصل الى أوروبا. التلاقي الإيراني – الفرنسي ممكن لما يجمع البلدين على المستوى الثقافي والعلمي وإمكانية التعاون الإقتصادي حيث كانت فرنسا الشريك التجاري الثالث لإيران في بداية الألفية الثانية ومستورد للنفط الإيراني وقادت ترويكت المفاوضات النووية مع بريطانيا وألمانيا، ايران كقوة صاعدة ومركز تأثير مهم لمحور كبير يمتد من غرب آىسيا الى شمال إفريقيا قادرة اليوم على دفع فرنسا الى استقلالية إستراتيجية عن الحليف الأمريكي الذي وجه طعنة لموقع فرنسا الجيو – سياسي بالمحيط الهادئ والمتوسط. الإتحاد الأوروبي يواجه تحديات كبرى تحاول الصين وروسيا الإستفادة من إنعدام الثقفة بين الحلفاء في منظمة الناتو التي لم تعد مركزية في الاستراتيجية الأمريكية الجديدة، إيران بانفتاحها على اليونان فرنسا أوروبا تستطيع تثبيت مصالح دائمة بحوض البحر الأبيض المتوسط.
من المهم لسياسة ايران الخارجية إعادة النظر في أولويتها على مستوى منطقة المتوسط الحيوية ونسج علاقات بما يخدم أمنها القومي وأهدافها الإستراتيجية، تركيا تعمل منذ ما سمي بالربيع العربي على إستعادة نفوذها بشمال إفريقيا ودول البلقان وبلاد القوقاز بدعم أطلسي وهذا على حساب فرنسا وإيران وروسيا، إنتصار محور المقاومة بسوريا والعراق وصمود اليمن والتغيرات بالجزائر وتونس دوافع مهمة لرسم آلية عمل تناسب حجم إيران الجديد كقوة إقليمية في المعادلات الدولية الجديدة، الملاحظ ان تركيا تستفيد وبذكاء شديد من كل التناقضات الجيو- سياسية بين أمريكا وروسيا من جهة وبين ايران ودول الخليج الفارسي وخاصة السعودية من جهة اخرى، وضع ممثل خاص بالخارجية الإيرانية لشمال إفريقيا وجنوب أوروبا مهم جداً في هذه المرحلة الحساسة والمفيدة لديناميكية الحكومة والثورة الإسلامية. تركيا ستبقى منافس قوي لإيران بآسيا لذلك على ايران إعادة ترتيب أولوياتها في منطقة المتوسط للتخفيف عن الضغوط التي تمارس ضدها بالخليج الفارسي من طرف إسرائيل وتركيا.
أظهرت أحداث شرق المتوسط وأحداث القوقاز الأخيرة ان إسرائيل وتركيا تعملان معا بشكل عملياتي موحّد في إطار التعاون العسكري والتقني والإستخباراتي الذي بدأ منذ منتصف تسعينات القرن الماضي. تركيا الكبرى تسعى للتمدد نحو المتوسط من جهة على حساب فرنسا وبدعم أمريكي، بريطاني وإسرائيلي ونحو القوقاز على حساب روسيا وإيران بدعم إسرائيلي وأمريكي واضح.
الكتلة الأنغلوساكسونية مع الجانب الإسرائيلي تحاصر أوروبا بتركيا من المتوسط جنوبا وبإحداث قلاقل مع روسيا شمالا الملف الأوكراني خاصة بعد أن فقدت أوروبا إحتكارها للقوة، وإضعاف فرنسا بالأخص بالمحيط الهادئ والهندي والمتوسط. للاسف غياب الكتلة العربية وضعفها العسكري والبنيوي ودخولها فيما يسمى بمعاهدة ابراهام للتطبيع مع العدو الصهيوني جعل الدور التركي يتقدّم بسرعة رغم الحضور القوي لمحور المقاومة ومنعه من سقوط وإنهيار سوريا والعراق. الصراع في منطقة أوراسيا سيحتدم عسكريا وأمنيا لأنها ستكون منطقة صراع نفوذ في العشرية القادمة بين روسيا والولايات المتحدة الأمريكية والصين.
تركيا وإسرائيل تتقدم من خلال رؤية أمريكية لإعادة تشكل منطقة غرب آسيا والمتوسط وأوراسيا لتعطيل القدرات الإيرانية لعدم قدرة أمريكا على إحتوائها ومنع روسيا من التقدم أوروبيا وعلى ضفاف المتوسط والقدرة على المناورة مع الصين بالمحيط الهادئ والهندي. أمام هذه المستجدات والتغيرات الكبرى والسريعة هل هناك إرادة ايرانية – فرنسية لتشبيك المصالح اقتصادياً وأمنيا وان أمكن عسكريا؟