عن كواليس هجوم جوبر
الميادين نت ـ
عبد الله سليمان علي:
عبد الله سليمان علي:
جاء هجوم جوبر، فجر الأحد، في غمرة الصراع على “تسوية القابون وبرزة” التي تعني في حال إتمامها، استفراد الجيش بجوبر التي ستكون البؤرة الساخنة الوحيدة المتبقية في محيط العاصمة بعد أن انطفأت معظم البؤر الأخرى بموجب اتفاقات تسوية مماثلة.
لم تستطع حرارة المعارك في جوبر التي استمرت في جولتها الأولى 22 ساعةً متواصلةً، أن تلفح وجه مدينة دمشق. فالعاصمة السورية التي زنّرها الجيش بحزام دفاعي متين منسوج بعناية فائقة، أصبحت منذ زمن خارج دائرة الخطر. والتدبير العسكري لحماية العاصمة جعلها عصية على أي تكتيك عسكري مهما يهدف إلى كسر المعادلة الاستراتيجية التي تتكفل بحماية المدينة. لا يعني هذا أن دمشق لم تكن أمام اختبار قاسٍ لم تتعرض لمثله منذ نهاية العام 2013. لكن هذا الاختبار على صعوبته لم يكن ليشكّل خطراً عسكرياً حقيقياً على المدينة، وأخطر ما يمكن أن يترتب عليه هو فتح جرح نازف في خاصرة المدينة على شاكلة “حي بني زيد” في حلب الذي فرض على المدينة دفع ضريبة كبيرة من الدماء لكنه لم يستطع إركاعها. بعض الفضائيات العربية وفي إطار حملة معتادة في مثل هذه الظروف حاولت أن تنفخ في هجوم المسلحين على محور جوبر – القابون، روحاً أكبر منه، وكادت أن تعلن سقوط دمشق. غير أن ما جرى على الأرض بتفاصيله وكواليسه كان مختلفاً تماماً.
هجوم جوبر .. الخلفية
جاء هجوم جوبر، فجر الأحد، في غمرة الصراع على “تسوية القابون وبرزة” التي تعني في حال إتمامها، استفراد الجيش بجوبر التي ستكون البؤرة الساخنة الوحيدة المتبقية في محيط العاصمة بعد أن انطفأت معظم البؤر الأخرى بموجب اتفاقات تسوية مماثلة. وسبق ذلك سلسلة طويلة من التطورات في الغوطة الشرقية، اشتملت على حلقات دامية من اقتتال الفصائل بعضها ببعض كما جرى بين “فيلق الرحمن” و”جيش الإسلام”. كما اشتملت على إنجازات سريعة للجيش السوري استطاع خلالها استعادة مساحات واسعة من الغوطة الشرقية على مراحل عدة، وذلك قبل أن يصل قطار التطورات إلى برزة والقابون وإنجاز تسوية معهما مشابهة لتسويات داريا والتل وغيرهما في ريف دمشق.وقد حاولت الفصائل المسلحة تأجيل سيناريو التسوية متشبثةً بأطراف اجتماع أستانة، معتقدةً أنه سيمنحها المظلة للنفاذ من هذا المصير، غير أن تواجد “جبهة النصرة” المصنفة على قوائم الإرهاب والمستثناة من وقف إطلاق النار، في هذين الحيّين، أفشل هذه المحاولات وأفرغ مطالب “وفد الفصائل” من أي شرعية مقبولة.خلال ذلك كان من اللافت أن ضغوط الجيش السوري لم تؤدّ إلى تقارب الفصائل المسلحة مع بعضها، بل استمرت الخلافات بينها حتى أن “جيش الاسلام” اتّهم “اللواء الأول”، وهو القوة المهيمنة في حي برزة، بإفشال هجوم كان يعدّ له ضد دمشق وكان من المقرر أن يتم في بداية شهر آذار، علماً أن “اللواء الأول” أعلن انضمامه إلى “فيلق الرحمن” منذ منتصف العام الماضي.هذا يعني أن فكرة الهجوم على دمشق كانت تتردد في أذهان قادة “جيش الإسلام” قبل أن تجد صداها لدى قادة “جبهة النصرة” و”فيلق الرحمن”. لكن المستغرب هو لماذا عرقل “اللواء الأول” التابع لـ “فيلق الرحمن” الهجوم الذي كان يخطط له “جيش الإسلام” انطلاقاً من برزة، ثم يعمد إلى إطلاق هجوم آخر انطلاقاً من جوبر بعد أسبوعين تقريباً؟
من قام بالهجوم؟
