عن عرسال وأخواتها، تهريب سلاح ومازوت ودخان حدود مفتوحة على مسافة مئة كيلومتر..وأكثر
موقع سلاب نيوز الإخباري:
لا شك في أن من قرأ تاريخ البقاع الشمالي قبل العام 2005 لا يزال في ذهنه صورة مختلفة عن عرسال اليوم، تلك البلدة التي كانت ترفرف على طرقاتها الرايات الحمراء وتتزين جدرانها بصور شهداء “جبهة المقاومة الوطنية اللبنانية” أخلت ساحاتها لرجال زمن سوريا في لبنان وأصبحت في ليلة وضحاها بعد أن ملأت جيوب “متموليها” من صناعة التهريب “قاعدة للبعث”، يقول “خالد” أحد الذين ما بدلوا خياراتهم حتى “الآن”، أن صاحب الفضل في تحويلها “بعثية” هو نفسه رئيس البلدية الذي وقف قبل أشهر في حضرة رموز الأمانة العامة ل 14 أذار ليعلن أن الأسد سيسقط.
لقد غيرت عرسال ثوبها لدرجة أن الكثيرين ممن كانوا في عداد الوفد الذي زار اللواء علي مملوك عام 2008 برفقة “فايز شكر” هم نفسهم من عادوا لينتفضوا ويقطعوا الطريق عليه وحزبه يوم حاول المشاركة في مناسبة إجتماعية تخص أحد أبناء البلدة البعثيين، وأغلبهم أيضاً الآن، من ينشط على خط تهريب السلاح للمعارضة السورية و دعمها و تسهيل نقل جرحاها، وإمدادها بالمقاتلين من أبناء البلدة و حتى الوافدين إليها.
البعض ممن يسمون أنفسهم حلفاء سوريا الأوفياء ربما لم يفهم رسالة قوى الرابع عشر من أذار حينما قرر أحمد الحريري أن يترك قصره ويتخلى فارس سعيد عن عنجهيته، و إيلي ماروني عن يمينيته المفرطة لتحط بهم الرحال في قرية نائية شعبها لا يعرف أغلبه كيف تعقد الكرافات ويجهل أصول الجلوس على طاولات الأغنياء و لكن يكفي لذاك الفريق أن يكونوا هؤلاء البسطاء الحامي و العرين و المحطة و المخزن الذي يؤمن منصة إطلاق الحقد على نظام الرئيس السوري بشار الأسد حتى يتركوا بيروت و يأتوا الى أقاصي الحدود ليقولوا للجيش اللبناني أن عرسال خط أحمر ممنوع الدخول إليها أو التعرض للناشطين فيها على خط الثورة من وجهة نظرهم.
“ايه في بعرسال قاعدة” ولها شيوخها الذين يحرضون مذهبياً ويوزعون كتباً تنشر أفكار إبن تيمية، هكذا يقول أحد وجهاء البلدة “أبو محمد” الذي يتجنب إعلان موقفه أو الكشف عن إسمه الكامل لأنه مقتنع أن الكثير ممن قطعوا رؤوساً في القصير و محيطها هم الآن في عرسال ولن يتأخروا عن هدر دمه، طالما أن عملاء سوريا السابقين وكتبة التقارير لأجهزة مخابراتها باتوا رجال دين يحللون ويحرمون.
عرسال لا تنام، ولا تهدأ الحركة فيها وهي تمتد وتتوسع حتى وصلت ملكية أبنائها الى أراضي “مشاريع القاع” التي تستخدم كممر لتهريب السلاح والمسلحين ونقل الجرحى والمواد التموينية على مرأى ومسمع من عناصر الجيش الذين يقفون على الحياد بالحد الأدنى منذ وقوع الكمين الشهير لعناصر دورية مؤللة خطف عناصر منها و أهينوا وما تركوا إلا بعد مفاوضات قادها الريس علي (رئيس البلدية – الصورة اعلاه) بين ضباط المؤسسة العسكرية ومجموعات مسلحة من الجيش الحر أفضت الى إخلاء سبيل العناصر المخطوفة مقابل إفراج الجيش عن شاحتة أسلحة كان قد صادرها أثناء محاولة تهريبها الى الداخل السوري.
لم يكن يغالي “أبو عجينة” (اللقب الذي يطلق على رئيس بلدية عرسال) حينما قال أنه يسيطر على مئة كيلومتر على طول الحدود مع سوريا من مشاريع القاع حتى الزبداني، فعرسال هي القاعدة الخلفية للمعارضة المسلحة الناشطة على خط جبهتي حمص وريف دمشق.
