فاجعة سورية فاجعتان… الزلزال والاستثمار السياسي له
صحيفة الوطن السورية-
محمد نادر العمري:
وكأنه لم يكن ينقص السوريين سوى فاجعة طبيعية كالزلزال الذي تأثروا به وبتداعياته كي يصاحبها المزيد من الاستثمار السياسي لمأساتهم الإنسانية من المنظمات الدولية والكثير من حكومات الدول الغربية ولاسيما الأطلسية التي تقودها الولايات المتحدة الأميركية.
وبناء على ملاحظات ووقائع عشتها على مدى الأيام العشرة الأولى من وقوع الزلزال حتى كتابة سطور هذا المقال، فقد ظهرت مؤشرات تحمل بعداً سلبياً بكل ما تعنيه الكلمة من معنى، سواء من حيث تجاهل المعاناة السورية وعدم الاكتراث بالواقع المؤلم للضحايا وأعدادهم، أو من حيث ركوب موجة الإنسانية والتباكي لتحقيق أهداف سياسية، وصولاً للتناقض الغريب بين التصريحات المنمقة للمنظمات الدولية وبعض الدول وبين سلوكياتها المشكوك بها، ويمكن أن نؤكد ذلك عبر النقاط التالية:
أولاً- على مدى أكثر من سبعة أيام وبعد وقوع الكارثة الإنسانية مباشرة، وظفت الولايات المتحدة الأميركية أشخاصاً بصفة «المتحدثين الإقليمين باسم وزارتها الخارجية»، كانت مهمتهم فقط الترويج وباللغة العربية إلى أن العقوبات الأميركية على سورية لا تؤثر على تقديم المساعدات الإنسانية، وهؤلاء المتحدثون لم يفوتوا أي فرصة للمشاركة والظهور الإعلامي على أي قناة إقليمية في ظاهرة ملفتة جداً من السياسة الأميركية، وكأن إدارتهم الأميركية تقصدت بشكل عملي تلميع صورتها أمام الرأي العام العربي والإقليمي والتنصل من المسؤولية الملقاة على عاتقها في ازدياد أعداد الضحايا كنتيجة حتمية لما سببه ما سمي بـ«قانون قيصر» من عرقلة لإعادة الإعمار وبقاء البنية التحتية متصدعة، وإضعاف إمكانات الدولة المحاصرة.
ثانياً- على الرغم من تجميد الولايات المتحدة الأميركية لجزء بسيط من بنود «قيصر» إلا أن هذا التجميد يعبر عن مراوغة والهروب خطوة للأمام، ولاسيما أن مؤسسات الدولة السورية لن تستفيد من ودائعها المجمدة في الخارج حتى تستطيع شراء المواد والآليات الصحية والإنشائية اللازمة لمعالجة مخلفات الزلزال، كما أن البنك المركزي السوري مازال خاضعاً للعقوبات، حتى إن الفترة الزمنية التي أقرتها الإدارة الأميركية لقرار التجميد وهي 180يوماً، غير كافية لمعالجة تداعيات الزلازل الذي وصف بأنه «الأكبر خلال قرن»، وسط توقعات دولية بأن الفترة الزمنية لمعالجة تداعيات هذا الزلزال بالنسبة لتركيا، غير المحاصرة والمالكة للموارد والإمكانات الكافية والمغدقة بالمساعدات الدولية، تتراوح بين ثلاثة إلى خمسة أعوام، فكيف الحال بسورية الخارجة من أزمة معقدة ومركبة وعانت ما عانته من إرهاب وتداعياته في قدراتها وإمكاناتها، ومن حصار يكاد يقطع عنها حتى الهواء؟
إذاً قرار تجميد «قيصر» من واشنطن لم يكن سوى محاولة لتلميع صورتها أمام الرأي العام العالمي، والدليل على ذلك أن أصدقاء واشنطن وحلفاءها بما فيهم إيطاليا، أرسلت طائرات مساعدتها إلى لبنان وليس للمطارات السورية، خشية الغضب الأميركي ربما، أو لعدم مصداقية القرار من جانب آخر، أو لأن واشنطن جمدت جزءاً من القانون إعلامياً ومارست الضغوط خلف الكواليس لعدم تنفيذه كاحتمال ثالث.
