عن العلاقة بين #الصهيونية و #اليهودية
أحمد أشقر – الميادين نت
باحث في الديانات المقارنة، ومترجم عربي – عبري. كتب العديد من المقالات والكتب. له أربعة كتب منها: مكانة النساء في العقائد اليهمسلامية- من المسؤولية عن الخطيئة الأولى إلى التبرئة؛ وقصة لوط التناخي وديناميكية العداء للآخرين.
قبل عام بالضبط في الحادي والثلاثين من شهر تموز 2015 أقدمت عصابة من المُستعمرين اليهود في الضفة الغربية بإلقاء قُنبلتين حارقتين على منزل عائلة الدوابشة في قرية دوما بالقرب من نابلس. الأمر الذي أدى إلى مقتل كل من الزوجين ريهام وسعد ورضيعهما علي دوابشة وجرح ابنهما الثاني أحمد. تم اقتراف الجريمة وعائلة دوابشة نيام، وأثارت الجريمة التي أعلن ارتكابها من قِبل “مجهولين” من المُستعمرين، الغضب والاستنكار والإحساس بالعجز أمام جرائم “مجهولة الفاعل”. وأثارت كذلك العديد من الأسئلة عن المسؤول الأول والأساسي وسلسلة الفاعلين المساعدين له والثقافة التي يستندون إليها. في هذا المقال سأحاول قدر الإمكان الحفر في طبقات الأسباب التي تُنتج هؤلاء المجرمين ومن يدفعهم ويساندهم من قوى “سريّة” وعلنيّة في الثقافة والدولة والمجتمع؛ ومن يتستّر عليهم من أجهزة “حفظ النظام وسيادة القانون”. وكما سيظهر من النقاش أدناه فهذا النوع من الجرائم مخطّط له سلفاً برعاية الثقافة والمجتمع وأجهزة الدولة.
كثيراً ما ترد اليهودية والصهيونية كمفهومين معطوفين الثاني على الأول، إلا أن قراءتهما ممكنة كمفهومين مستقلّين الواحد عن الآخر استقلالاً تاماً أو نسبياً. ويمكن أيضاً الجمع بينهما، على اعتبار أنهما يلامسان واحدهما الآخر إلى درجة التطابق. فـ”إسرائيل”، الكيان الذي أقامته الحركة الصهيونية على أرض فلسطين في العام 1948، هو اسم يهودي “تناخي” بامتياز، سواء كان اسم علم أو اسم كيان، فكلاهما في صُلب البنية الثقافية السياسية لليهودية والصهيونية معاً. ويمكن اعتبار الصهيونية فقهاً معاصراً لليهودية كما سنرى. في هذا التحبير سأمنح كلاً من اليهودية والصهيونية حقّ التصريح عمّا هو مُشترك بينهما ضمن خمسة محاور وهي: 1- الوعد الإلهي واستعمار البلاد
2 – المشيحيانية
3 – نقاء العِرق
4 – استباحة ممتلكات وحياة الـ goyem
5 – العنف المقدّس
1- الوعد الإلهي واستعمار البلاد
تؤكّد جميع الأدبيات الصهيونية، ولا فرق بين يمينها ويسارها والكلاسيكي وما بعد الحداثي منها، أن الصهيونية ابتغت “العودة إلى أرض الميعاد”، بحسب وعد الإله (يهوه) لـ(أبرَهَم)، فقد ورد “بالتناخ”: “وَلَمَّا كَانَ أبْرَم (= أبرهم) ابْنَ تِسْعٍ وَتِسْعِينَ سَنَةً ظَهَرَ يهوه لأبْرَم وَقَالَ لَهُ: “أَنَا الإِله الْقَدِيرُ. سِرْ أَمَامِي وَكُنْ كَامِلاً، فَأَجْعَلَ عَهْدِي بَيْنِي وَبَيْنَكَ، […]. وَأُعْطِي لَكَ وَلِنَسْلِكَ مِنْ بَعْدِكَ أَرْضَ غُرْبَتِكَ، كُلَّ أَرْضِ كنْعَانَ مُلْكاً أَبَدِيّاً. وَأَكُونُ إلهاً لهم” (تكوين 17: 1- 10).
