عن طرابلس الرويسيّة…
صحيفة صدى البلد اللبنانية ـ
الياس قطار:
هنا طرابلس. هنا وجع طرابلس. هنا المشهدية مختلفة عن سابقاتها. لون الدخان مختلف. حجم الكارثة أكبر. نَفَسُ الفتنة أقوى. هنا طرابلس الرويس. طرابلس التي عايشت في الأمس تفجيريْن مختلفيْن عن أمرّ مرارات الأمس. هنا التوقيت مختلفٌ، والرمزية مختلفة.
وكأنه دورُ تلك المدينة التي لم تعرف الهدوء لا قبل انطلاق الأزمة السورية ولا بعدها حكمًا. صحيحٌ أن طرابلس لم تهدأ يومًا، وصحيحٌ أن جبل محسن نفسه الذي تبرّع بدم أبنائه للجرحى أمس هو نفسه الذي كان ولا يزال طرفاً في نزاعٍ أزلي مع باب التبانة أجّجته النيران السورية، وصحيحٌ أن الحديث عن منطقةٍ معزولة في الشمال اللبناني طرابلس هي بطلته المطلقة لم يتوقف يومًا… إلا أن ما حصل في الأمس لا يشبه أياً من القنابل التي كانت تُرمى عشوائيًا والرصاص الذي يخترق الأبنية ليلاً والقنص الذي يعشش على السطوح. ببساطةٍ ما عايشته المدينة ظهر الأمس هو أقسى ما عايشه الشمال برمّته بعد حرب مخيم نهر البارد في العام 2007.
معادلة من ثلاث
حتى أبسط الناس كانوا يتوقّعون انفجاراً في منطقةٍ سنيّة. إنه التحليل الشعبي الذي أفضى الى معادلةٍ من ثلاث: الأولى بثّتها جهاتٌ متعصبةٌ وقوامُها: تفجيرٌ للسنة مقابل كلّ تفجير للشيعة. الثانية بدا أصحابها أكثر حنكةً ووعياً فتحدثوا عن أصابع خفيّة تحاول ترسيخ الشرخ بين السنة والشيعة. والثالثة تذهب أبعد من ذلك بالتلميح الى أن أهل السنة يستعيدون مظلوميّتهم بعدما سرقها منهم شيعةُ لبنان بتفجيريْن دمويَّيْن في بئر العبد والرويس.
ردٌّ غير منمّق
واهنة بدت بعض تلميحات فريق 14 آذار المرتقية بمقولة: هذا ما جناه حزب الله علينا بتدخّله في سورية. فالردُّ وإن لم يكن في وقته كان أبسط من أن ينمّقه الفريق الآخر: “لو كانت الأمور كذلك لاستهدفوا مزيداً من مناطق حزب الله لا مناطق أعداء النظام السوري”. لم تخلُ المواقف التي كانت في معظمها تهدويةً من خروقاتٍ سجّلها بعض أبناء فريق 14 آذار، إلا أنها بقيت بمثابة مواقف فرديّة في بحرٍ من الإجماع على طرد شبح الفتنة. وإذا كان موقف حزب الله المتضامن والمعزّي بارزاً انطلاقاً من تذوّقه اللوعة نفسها منذ أسبوع، فإن كلام مفتي الجمهورية الشيخ محمد قباني كان الأكثر دوياً على مستوى وضوح رسالته: “ أيها المسلمون إن متفجرة الضاحية ليست متفجرة السنة في الضاحية، ومتفجرة طرابلس ليست متفجرة الشيعة في طرابلس”.
“كليشيهان”…
هما “كليشيهان” باتا يستوطنان الساحة اللبنانية. “كليشيهان” غالباً ما يبدوان في أتمّ الجهوزية لاستخدامهما عندما “تحزّ الحزيّة”: الفتنة والطابور الخامس. وإذا كانت الأولى أمراً واقعاً وغير مشكوكٍ في تسللها الى لبنان من البوابة السوريّة، فإن الطابور الخامس هو ما يعوّل أهالي طرابلس اليوم على كشف خيوطه تمامًا كما حصل في تفجير الضاحية. أما ما بين الفتنة وطابورها فمشهديّة حذّر رئيس مجلس النوّاب نبيه برّي أخيراً من أن تحاكي سيناريوهات المأساة العراقيّة التي انطلقت منذ العام 2003 ولم تعرف الى الخلاص سبيلاً.
هواجس…
لماذا طرابلس؟ لماذا السُنة؟ لماذا الآن؟ لماذا لبنان؟ قد لا تبدو الإجابات مهمّة أمام ثقل الهواجس التي لا توفّر منطقة: ففي الأمس الضاحية واليوم طرابلس وغداً…