عون و” المبدئية الواقعية”
وكالة أخبار الشرق الجديد ـ
غالب قنديل:
يتخذ العماد ميشال عون مواقفه السياسية بحسابات مبدئية ومنطقية تصدم الكثيرين احيانا وهذا هو مصدر نعته بالعناد من قبل المنتمين إلى المدرسة السياسية التقليدية التي تفصل في السياسة بين المباديء والمواقف اليومية لتشرح حساباتها المستخدمة احيانا لتبني مواقف وخيارات تحركها المصالح ويسودها غالبا منطق الصفقات ويتميز الجنرال بهذا المعنى بسلوك سياسي خاص يمكن تسميته المبدئية الواقعية وفق ما تشير إليه محطات كثيرة في مواقفه آخرها رفضه لتمديد ولاية المجلس النيابي وهو بصراحة كان الأقرب إلى الصواب بالمعايير السياسية والمبدئية .
الذريعة الأمنية لعدم إجراء الانتخابات التشريعية والتي رفع وزير الداخلية بسوداوية مفرطة من ثقلها مؤخرا ليست مقنعة فعليا بالمقارنة مع جميع البلدان التي شهدت انتخابات وسط الأزمات والاضطرابات والحروب الدامية والمستعرة من ليبيا إلى تونس فالعراق وسورية ومصر وأفغانستان وسواها.
بكل صراحة من المتفق عليه في الكواليس وفي العلن ومن الآخر كما يقال أن تمديد ولاية المجلس النيابي كان خضوعا لإصرار تيار المستقبل وزعيمه الرئيس سعد الحريري على رفض إجراء الانتخابات النيابية وقد فسر موقفا حركة امل وحزب الله بالحرص على إقامة حصانة جديدة ضد الفتنة المذهبية مقابل تغطية المستقبل للجيش اللبناني في مجابهة الإرهاب التكفيري وإظهاره الاستعداد للانخراط في حملة وطنية شاملة لمحاربة التكفير خلف الجيش اللبناني.
يرى البعض في خلفية رفض الحريري للانتخابات خوفا كبيرا سعوديا وحريريا من تبدل خارطة المجلس النيابي في الظروف السياسية الحاضرة بعدما لحق بتيار المستقبل من وهن وتراجع وتضعضع لصالح خصومه ومنافسيه الكثر ومنهم قوى 8 آذار وشركاء للمستقبل في العدوان على سورية من قوى متطرفة ومن اجنحة في المستقبل نفسه وقد اكد الرئيس نبيه بري في شرح انتقاله من التمسك بإجراء الانتخابات التي كان اول المرشحين إليها إلى دعم التمديد أنه يعتبر مقاطعة المستقبل للانتخابات النيابية إخلالا بميثاقيتها .
من حق العماد عون ان يؤكد عدم اقتناعه بهذا الرأي فجميع القوى السياسية التي شاركت في مسيرة ما بعد الطائف وخصوصا المستقبل والتقدمي وحركة امل وحزب الله وسواها سارت في إجراء الانتخابات النيابية منذ العام 1992 وسط مقاطعة مسيحية بلغت معدلات مرتفعة جدا ولم تطرح يومها ميثاقية المجالس النيابية والانتخابات النيابية علما ان الواقع السياسي في الشارع السني راهنا لايعطي المستقبل الوزن التمثيلي الذي حازته آنذاك القوى الرافضة للانتخابات وحيث توحدت على قرار المقاطعة في حينه ورغم اختلافاتها في السياسة مجموعة من الأطراف من حزبي الكتائب والقوات إلى التيار الوطني الحر والبطريركية المارونية بينما اليوم وفي حساب نتائج انتخابات عام 2009 يمكن القول براحة ضمير إن نسبة لا تقل عن أربعين بالمئة من الناخبين السنة لن تمتثل لقرار المستقبل بمقاطعة الانتخابات لو أجريت وبالتالي لن يكون بالمستطاع الكلام عن مقاطعة سنية للانتخابات أي ان الخلل الميثاقي قد لا يقع نهائيا لأن المقاطعة ستكون حريرية فقط وبالمعنى المحصور ويرى كثيرون انه لو دخلت البلاد فعليا في هذا الاختبار لوجدنا الرئيس الحريري يبدل موقفه ويشارك مع حزبه في الانتخابات حتى لا يخسر حضوره السياسي وتمثيله الشعبي ، لكن حساسية محاصرة الفتنة واولوية المعركة ضد الإرهاب التكفيري حضرتا على طاولة الرئيس نبيه بري والسيد حسن نصرالله وهذا ما تفهمه الجنرال بكل واقعية من غير ان يبدل في موقفه المبدئي.
