“عيون وآذان” الولايات المتحدة على روسيا
صحيفة البعث السورية-
سمر سامي السمارة:
نظراً لعدم إحرازها أي تقدم في جعل أوكرانيا معقلا لمواجهة روسيا، اتخذت الولايات المتحدة مؤخراً عددا من الإجراءات لإنشاء ما يسمى بـ “الجبهة الثانية” ضد موسكو، وذلك من خلال زعزعة الاستقرار وخلق مشاعر معادية لروسيا في عدد من الدول ذات الأهمية السياسية والإستراتيجية للاتحاد الروسي.
ولم تتوان واشنطن عن ممارسة أنشطتها في زعزعة استقرار الوضع في آسيا الوسطى، التي تعتبر ذات أهمية إستراتيجية خاصة بالنسبة لموسكو. وفي محاولة منها لتعقيد الوضع في كازاخستان، استخدمت الولايات المتحدة، في كانون الثاني الماضي، ارهابيي “داعش” الذين جلبتهم إلى أفغانستان بعد هزيمتهم في سورية والعراق. وكانت أحداث كازاخستان بمثابة “معركة استطلاعية” مفتوحة لأن كازاخستان، بحسب الإستراتيجيين في واشنطن، تعتبر أهم مورد إقليمي لتقويض الوضع في روسيا.
وفي أيار الماضي، قامت واشنطن بمحاولتها الفاشلة لتنظيم نزاع مسلح في منطقة غورنو باداخشان ذات الحكم الذاتي، ثم قررت زعزعة استقرار الوضع في أوزبكستان.
وفي سياق تصعيد سياستها المعادية لروسيا، كثفت إدارة بايدن إجراءاتها لطرد روسيا من جنوب القوقاز. وفي الوقت نفسه، ركزت بصورة خاصة على إلغاء الوجود العسكري الروسي في أرمينيا وكاراباخ، مدعيةً أنه يعيق الاتفاق النهائي بين أرمينيا وتركيا، وأرمينيا وأذربيجان من وجهة نظر أمريكية. بالنتيجة، بحسب خطط واشنطن، فإنه إذا تم فتح الحدود بين أرمينيا وأذربيجان، وبين تركيا وأرمينيا و”ساد السلام في المنطقة”، فإن وجود القاعدة العسكرية رقم 102 في أرمينيا، وحرس الحدود وجنود حفظ السلام الروس في أرتساخ يفقد معناه، وبذلك تتمكن الولايات المتحدة من زيادة الضغط لإنسحابهم من أرمينيا.
ومن هنا جاءت مشاركة واشنطن في “تسوية على الطريقة الأمريكية” لعلاقات أرمينيا مع أذربيجان وتركيا، ففي حال تم التوقيع على “معاهدات السلام” بين الأطراف، فإن خطر النزاع المسلح، سيزول رسمياً إلى الأبد، وبعد ذلك ستكون واشنطن قادرة على المضي قدماً في تنفيذ خططها المتعلقة بعدم ضرورة الوجود العسكري الروسي في أرمينيا.
في الحقيقة، بدون وجود الجيش الروسي في هذا البلد، والذي منع، حتى خلال الحرب التي استمرت 44 يوماً، تركيا وأذربيجان من شن غزو عسكري لأرمينيا، فلن يمنع أي شيء تركيا وأذربيجان من “حل مشكلة الأرمن بشكل نهائي” على الطريقة الأمريكية في المستقبل.
ولتعزيز نفوذها في أرمينيا ضد روسيا، أنشأت الولايات المتحدة “طابوراً خامساً” خاضعاً للرقابة، حيث أعلنت تخصيص 585 ألف دولار لبرنامج تدريبي لـ 60 طالباً وخريجاً من مؤسسات تعليمية دون سن 24 من أرمينيا وأذربيجان وجورجيا.
وبعد إعلان وزارة الخارجية الأمريكية، سيتم إرسال هؤلاء الشباب إلى الولايات المتحدة، حيث سيتم تدريبهم في مجالات مثل “تنظيم المشاريع”- “التفاوض”- “حل النزاعات- “العمل الاجتماعي”، وعدد من الأنشطة الأخرى التي تنطوي على تنمية الصفات القيادية. بعد ذلك، سيحصل الطلاب على تدريب عملي في المنظمات العامة الأمريكية، وعند عودتهم إلى وطنهم، سيبدؤون في تنفيذ “مشاريع عامة بتوجيه من المنظمة المستفيدة من المنحة”، حيث ستشرف السفارة الأمريكية في أذربيجان على المبادرة.
وبهدف “غسل الأدمغة” وتغيير وعي الأشخاص الذين يعيشون في مناطق مختلفة بشكل تدريجي، قامت الولايات المتحدة بتنفيذ مشاريع مماثلة في مختلف جمهوريات الاتحاد السوفييتي السابق على مدى السنوات الماضية.
في هذا الصدد، تركز الولايات المتحدة بشكل خاص على جمهوريات الاتحاد السوفييتي السابق، وقد شوهد بالفعل الأشخاص الذين “تم إعدادهم” بهذه الطريقة أكثر من مرة في مختلف جمهوريات الاتحاد السوفييتي السابق على أنهم مبادرون أو “منسقون” لمختلف المظاهرات المناهضة للحكومة الروسية.
وفي سياق مماثل لهذه الأنشطة، أعلنت سفارة الولايات المتحدة في أرمينيا مؤخراً عن برنامج يُسمى بـ “تجمع المتطوعين” في أرمينيا، ويهدف ظاهرياً إلى “إقامة اتصالات مع المواطنين الأمريكيين في حالة الكوارث والطوارئ”، إلا أن هذه التصرفات تسببت بغضب عام بين الشرائح الأرمينية على شبكات التواصل الاجتماعي. ورداً على ذلك، حاولت سفارة الولايات المتحدة في مدونتها الصغيرة على شبكات التواصل الاجتماعي، التأكيد على أن البعثات الدبلوماسية الأمريكية “تقوم بانتظام في جميع أنحاء العالم بتجنيد متطوعين لتبادل المعلومات وتقديم المساعدة للمواطنين الأمريكيين في الخارج”، موضحةً أنه في حالات الطوارئ، يمكن استدعاء المتطوعين للمساعدة في العثور على الأمريكيين المفقودين، وزيارة المواطنين الأمريكيين في السجن أو المستشفى، واستخدام “المتطوعين” للاحتفاظ بقوائم بأرقام الهواتف والعناوين، المتضمنة لعناوين البريد الإلكتروني لمواطني الولايات المتحدة الذين يعيشون في منطقة نشاطهم.
كما سيساعد هؤلاء “المتطوعون” المواطنين الأمريكيين في اختيار أماكن التجمع والطرق في عمليات الإجلاء في حالات الطوارئ. أي أنها أصبحت في الواقع عيون وآذان الأمريكيين، ومن الواضح أنها ليست فقط في حالة ” الطوارئ”.
يقول مراقبون، أن الولايات المتحدة – بهدف توفير نشاط أكثر فعالية في أرمينيا – تعتزم إجراء بعض التعديلات على ملاك سفارتها في المستقبل القريب، وتعزيزه بـ “موظفين ذوي خبرة” ممن تم تدريبهم بالفعل في دول أخرى لتعزيز المعارضة لروسيا.