فرسان الصبر رفعوا من معنويات محور المقاومة وقادتها / تغيير مسار المواجهة ضد العدو الصهيوني
وكالة أنباء مهر-
شارل ابي نادر:
كان لافتًا ما أقرّ به مؤخرا أحد السجّانين السابقين في مصلحة سجون الاحتلال الاسرائيلي، والذي كان قد خدم في سجن جلبوع، بوجود العشرات من نقاط الضعف التي ساعدت على فرار الأسرى الفلسطينيين الستة من القسم الأمني، ومنها أن السجانين يُبلّغون مسبقًا الأسرى بعمليات الفحص الجسدية للعثور على علامات مشبوهة، ومنها أيضًا أن الأسرى الأمنيين يعلمون دائمًا كل شيء.
ويزيد القائد السابق للسجن المذكور في مقابلة مع موقع “يديعوت أحرونوت” الطين بلة بعد أن صرَّح بكل موضوعية وأسى بأن “فرار ستة أسرى من تحت أنوفنا جميعًا، هو أخطر حادث يمكن أن يحدث. لقد فشلنا فشلا ذريعا”، وليضيف إن “هذا يوم حزين لمصلحة السجون ولي بشكل شخصي. لقد كرّستُ ما يقرب من أربعة عقود من حياتي للخدمة في السجون. إنه حدث مخجل، وهو أخطر ما حدث في العقود الماضية”.
قال المحلل السياسي ان ما وصلت اليه المقاومة الفلسطينية مؤخرا من تطوّر على كافة مستويات المواجهة، وما يشهده الكيان من تدحرُج وتدهور في مستوى التماسك الأمني والعسكري لدى وحداته المختلفة، يُعد العامل الاساسي في العمليه
هذه الثغرات أو نقاط الضعف مع أهميتها وامكانية أن تكون قد ساهمت في نجاح عملية “فرار” الأسرى الفلسطينيين، تعتبر غير أساسية ولا حاسمة في نجاح العملية وفي ما خلقته بالتالي من صدمة للكيان برمته، الحاسم الأساس في نجاح العملية، يبقى، أولاً في ما وصلت اليه المقاومة الفلسطينية مؤخرا من تطوّر على كافة مستويات المواجهة، وثانيًا في ما يشهده الكيان من تدحرُج وتدهور في مستوى التماسك الأمني والعسكري لدى وحداته المختلفة، والمستنفرة بشكل شبه دائم منذ عدة سنوات على الأقل، وفي كافة المرافق والقطاعات والمهمات.
في العنوان العام، يمكن القول إن العملية شكلت صدمة كبيرة للمتابعين من كيان العدو ومن خارجه. وفيما غالبية مسؤولي الكيان الذين أعربوا عن هذه الصدمة، غير مصدقين ما حدث، من الضروري الاضاءة على أهمية هذه العملية من جهة، وعلى تأثيراتها الايجابية للمقاومة والسلبية للعدو من جهة أخرى، وعلى ما يمكن أن تشكل أو أن تغير في مسار المواجهة ضد العدو الصهيوني بشكل عام.
** أهمية العملية من الناحية الأمنية والعملية
لا شك، وبمعزل عن الناحية الوجدانية والعاطفية لما خلفته من شعور عارم بالفخر وبالانتصار، فإن حساسية العملية تبقى في قدرة الأبطال المحررين على تجاوز نظام عمل السجن الأكثر مناعة وتحصينًا وتشددا من بين سجون العدو، وباعتراف مسؤوليه، وذلك لناحية نظام المراقبة المعقد، والمجهز بأحدث الكاميرات والحساسات الحرارية، أو لناحية نظام التفتيشات المفاجئة، وبرنامج الاجتماعات التي لا تكون محددة مسبقًا بل تأتي عفوية بأمر فوري من آمر السجن.
اللافت أيضًا كان دقة العمل وصعوبة الحفر وبوسائل غير معروفة، وربما تكون بأيديهم أو حتى بأسنانهم، وأين وكيف تم التخلص من الأتربة والحجارة الناتجة عن الحفر. كلها أسئلة تفرض نفسها ومن الصعب الإجابة عنها وحصرها.
ولناحية سرية العمل، أخذت عملية الحفر وقتًا طويلًا، ناهز عدة أشهر على الأقل حسب المعطيات، وخلال كل هذه المدة، استطاع الأبطال الذين حرروا أنفسهم، أن يحافظوا على نمط متوازن من السرية والعمل الخفي ورباطة الجأش، وعملوا بصبر وتماسك، تحت مستوى مرتفع من الضغط وخطر الانكشاف وما لذلك من تداعيات على أمنهم وعلى سلامتهم، مع قدرة فائقة – أثبتت نفسها بعد نجاح العملية – في العمل بحرفية وبمعرفة تقنية وهندسية بتقدير المسافات والمحافظة على الاتجاه الأنسب أمنيا وجغرافيا ولوجستيا لمكان فتحة نفق الخروج.