منذ اللحظة الأولى لإنطلاق شرارة الأعمال العسكرية بمواجهة الجيش السوري دخلت عرسال على الخط ففيها خُطِطَ للكثير من العمليات ومنها إنطلقت عشرات الغزوات، وإليها أصطُحِب عناصر أختطفت، و في بيوتها صورت الكثير من مقاطع الفيديو التي بثت عبر شاشات فضائيات عربية وفي بساتينها وجرودها تم تدريب عناصر من سوريا والكثير من الدول العربية وسلكوا طرقاتها ليصلوا الى أرض المعركة وفي سيارات أبنائها نقل عشرات الجرحى وحتى المئات لتلقي العلاج في مستوصفات أو مشافي ميدانية وفي جبانة البلدة يقال أن الكثيرين من أبناء البلدة قد دفنوا سراً وكذلك “أغراب” عنها ممن سقطوا في معركة إسقاط بشار الأسد.
حينما تسأل لما كل هذا العداء يأتيك الجواب أنهم لا يمكن لهم ترك الشعب السوري يقتل ويذبح وعندما تذكرهم أنهم هم من رموا بالعمال السوريين عن أسطح البنايات عام 2005 يأتي من كان صامتاً خلال النقاش ليؤكد لك (جانبياً) أن كل من يشهرون العداء للنظام لا يتمنون إنتهاء المعركة ويرفعون الدعاء صبح مساء أن يدب المزيد من البلاء ويبتعد المصلحون بين النظام ومعارضيه “فالشغل” في الثورة السورية يجلب أموالاً كثيرة، وفي حال طالت الأزمة ستتحول عرسال الى العاصمة الإقتصادية ولهذا يصعب عليك اليوم أن تجد من يبيعك حجراً تزين فيه جدران بيتك ولم العمل بالحجارة لطالما أن صندوق دخان واحد يعود بمئة دولار لمن يهربه في حين أن أجرة إدخال جريح تصل الى ألفي دولار والأن وبما أن الشتاء قد حل فأهلاً بتهريب المازوت و هذه المرة من لبنان الى سوريا وليس العكس.
لكن، كل هذا لا يعني أبداً أن الكل يتاجرون بالثورة ودماء الشعب السوري، فقد اتسع تيار المتشددين دينياً الذين يريدون إسقاط النظام، فقط لأن رئيسه “علوي المذهب” ويرفضون علمانية تيار المستقبل الذي يتاجر بدم أهل السنة لأجل السلطة و كرسي رئاسة الوزراء على حد قولهم، هؤلاء كان لهم الدور الأكبر بتنسيق حركة نقل المئات من مقاتلي المعارضة السورية من جنسيات مختلفة من حمص، يوم أطبق النظام على المدينة ليعبروا بهم من القصير فجرود عرسال وعبرها الى جرد بلدة نحلة فجرد بعلبك و منه الى جرد بريتال فصعوداً نحو بلدتي معربون وحام اليي يدخل منها المقاتلين الى ريف دمشق عن طريق رنكوس و عسال الورد السوريتين وقد تحول هذا الخط الممتد من عرسال الى ريف دمشق الى خط إمداد بالسلاح النوعي الذي ينقل من داخل حمص و ريفها حيث يؤكد الكثير ممن يمارسون هواية الصيد في تلك الجرود أنهم إبتعدوا عن تلك المنطقة بعد مشاهداتهم لآليات ينصب عليها أسلحة متوسطة و عليها شعارات الجيش الحر يقودها ملتحين تنقل السلاح و المسلحين و تعبر بهم نحو ريف دمشق في حين تحولت بلدة حام الحدودية الى سوق للأسلحة و في أحد بيوتها يقوم مرشح تيار المستقبل في دورة 2009 عن دائرة بعلبك الهرمل الدكتور فضل الله صلح بمعالجة الجرحى الذين يتم نقلهم من الداخل السوري في حين تحولت بساتين البلدة بحسب ما يؤكد سكان منها الى محطة إستراحة، تحت أشجارها يخلد عناصر المعارضة السورية الى النوم، حيث صار بإمكانهم وضع ألياتهم العسكرية في الخلاء مكشوفة دون أن يتجرأ أحد على معارضتهم لأنهم لم يترددوا في قتل شاب من آل مراد رغم كون أخيه أبرز من يزودهم بالسلاح، ولا يتردد أحد وجهاء القرية في الحديث عن تواطؤ ما من قبل ضابط يبدو أن إنتماءه المذهبي غلب إنتمائه الوطني فتراه يغمض عينيه عن الكثير من الإرتكابات والمخالفات القانونية وانتهاك السيادة اللبنانية، مبدياً تخوفه من أن تدفع تلك المنطقة ثمناً باهظاً يوم يصل الجيش النظامي الى بلدات رنكوس وعسال الورد ومزارع درة وسبنيه فلا يبقى أمام تلك المجموعات الا الهرب نحو بلدتنا وجوارها عندها سنقع في المحظور.