عِبر ودروس من أوكرانيا
جريدة البناء اللبنانية-
عمر عبد القادر غندور:
لطالما مثّل الخط الذي يغطي 37% من حاجة القارة الأوروبية الى الغاز الروسي، خطراً استراتيجياً على الولايات المتحدة وحلفائها من دول أوروبا الشرقية.
ومنذ فترة طويلة قبل نشوب الأزمة الروسية الأوكرانية، حذرت واشنطن مراراً من فرض عقوبات على كلّ من يشترك في التعامل والتساهل في تمرير الغاز الروسي. وعبثاً تحاول الولايات المتحدة توفير الغاز الى أوروبا من غير الحاجة الى الغاز الروسي، وتباحثت مراراً مع قطر التي قالت إنه «من المستحيل ان نعوّض اي دولة إمدادات الغاز الروسي الى أوروبا في حال توقفه». وسبق للولايات المتحدة أن أرسلت ناقلات تحمل الغاز المُسال الى أوروبا لكنها لم تستطع تفريغ الغاز بسبب عدم وجود منشآت مخصصة للتخزين بدرجة حرارة 168 درجة مئوية تحت الصفر…
لن تتخلى أوروبا عن مصالحها وتذهب الى معاداة روسيا كما فعلت وتفعل بريطانيا الشريك الاحتياطي للولايات المتحدة وكثير من الدول الأوروبية تخشى البدائل غير المتوفرة وتعتبر ايّ خطأ في حساباتها رعونة وتهوّر، وهي دول فيها صناعة وتجارة وزراعة وشتاء بارد وكلّ ذلك يحتاج الى الغاز الروسي الذي تعتبره أقوى بكثير من السلاح النووي.
ويقول مسؤولون اميركيون إنهم يبحثون عن مخزون من الطاقة في شمال أفريقيا والشرق الأوسط وداخل الولايات المتحدة، وربما يرون انّ إيران التي تعتبر ثاني أكبر مخزون من الغاز بعد قطر في المرحلة الأخيرة من مفاوضات الملف النووي في فيينا…
واليوم بعد ان انفجرت الأزمة الروسية ـ الأوكرانية، سارعت ألمانيا للإعلان عن تعليق المصادقة على مشروع خط أنابيب « نورد ستريم» المُصمّم لمضاعفة تدفق الغاز الى المانيا، كما سارعت العديد من الدول الأوروبية الى فرض عقوبات على روسيا بعد الاعتراف بدولتي دونيتسك ولوغانسك.
على ايّ حال لا تبدي روسيا ايّ تساهل، وقال الرئيس بوتين: مستحيل التنبّؤ بأيّ مخطط للإجراءات الممكنة، والواضح انّ الدولة الروسية على بيّنة من أمرها وستقوم بما يوافق مصالحها الوطنية.
ولانّ المخاض «الجيوسياسي» ارتفع في الأشهر الأخيرة في منطقة البحر الأسود، بدأت الولايات المتحدة تخطط لتخفيض صادرات النقل من روسيا الى أوروبا في حالة فرض عقوبات، وقال مسؤولون أميركيون إنهم يريدون تقارباً بشأن العقوبات التي ستفرضها أميركا والدول الأوروبية، وقال آخرون إنهم يبحثون عن الوسائل الممكنة لسدّ الفجوة في إمدادات الطاقة ومواجهة خفض تدفق الغاز، وأعلن البيت الأبيض انّ الرئيس بايدن سيلتقي أمير قطر الشيخ تميم للبحث في ضمان استمرار إمدادات الطاقة عالمياً.
أيضاً يرجح الخبراء ان يؤدّي انقطاع تدفق الحبوب من منطقة البحر الأسود الى ارتفاع في أسعار الأغذية وتتعثر فيه القدرة على تحمّل التكاليف وفقاً لبيانات المجلس الدولي للحبوب، بينما روسيا هي أكبر مصدر للقمح في العالم، وخاصة في الأوضاع الاقتصادية الناجمة عن وباء كورونا، خاصة أنّ أوكرانيا أكبر مصدرة للذرة في العالم 2021 و 2022 ورابع أكبر مصدر للقمح في العالم.
ولن تقتصر سلبيات الوضع على أوروبا، وتقول صحيفة «التلغراف» البريطانية في تقرير لها صدر قبل يومين «إنّ الغزو الروسي يهدد بدفع عائلات في الشرق الاوسط وشمال أفريقيا الى الجوع الشديد وهو الاعلى في السنوات العشر الأخيرة».
ويتضمّن التقرير فقرة تتعلق بلبنان تقول كما يقول البنك الدولي «إنّ لبنان قد يكون صاحب أسوأ الأزمات الاقتصادية منذ منتصف القرن التاسع عشر، وانّ ايّ زيادة في أسعار القمح سيكون لها تأثير كبير، ويمكن للتقلبات في أسعار المواد الغذائية يمكن ان تدفع بأعداد كبيرة من الناس الى حالة انعدام الأمن الغذائي.
وفي السياق عينه يقول «البروفسور ونغ» المتخصص شرح الأزمات الاقتصادية وعلى سبيل المثال انّ مصر تعتبر صندوق بارود ينتظر الاشتعال.. انه وضع خطير للغاية في ضوء الأزمة الأوكرانية الروسية .
الأزمة دخلت اليوم يومها الثالث، ويبدو أنّ أميركا والغرب عامة أخطأوا في تقدير الفعل الروسي المدروس الذي يُحكم السيطرة على أوكرانيا الشرقية ويمهّد لتوغل أوسع، فيما أعلن حلف الناتو أنه لن يرسل مقاتلين للقتال في أوكرانيا، وبدوره أعلن الرئيس الأميركي جو بايدن أنّ الولايات المتحدة لن تقاتل في أوكرانيا، مكتفياً بالعقوبات وكأنه يقول: «هذا ما نستطيع فعله»! فيما أكد الرئيس بوتين «أنّ روسيا لن تسمح أن تهدّدها أوكرانيا مهما كلف ذلك من ثمن».