** تأثيراتها على منهج وفكر المقاومة
لا شك أن العملية أضافت الكثير من الإيجابيات الوجدانية على معنويات عناصر المقاومة الفلسطينية وقادتها، وطبعا على معنويات جميع مكونات محور المقاومة بشكل عام، فالانتصار انتصار لكل المحور المذكور، والخيبة والصدمة للكيان الغاصب، وكأنها معركة عسكرية أو مواجهة ميدانية، الأمر الذي زاد من تماسك المقاومين، وخلق لديهم شعورًا أكبر بالثقة بالنفس، وبإمكانية الانتصار في أية مواجهة ضد العدو.
** تأثيراتها السلبية على العدو
لا يختلف اثنان حول تداعيات هذه العملية السلبية على العدو من كافة النواحي، فهي أفقدته ثقته بنفسه ككيان وأثبت قادته ومسؤولوه الأمنيون وجنوده أنهم غير مؤتمنين أو غير قادرين على ضبط وحماية وادارة سجن، ناهيك عن فقدان الثقة وعلى كافة المستويات، من القادة حتى المسؤولين المباشرين عن السجون وصولًا الى رجال الأمن أو الجنود السجانين، لناحية النظرة المتبادلة حول عجز بعضهم عن القيام بدوره أو عن تنفيذ مهمته أو لناحية نظرة الشك المتبادلة حول امكانية وجود تواطؤ أو خيانة سهَّلت عملية التحرر (فرار الأسرى)، الأمر الذي سيؤثر حتمًا على الأداء بشكل عام، في المهمات الأمنية وأيضًا في المهمات العسكرية.
الأهم في الموضوع، والذي يتجاوز الصفعة الأمنية والمعنوية التي أصابت العدو بعد عملية التحرر من سجن جلبوع، يبقى في تأثير ذلك على مسار المواجهة بشكل عام، بين المقاومة الفلسطينية من جهة وبين العدو بكامل مستوياته السياسية والأمنية والعسكرية من جهة أخرى
طبعا، ما بعد العملية لن يكون كما قبلها، ومؤشرات ذلك بدأت تظهر عمليًا على الأرض، لناحية العصبية وفقدان التوازن لدى العدو، حيث يحاول إحداث تغيير شامل في آلية إدارة وضبط وتوزيع الأسرى والسجناء داخل أغلب سجونه، تتجاوز القوانين الدولية وحقوق الانسان والسجناء، وكل ذلك بروحية تعسفية، إمَّا انتقامية للصفعة التي تلقاها، أو استباقية أمنية لما يمكن أن يحصل من عمليات مماثلة، من الطبيعي أنها ستتكرر أو تتزايد من قبل مجموعات أخرى من الأسرى المقاومين، نتيجة ما ظهر من مستوى فاشل لدى إدارة السجون لدى العدو.
الأهم في الموضوع، والذي يتجاوز الصفعة الأمنية والمعنوية التي أصابت العدو بعد عملية التحرر من سجن جلبوع، يبقى في تأثير ذلك على مسار المواجهة بشكل عام، بين المقاومة الفلسطينية من جهة وبين العدو بكامل مستوياته السياسية والأمنية والعسكرية من جهة أخرى.
وحيث أتت العملية بعد مسار متصاعد من الخيبات والسقطات لدى العدو عسكريًا وأمنيًا، وأهمها كان عمليتي سيف القدس وقنص الجندي الاسرائيلي من نقطة صفر، لا شك أن عملية سجن جلبوع، ستشكل نقطة مفصلية في الصراع بعد اليوم، وفي حال لم يتدارك قادة العدو السياسيون والعسكريون ما يحصل حاليا من مواجهات في السجون ومع الأسرى الفلسطينيين، ويعملون على ضبطها واعادة آلية ادارة السجون الى الوضعية التي يجب ان تكون فيها استنادا للقوانين والاعراف الدولية، من المرجح أن تشكل هذه الأحداث كرة ثلج في مسار الصراع، ولتكون – ومع تكامل وتضافر وتوحّد كل قدرات الشعب الفلسطيني في كامل الاراضي المحتلة، بين غزة والضفة واراضي احتلال العام 48 – محطة اولى على سكة قطار تحرير فلسطين.