لا شك في أن وحدة الخطة لا تعني وحدة الهدف. وهذا هو التفسير الوحيد لفهم عدم تلاقي الفصائل المسلحة بين بعضها البعض رغم وحدة الخطة التي تجمعها وهي القيام بهجوم عسكري على مشارف دمشق أملاً باقتحامها. ومن الواضح أن كلاً من “جيش الإسلام” و”فيلق الرحمن” لم يكن يثق بالأهداف الحقيقية الكامنة وراء تحرك الآخر.وما أضفى بعض التعقيد على المشهد غداة انطلاق المعركة، فجر يوم الأحد، أن ثلاثة فصائل تناوبت على إصدار بيانات بخصوص مجريات المعركة هي “هيئة تحرير الشام” التي تهيمن عليها “جبهة النصرة” و”فيلق الرحمن” و”أحرار الشام”. وجاء صمت “جيش الإسلام” إزاء المعركة وتجاهله التام لها، حتى في الكلمة المرئية التي نشرها قائده عصام بويضاني مساء يوم الهجوم، ليؤكد تفاوت الأجندات بين هذه الفصائل.بدورها بدت “أحرار الشام” وهي تصدر بياناتها الخاصة حول تطورات هجوم جوبر وكأنها تغرد خارج السرب، وظهر ذلك جلياً من خلال أمرين: الأول أنها لم تطلق على الهجوم تسمية “يا عباد الله اثبتوا” وهي التسمية التي تبناها كل من “فيلق الرحمن” و”جبهة النصرة” (هيئة تحرير الشام). والثاني هو أن “فيلق الرحمن” أكد في بيان صدر عنه يوم الاثنين بعد انتهاء الجولة الأولى من المعركة، أنه خاض الهجوم بالاشتراك مع “أحد فصائل الغوطة” فقط، وهي إشارة واضحة إلى استبعاد “أحرار الشام” لأن “جبهة النصرة” هي التي مهدت للهجوم من خلال عملياتها الانتحارية.وعليه يكون من المؤكد أن من قام بهجوم جوبر هما “جبهة النصرة” و”فيلق الرحمن” وفيما تغيب “جيش الإسلام” كلياً عن المشهد، حاولت “أحرار الشام” التطفل عليه والقيام بدور ما.وتؤكد المعلومات التي حصلت عليها الميادين نت من مصادر خاصة أن “جبهة النصرة” هي التي تقود الهجوم بشكل فعلي وأن القيادي فيها أبو أحمد حلاوة هو القائد الميداني لغرفة العمليات المشكلة بينها وبين “فيلق الرحمن”.ويبدو استبعاد “أحرار الشام” من الهجوم مثيراً للاستغراب خاصة أن الحركة كانت شريكة لـ “الفيلق” و”الجبهة” في غرفة عمليات “جند الملاحم”، كما كانت على خلاف كبير مع “جيش الإسلام” في الغوطة.
دمشق أم كرسي المفاوضات؟
بناء على ما سبق، يغدو الحديث عن عدم خطورة الهجوم على دمشق عسكرياً في محله. فعلاوة على الخلافات الداخلية بين الفصائل وتعدد أجنداتها واختلاف أهدافها، فإن تجاهل “جيش الإسلام” للهجوم أفقده الكثير من زخمه، بل وحرمه من العديد من الدلائل الرمزية التي كان يمكن أن ينطوي عليها لو أن “جيش الإسلام” الذي يقود ممثله محمد علوش “وفد الفصائل” في اجتماعات أستانة، أسبغ عليه مظلته الإعلامية فقط، ولو من دون مشاركة عسكرية، لكن سياسة التجاهل التام حرمت الهجوم من هذه الدلائل ذات الامتدادات السياسية.هذا يدفع إلى البحث عن الهدف الحقيقي لكل فصيل من وراء الهجوم، لأن معرفة هذه الأهداف ضرورية لفهم ما جرى في جوبر وتحديد مدى خطورته والتداعيات التي يمكن أن تترتب عليه. ومن أجل الوصول إلى هذا الفهم علينا أن نستذكر نية “جيش الإسلام” القيام بالهجوم من محور برزة وما تعرض له من عرقلة من قبل “اللواء الأول” التابع إلى “فيلق الرحمن”.فبالنسبة إلى “اللواء الأول” لم يكن لديه أدنى شك في أن هدف “جيش الإسلام” ليس دمشق بل هو التمدد والسيطرة على برزة ونزع يد “اللواء الأول” عنها بحجة التحضير لهجوم واسع على العاصمة، وهو ما دفع “اللواء الأول” إلى تسريب خطة الهجوم للجيش السوري حسبما أكد المرصد السوري المعارض في العديد من تقاريره حول الموضوع.