فرضيات القرار الدولي وما بعده
صحيفة الثورة السورية ـ
علي قاسم:
سيُسال الكثير من الحبر قبل أن يجف ما اندلق منه لقراءة وتحليل القرار 2170، وستشهد المنابر سيولاً من المواقف والتصريحات قبل أن تهدأ لغة الادعاء التي استعرت واستدعت استنفاراً موازياً على جبهات الدجل الغربي والنفاق الموصوف من مشيخات الخليج.
لسنا بوارد المقارنة ولا العودة إلى القرائن والأدلة، وجبهات الإرهاب تفتح دفاترها وقد أججتها الصفقات المعدة سلفاً في السياسة والدبلوماسية، وبعضها على الأقل قد شمّر عن ساعديه، وانطلق في لعبة الادعاء مبكراً، وسيلحق به بقية الركب، بعد أن استنفرت دوائرهم من دون استثناء على قاعدة البحث عن موضع قدم في قطار المحاصصات الجديدة.
من المبكر أن تبدأ جردة الحساب، لكنها في المقاربات المستعجلة والقائمة على مبدأ التداخل غير المعلن بين الأجندات الأميركية والبريطانية وصكوك الغفران التي تنبش في الأدراج عن مستندات إضافية للمرافعات السياسية، ستكون تلك الجردة سابقة لأخواتها وبنات خالاتها من السواعد التي أوغلت في دعم الإرهاب، وقد اصطفت جميعها لتعلن التزامها بالقرار الأممي على المنابر التي تندرج في بند الاستهلاك الإعلامي.
السؤال ليس عن جدية الالتزام المعلن، وكم يساوي من أحبار في السياسة ومن ورق في الإعلام، بل عن الماضي الذي يسارع الجميع إلى دفنه، وبينهم من لا يشعر بالحرج إن اضطر إلى دفن رأسه مع ذلك الماضي، إن اقتضت ضرورة الاغتسال ذلك، أو إذا حكمت الظروف والتداعيات بما هو أبعد من إعلان التوبة والمسير وراء سراب صك البراءة المنتظر من الغرب أو من دواعشه الخليجية المحمولة على السياسة قسراً.
في العلن سيكون السباق على أشدّه والتزاحم حتى آخره، وفي الخفاء أو خلف الكواليس قد تجتمع على قاعدة واحدة ومن دون استثناء الكثير من أحجيات الخطاب الملغوم والمفخخ والقابل للانفجار أمام الوقائع المذهلة القادمة هذه المرة من أدراج الإعلام الغربي، وجزء منها من كواليس الاستخبارات ومن أبوابها الخلفية المفتوحة على مصاريعها أمام صراع يعلن بدء معركة تخاصم أمام محكمة الأطماع الغربية ومرافعات الاتهام الجاهزة.
إذ ليس من العبث أن يسارع كاميرون إلى التذكير بالشوارع الغربية كساحات افتراضية قادمة للمعركة، وليس من العبث أيضاً أن تسارع السعودية والكويت إلى التصريح بالالتزام بالقرار، لكنه بالتأكيد سيكون من الخرف السياسي أن يتخيل أحد في هذا العالم أن الجنوح إلى الاغتسال يعني في نهاية المطاف إغلاق الدفاتر المشرعة على الدم والقتل، ووثائق الإصبع الخليجي موغلة حتى النهاية، كما كانت في البداية.
في سياق التمويل لن يكون بمقدور المشيخات أن تعلن البراءة، وقد تراكم في ملفاتها ما يكفي من قرائن، حين بدأت بالأفكار «الممتازة» للهزاز السعودي، وليس انتهاء بما أنشأته تلك المشيخات من مواضع جانبية للنحت على قاعدة التمويل المرئي منه أو المخفي، القادم تحت عناوين واضحة أم بمواربة هنا أو هناك، والأمر ليس سراً ولا أحجية، وإحداثيات ممراتها كتبتها الاستخبارات الأميركية وكل مشتقاتها الغربية وبالتفصيل.
المعالجة قد لا تكون باكتشاف المرض فحسب، ولا هي بالتشخيص، فكيف إذا كان الاكتشاف قد جاء متأخراً وموارباً وانتقائياً، فيما التشخيص موضوع على لائحة الاتهام الأولى وفي صدر العناوين المنتقاة بعناية غربية ودجل لكثير من أدوات المنطقة؟!.
القرار وما تضمنه استجابة قسرية لحالة الهلع، وردود ما بعد القرار قد تتماشى مع حالات التوجس المستشرية في الغرب، لكنها في نهاية المطاف لا تكفي، فالقضية ليست مجرد أحبار إضافية إلى الأدراج التي تستقر فيها الكثير من القرارات الدولية التي تحتاج إلى إرادة جادة، وما يطفو على السطح لا يشي بذلك، ولا يقود إلى الثقة بقدر ما يزرع بذور الشك والريبة في المرامي والأهداف الغربية، بدليل ما يسوّق من انتقائية وما يروّج له من استعدادات وهمية، ومحاولة القفز فوق الأسباب ومسح سنوات من التورط في دعم الإرهاب واحتضانه خليجياً وتركياً وأردنياً، وبعضه المطعّم بنكهة لبنانية «مستقبلية».
سياسة النعامة مشت في عهود غابرة، وكانت الحصيلة كوارث كبرى من المحن الصعبة، واليوم لا يختلف عن الأمس، وما يجري حذرت منه سورية وأوضحت، وقرعت ناقوس الخطر قبل سنوات، لكن الغرب الذي أغمض عينيه وصمّ أذنيه هو ذاته الغرب الذي يرى بعين مواربة وعوراء ومضللة، وهو نفسه الذي حمى ويحمي حتى اللحظة منتجعات الإرهاب ودوائره وأصحاب القرار في دعمه، ومحترفي تربيته وتوجيهه وإنضاجه.
في التعامل مع الإرهاب لا يكفي القرار ولا التصريحات ولا التوجسات ولا الحديث عن الساحات المحتملة في شوارع الغرب، ولا عن الموافقة أو إعلان الالتزام، بل أول ما يحتاج إليه جهد حقيقي توافرت أرضيته في القرار الدولي، لكنه يبحث عن سقف تائه بين هواجس الرعب من رحلة عودة الإرهاب إقليمياً وغربياً، واستمرار حفر خنادقه حول عنق الحقيقة لتزداد التواء.