فتش عن أميركا!
صحيفة الوطن العمانية ـ
زهير ماجد:
هذا الأميركي المتلاعب بالمنطقة العربية يختبئ وراء أزماتها لكن أيديه واضحة وأفكاره موجودة بقوة. عندما يتراجع عن استعمال القوة المفرطة تتقدم حربه الناعمة .. تعلمنا دروسا واستفدنا خبرة منه .. لا يتصرف الإسرائيلي إلا إذا عاد إليه سائلا ومطالبا، ولا تتحرك شعرة في المنطقة إلا إذا أرادها أن تكون فتكون .. نحن نغش أحيانا في تصوراتنا كأن نقول إن الولايات المتحدة بعيدة أو قريبة عن المنطقة .. لا يمكن لهذا القطب الكبير والهائل إلا أن يكون حاضرا في الصغيرة والكبيرة.
حتى التصعيد الإسرائيلي الأخير ضد غزة، سبقه سؤال السماح بتوجيه الضربة التي أدت إلى مجزرة .. يعرف الإسرائيلي أن الأميركي قادر على لجم أهل السلطة في الضفة الغربية الذين بات أكثرهم من مؤيديه، فهو يأمر فيطاع .. يتمكن الإسرائيلي من تنفيذ ضرباته إلى غزة في وقت لا تتحرك فيه الضفة ولا يسمح لها بالتحرك .. لقد نجحوا في رسم الهوة بين المكانين، صنعوا لكل منها مثالها الخاص ومفاهيمها الخاصة وربما يكون لكل منها علمها الخاص أيضا.
لا يتحرك “الداعشيون” بعيدا عن خطط الولايات المتحدة .. هنالك نوع من اللعب الذي تحضر له الدولة العظمى وينفذه بحذافيره “داعش” .. وعلى بعد أمتار منه يحرك الأميركي الكرد .. كلها ضغوط على العراق، سهام توجه إلى وحدة هذا البلد العريق .. تهدد بغداد ثم يتراجع التهديد .. إذا أمرت الولايات المتحدة تكون عاصمة العراق في لحظات أمام هجمات المغول الجدد، لكن هنالك متسعا من الوقت، فسيدة العالم غير مستعجلة، تريد إيقاعات محددة أشبه باللعب المقسط كي يظل الاضطراب سائدا، سواء في بلاد الرافدين أو في سوريا ومن حولهما عالم عربي يتأثر فيقلق، فيخاف، فيرتمي أكثر في حضنها بحثا عن سلام مصنوع مما يلائمها.
فتش عن أميركا إذن، عن تلك القوة المفرطة التي لا ملعب لها إلا الشرق الأوسط، وإن لعبت في البعيد منه فمن باب الساعات الإضافية. لا تصدقوا أن أميركا تترك المنطقة العربية لتنقل أوراق لعبها إلى الشرق الأقصى أو أي مكان آخر، الولايات المتحدة تختنق بدون المنطقة العربية، بدون ان تضع لها قوانين حياتها وموتها.
الرد الوحيد إن تم تأمينه، وحدة الفلسطينيين على قاعدة العودة إلى النضال المسلح الذي أفشل غيابه الكثير من الآمال، والأهم، وحدة سورية عراقية في التصدي للورم السرطاني الجديد الذي يتمدد بين البلدين، ونعتقد أنهما في طور التأسيس لتلك الوحدة على أرض المعركة، وقد قيل إن وفدا سوريا زار العراق لهذه الغاية، ولا بد بالتالي من إشاعة مناخ القتال الموحد ضد العصابة الداعشية الأميركية الصهيونية. فما يتعرض له البلدان العربيان يستلزم، إن لم يكن بالإمكان قطع اليد الأميركية مباشرة، فبترها بطريقة غير مباشرة عبر القضاء على العصابة الداعشية التي لا دين لها سوى الكذب في المعتقد.
صحيح أنها مرحلة صعبة لكنها واضحة، ويجب الإشارة دائما أن الهدف الذي ينبغي إصابته هو الولايات المتحدة بأي شكل من الأشكال الممكنة .. إنها الرأس المدبر والمخطط والداعم والمنفذ، والذي عودنا أن لا يضمر خيرا للأمة العربية في كل مستوياتها، وهاكم تاريخها.