من حق العماد عون الاعتراض على التمديد مسايرة للحريري ومن منطلقاته المبدئية القائلة بضرورة إجراء الانتخابات في مواعيدها لتجاوز الاستعصاء السياسي الراهن عبر صناديق الاقتراع وهذا هو الطريق الدستوري والعملي إلى إنهاء الشغور الرئاسي.
المعيار المبدئي نفسه يحرك موقف العماد ميشال عون من الانتخابات الرئاسية فهو يطرح ضرورة التفاهم السياسي على اعتماد قاعدة واحدة في اختيار الرئاسات الثلاث فإما مبدأ اختيار الزعامة الأوسع تمثيلا وإما القاعدة التوافقية في اختيار الرؤساء الثلاثة علما ان مبادرة عون لانتخاب الرئيس من الشعب مباشرة تشكل محاولة متقدمة لتطوير النظام الطائفي اللبناني وكسر حلقته المفرغة بالاحتكام إلى الإرادة الشعبية لكن خصوم الجنرال في معكسر 14 آذار يخوضون معاركهم بأولوية وحيدة هي منع انتخابه رئيسا قبل أي شيء آخر وهم يستسيغون شتى السبل لتحقيق هذه الغاية بما في ذلك التمديد الذي كانوا يرفضونه.
المبدئية التي تميز مواقف العماد ميشال عون هي سر شعبيته المتجددة وقوة تياره السياسي في الشارع وما يحظى به من احترام عابر للطوائف والمناطق ونجدها اليوم تترسخ اكثر فاكثر رغم تمايزه الصريح عن حلفائه وشركائه في العديد من القضايا والمواقف فهو لا يراجع موقفه من المقاومة عند اختلاف المواقف اليومية بينه وبين حزب الله في أي شأن سياسي ولا يهتز موقفه من سورية بسبب اي تباين مع بعض حلفائها في لبنان.
مبدئية الجنرال تتجلى في تمسكه بالخيارات الاستراتيجية الكبرى التي اتخذها باقتناع ونضج عميقين وقد تبدى لكثير من أنصار عون وخصومه حين أعلنها أنه سار في خيارات خاسرة شعبيا وسبح عكس التيار عندما عقد التفاهم مع حزب الله وعندما اتخذ موقفه التاريخي المشهود في حرب تموز ولم يأبه لتهديدات إسرائيل وجيفري فيلتمان وعندما اتخذ خياره الواضح والحاسم من الأحداث في سورية وطرح افكاره عن المسيحية المشرقية المنتمية إلى أرضها ومجتمعها وقضاياه الكبرى وفي قلبها فلسطين وهو يجد دوما جذورا لخياراته الاستراتيجية الراهنة في مسار تراكمي لتطور خبراته القيادية ومشروعه السياسي وهويته العلمانية والوطنية.
الناظر إلى كل تلك المواقف التي اعتقد كثيرون انها جلابة للمخاطر والخسائر يجد أن الأحداث أتت بما يؤكد صوابها ولذلك تضاعفت شعبية الجنرال وتأكدت مقولته عن دورالزعماء والقادة في صنع الرأي العام بدلا من اللهاث خلف انفعالاته العفوية لمسايرة أوهامه وغرائزه.