ثالثاً- يتعلق بالأمم المتحدة ومنظماتها ووكالاتها المتخصصة المرتبطة بها، إذ يمكن الإشارة هنا بوضوح إلى ثلاثة جوانب تؤكد فقدان المنظمة لجزء كبير من مصداقيتها ودورها الموكلين إليها منذ نهاية الحرب العالمية الثانية وإعلان ميثاق تأسيسها، وتكمن في:
– ممارسة ازدواجية المعايير في التعامل والتعاطي مع الأزمات التي تهدد الأمن والسلم الدوليين، إذ إن الدعوة لبحث العملية العسكرية الروسية الخاصة في أوكرانيا، لم تستغرق سوى ساعات منذ بدء هذه العملية لحماية الأمن القومي الروسي، في حين أن عناء الدعوة لبحث تداعيات الزلزال المدمر استغرق أكثر من أسبوع، وبعدما زاد عدد الضحايا عن أربعين ألفاً في سورية وتركيا وربما يزداد بأرقام مخيفة مع تحول عمل فرق الإنقاذ من مرحلة الإنقاذ للأرواح إلى مرحلة انتشال للجثث، هذا من جانب ومن جانب آخر مكمل، فإن انعقاد الجلسة بعد هذه الفترة الزمنية لم يكن لبحث كمية المساعدات ونوعها بل لفتح المزيد من المعابر عبر الحدود كما تطالب أميركا في تجاوز للقرار 2672 المتعلق بآلية إدخال المساعدات الذي مدد مؤخراً.
– التناقض والتخبط الكبير في البيانات وتصريحات المسؤولين والموظفين التابعين للأمم المتحدة والذي يطرح علامات استفهام عديدة حول أبعاد مثل هذه التصريحات؟ أو حول تجاربهم وخبراتهم العلمية والعملية؟ وهنا سأورد ثلاثة أمثلة على سبيل الذكر وليس الحصر، أولها إعلان مكتب الأمم المتحدة في سورية بشكل كامل إلغاء إدخال المساعدات لمدينة إدلب وتبرير ذلك بعدم جهوزية الطرف الآخر، من دون التنويه من هو الطرف الآخر هل هي التنظيمات المسلحة أو الدول الداعمة لها، ومن ثم إعادة تصويب هذا التصريح.
إعلان ومناشدة منظمة الصحة العالمية و«منظمة الغذاء والزراعة للأمم المتحدة – فاو» عن نقص إمكاناتهما في تقديم المساعدة، الأمر الذي يجعلنا نتساءل: أليست الدولة السورية هي عضو أصيل بهما وتقوم بواجباتها داخلهما ويجب مد يد العون لها، أم إن هاتين المنظمتين وغيرهما استنفدت إمكاناتها في أوكرانيا خدمة للإستراتيجية الأميركية؟ أو إنهما تخضعان لعامل ابتزاز التمويل في عملهما؟
أما المثال الثالث والأخطر فهو تصريح المتحدث الرسمي باسم الأمم المتحدة ستيفان دوجاريك لإحدى وسائل الإعلام العربية والمتمثل بأن «العقوبات الأممية على سورية لا تؤثر على مسار تقديم المساعدات الإنسانية لها»، فهل باتت الأمم المتحدة تتبنى العقوبات الأحادية الأميركية المفروضة على سورية وحولتها لعقوبات أممية؟
المأساة السورية كبيرة والفاجعة بمنزلة فاجعتين، فاجعة الكارثة وفاجعة الاستثمار السياسي، ولست هنا بصدد التهجم على أحد، ولكن نحن بحاجة أن نضع النقاط على الحروف لتكتمل الصورة وبخاصة في ظل التعاطي المسيس مع السوريين من الخارج على مستوى الدول والمنظمات، وهو ما يجب أن يدفعنا لتقاسم العمل الدؤوب اليوم والتفكير خارج إطار الصندوق، فالحكومة يجب أن تكون بحجم الكارثة وتعمل كحكومة أزمة وتنفذ ما تتخذه من قرارات، كما يجب البدء برسم إستراتيجية واضحة ومحددة زمنياً لمرحلة ما بعد الزلزال من إعادة لإعمار المناطق المتضررة وإيواء الأسر ومحاسبة المقاولين والابتعاد عن البيروقراطية الرسمية التي باتت تشكل أحد التحديات والثغرات لانتشار الفساد، فاليوم ما يحتاجه المواطن السوري هو الشعور بالاهتمام والتقدير لما تحمله على مدى سنوات، ولاسيما أن مرحلة تداعيات الزلزال ستكون أثقل وأكبر من فاجعة الزلزال بحد ذاتها.