عن جنوب لبنان الذي يسقي فلسطين منذ ثمانية عقود
جريدة البناء اللبنانية-
يوسف هزيمة:
فتحت نصرة ومساندة المقاومة في الجنوب اللبناني لشقيقتها المقاومة الفلسطينية في غزة، الأبواب على مصارعها للدخول إلى عمق السنين الستة والسبعين المنصرمة على سقوط فلسطين، بل إلى ما قبل ذلك ربما. والأبواب بين الجنوب اللبناني وفلسطين لم تكن موصدة يوماً قط، إذ أنّ الأول، ومنذ ما قبل نشوء الكيان الصهيوني، أقام علاقاته كلها مع جارته فلسطين، ولا سيما مناطقه المتاخمة لفلسطين، أو ما عُرف ويُعرف بالشريط الحدودي، فهذا أنشأ كلّ علاقة مع فلسطين، السياسية منها والاجتماعية والاقتصادية والثقافية، فأهل تلك المناطق التي كانت خارج لبنان الصغير، إبّان حكم المتصرفية والقائمقامتين في عهد السلطنة العثمانية، وضُمّت بعد سايكس – بيكو إلى لبنان الحالي، الذي أعلن عنه الفرنسيون منذ مئة وسنوات أربع، أهل تلك المناطق كانت وجهتهم الاقتصادية مدن وبلدات كـ عكا وحيفا ويافا غرباً، وصفد وطبرية الناصرة، وصولاً إلى القدس غرباً، ولم يكن لبيروت وجهة لهم على الإطلاق.
وإذا كانت الوجهة اقتصادية على ذلك الحال، فإنّ وجهات كالثقافية والاجتماعية على سبيل المثال لم تكن بأدنى حالاً، فالجنوبيون عامة، وأهل الشريط الحدودي خاصة، تشاركوا والفلسطيني كلّ عاداته وتقاليده وطريقة عيشه. وبفعل العلاقات تلك، الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، رأى أبناء الجنوب أنفسهم مشدودين إلى جيرانهم واخوانهم الفلسطينيين، فكان يُفرِحهم ما يُفرِح الفلسطيني، ويؤلمهم ما يؤلمه. وهكذا وعشية سقوط فلسطين، أخذتهم الحمية لنصرتهم، حتى قبل العام 1948 عام النكبة، وما المجازر التي حصلت في حولا وفي أكثر من بلدة وقرية لبنانية حدودية إلا شاهد على ذلك.
سقطت فلسطين في أيار سنة 1948، وسقطت معها أجزاء واسعة من بلدات وقرى الجنوب الحدودية، وضمّها الصهاينة، ومنها القرى السبع، إلى الكيان، ما زاد الجنوبيين حمية على مقارعة الصهاينة، وهم أدركوا منذ زمن بعيد، انّ ساحة فلسطين وساحتهم واحدة…
سقطت فلسطين، ومنذ سقوطها، بدأ الشهداء على طريقها يسقطون، والصحيح يرتقون…
سقطت فلسطين، وانطلق العمل الفلسطيني المسلح، وبدأت العمليات الفلسطينية ضدّ الصهاينة، تلك العمليات التي لم يسمِّها يوماً أهل الجنوب إلا العمليات الفدائية. ولعلّ الجنوبيين كانوا سباقين إلى إطلاق لقب الفدائي على المقاوم الفلسطيني، الذي ما وجد في بيوت الجنوبيين عامة، وأهل الشريط الحدودي خاصة، إلا الحصن والحضن والظهر المنيع والآمن والحامي.
دارت الأيام، ومعها الشهور والسنون، ونما العمل الفلسطيني المقاوم، ونمت معه نصرة الجنوبيين، الذين سرعان ما أصبحوا جزءاً أساسياً من العمل الفلسطيني المسلح، وقدّموا مئات الشهداء، حتى غدت كّل قرية جنوبية تحتضن في ترابها العشرات، بل أكثر من الشهداء، الذي قضوا في عمليات بطولية. وما زالت تلال مارون الراس وشلعبون وصفّ الهوا في بنت جبيل، وكذا رب ثلاتين والطيبة وكفرشوبا.. ما زالت هذه وغيرها شاهدة على بطولات وتضحيات سيكتبها التاريخ بماء من ذهب…
بالعودة إلى الجبهة التي ما زالت مشتعلة في الجنوب اللبناني، والتي فتحها حزب الله عمداً نصرة لـ غزة غير آبه ولا مكترث لردود فعل صهيونية، وهو أيقن انّ الأخير لم يعد يمتلك ردود فعل، وقد جرّده بأس المقاومة في لبنان كلّ فعل، بعد أن كان الصهيوني صاحب الأفعال كلها، فإذا به اليوم عاجز عن مواجهة المقاومة في لبنان، التي تقدم أنموذحا في نصرة فلسطين وغزة وفي حماية لبنان.
بالعودة إلى الجبهة في جنوب لبنان، فإنّ هذه، من خلال نصرتها ومساندتها لغزة، فإنما هي تتابع سقاية فلسطين الذي بدأها الجنوب من زهاء ثمانية عقود، ومعه كلّ المقاومين في لبنان، وليس في الجنوب فحسب، وكلّ الشعب اللبناني مع فلسطين ويجب أن يكون مع غزة، اللهمّ إلا من كان فاقداً للحسّ الإنساني.