ولاشك أن “جيش الإسلام” ساورته نفس الشكوك عندما علم بهجوم جوبر، وكان أول ما تبادر إلى ذهن قيادته أن هدف الهجوم ليس دمشق بل محاولة من “فيلق الرحمن” للهيمنة على القابون وبرزة بشكل نهائي بمساعدة من “جبهة النصرة”.وبالفعل صدرت عن قياديين في “فيلق الرحمن” تصريحات عدة تؤكد أن هدف الهجوم محدود يقتصر على “الانتقال من حالة الدفاع في الغوطة إلى حالة الهجوم” والأهم “السعي إلى الوصل بين جوبر والقابون” ولم يصدر عن أي قيادي في “فيلق الرحمن” أنه يخطط لإسقاط دمشق في هذه المرحلة على الأقل، وذلك خلافاً للحملة الإعلامية التي واكبته وبالغت في رفع السقف من الهجوم. ومثل هذه التصريحات لا شك أنها زادت من مخاوف “جيش الإسلام” لأنه يدرك أن هذه الأهداف موجهة ضدة بالدرجة الأولى والغاية منها سحب البساط من تحت قدميه في كامل الغوطة، وهو ما سيؤثر حتى على وضعيته حتى في “وفد الفصائل” في أستانة، لاسيما أن “فيلق الرحمن” يشكل منافساً أساسياً له في جميع المجالات.من جهة ثانية، لوحظ أن “أحرار الشام” كانت تركّز في تغطيتها للمعركة على نقطة تهديد العاصمة واقتراب الاشتباكات من أحيائها القريبة، فيما لم يحظ منها “وصل جوبر بالقابون” بنفس اهتمام “فيلق الرحمن”.وفي هذا السياق كانت “أحرار الشام” هي الفصيل الوحيد الذي نشر صوراً تظهر إشراف القنّاصين على شارع فارس الخوري أو الاقتراب من عقدة البانوراما.ومن غير الواضح ما هو الهدف الحقيقي لـ “أحرار الشام” من وراء تغيير بوصلة الهجوم وتصويبها نحو دمشق مباشرةً لأن مثل هذا التصعيد يمثل سكيناً ذا حدّين. فكما يمكن أن يغري “جبهة النصرة” بالتجاوب معه خاصة أن “النصرة” تتحدث دائماً عن “معركة دمشق الكبرى”، فإنه يمكن أن يدفع الجيش السوري وحلفاءه إلى الرد على الهجوم بأساليب أكثر قوة لحماية العاصمة.
تحالف “الموك” و “القاعدة”
لا يمكن أن يمر تحالف “فيلق الرحمن” مع “جبهة النصرة” التي اتهمها المبعوث الأميركي مايكل راتني بأنها تنظيم إرهابي وتشكل امتداداً لشبكة “القاعدة”، مرور الكرام. فـ “فيلق الرحمن” من الفصائل المدعومة من قبل “غرفة عمليات الموك” التي تديرها الاستخبارات الأميركية وبالتالي يأتي تحالفه مع “ذراع القاعدة في سوريا” ليدحض المزاعم الأميركية حول محاربة الإرهاب، خصوصاً أن “فيلق الرحمن” يعمل في المعركة تحت قيادة “النصرة”.
ومن شأن هذا التحالف التذكير بما جرى مع “حركة نور الدين الزنكي” في حلب والتي كانت بدورها من “فصائل الموك” لكنها تحالفت مع “النصرة” ضمن “جيش الفتح” نتيجة عوامل عديدة، وذلك قبل أن تتطور علاقتهما ويشكلان معاً “هيئة تحرير الشام“. وهو ما يثير العديد من التساؤلات حول سبب هذه الهجرة الدائمة لما يسمى بـ “الفصائل المعتدلة” المدعومة أميركياً إلى أحضان “القاعدة”؟
ومن شأن هذا التحالف التذكير بما جرى مع “حركة نور الدين الزنكي” في حلب والتي كانت بدورها من “فصائل الموك” لكنها تحالفت مع “النصرة” ضمن “جيش الفتح” نتيجة عوامل عديدة، وذلك قبل أن تتطور علاقتهما ويشكلان معاً “هيئة تحرير الشام“. وهو ما يثير العديد من التساؤلات حول سبب هذه الهجرة الدائمة لما يسمى بـ “الفصائل المعتدلة” المدعومة أميركياً إلى أحضان “القاعدة”؟