واستخدم الفقيه اليهودي موسى بن ميمون- المعروف بـ(الرمبام) – في مؤلفه الفقهي الهام، المعروف بـ”الرسالة اليمنية”، ادعاء الوعد والعهد لكي يحاجج بواسطته أن النسل المُنتخب من الإله (يهوه) هو نسل (اسحق)، من دون نسل أخيه وبكر والده (أبرهَم)، (اسماعيل). وكما هو معروف في التراث الديني اليهمسلامي، فإن نسل (إسحق) هم اليهود. ونسل (إسماعيل) هم الـ(الإسماعيليين) العرب المسلمين (أما العرب المسيحيون فيُعاملون في اليهودية وفق فقه خاص بـ”الكفّار”). يمثّل هذا الوعد دافع الحركة الصهيونية لاستعمارها فلسطين وتوزيع ثرواتها على اليهود المستعمرين. لتوضيح الأمر نذكر المثال التالي: عندما يرد مصطلح مثل “نَحَلت أبوت/ נחלת אבות” في المصادر الإسرائيلية، والتي ترجمتها إلى العربية هي: “مِحَلّة الآباء”، فإن الآباء المقصودين هم: اليهود فقط. أي لا أرض ولا آباء للعرب! ويتسرّب هذا الموقف من اللاهوت والأيديولوجيا والثقافة السياسية إلى القانون أيضاً؛ فعندما يرد في المصادر القانونية مصطلح مثل: “أرض لصالح الجمهور\ טובת הציבור”، فإن ترجمته العملية تعني: “أرض لصالح اليهود”، من دون غيرهم من “سكّان الدولة العرب”.
ونشير إلى أن جميع أراضي العرب في فلسطين صودرت تحت هذه الحجّة، وتم توزيعها وخيراتها على اليهود من دون العرب. ولابن ميمون، أهم شخصية يهودية على مرّ العصور، ومؤسّس اليهودية التي نعرفها اليوم- بتقديري على الأقل، في هذا الباب، باب استعمار البلاد وطرد العرب منها اجتهاداً أيضاً. فهو لم يتوقّف عند حدّ التنظير وإنما تعداه إلى القول بأن السيطرة على “أرض إسرائيل” هي حرب- فريضة.
ويقول في هذا السياق بأن هنالك ثلاث حالات ممكن أن تكون فيها الحرب- فريضة، وهي: حرب السبعة جموع (الجماعات السكانية التي كانت تسكن في فلسطين قبل غزو اليهود لها بعد طردهم من مصر، بحسب الرواية اليهودية)، وحرب (عماليق) ومساعدة اليهود في كل ضائقة تحلّ بهم. وأما الحرب الاختيارية فتكون عندما نحارب بقية الجموع [الشعوب]، وهي من أجل توسيع حدود إسرائيل. (شرائع الملوك هـ أ).
أما الـ(رمبان/ رابي موشَه بن نحمان، 1194- 1270) فتجاوز ابن ميمون بقوله أن استعمار “أرض إسرائيل”، فلسطين فريضة في كل حين. أي حرباً دائمة عليها وعلى أهلها. ويطوّر الـ(رابي يتسحاق. أ هيرتسوج، 1888- 1957)، جدّ زعيم حزب العمل الحالي، مفهوم ابن ميمون في الحرب- الفريضة (ومفاهيم فقهاء آخرين سبقوه)، ليصل به الأمر إلى القول إن كل عمل احتلال لـ”أرض إسرائيل”: فلسطين يُعتبر حرب- فريضة من التوراة. أي ومن أجل تحقيق الوعد الإلهي على اليهود شنّ حرب دموية على فلسطين وأهلها. واعتبر (هيرتسوج) مع الـ(رابي كوك) إقامة الكيان الصهيوني “התגלות אילוהית\ تجليّاً إلهياً”.
أما الـ(رابي عوباديا يوسيف، 1920- 2013) الذي كان زعيم حركة (شاس) الدينية الأصوليّة، فقد اعتبر أن قيام دولة إسرائيل عام 1948، أهم “معجزة” حدثت لليهود. وكتب (بن جوريون، 1886- 1973)، “العلماني” والأب الروحي السياسي لإسرائيل، في رسالة إلى “يتسحاك طبنكين” (1887- 1971) عام 1937 يقول فيها: “بمجيئنا هنا [إلى فلسطين] وبإقامتنا دولة يهودية، عملنا هذه القفزة. فتحنا فصلاً جديداً كلياً- ليس استمراراً لحياة وارسو، وأوديسا، وكراكوف، إنها بداية جديدة في جوهرها، إلا أنها بداية تندمج من ذاتها بالماضي البعيد، في ماضي يهوشع بن نون، دافيد، عُزيّا، الحشمونائيين الأولين”.
وقال أمام لجنة “بيل 1937”: “ليس الانتداب هو تناخنا، بل التناخ هو انتدابنا”. وفي نفس السنة يكتب إلى “طبنكين”: “التناخ شكّل [لي/ لنا] شهادة ولادة، وساعد في هدم الفاصل بين الإنسان والأرض، وربّى الشعور بالوطن”.
وفي محاضرة ألقاها أمام قيادة الأركان في السادس من نيسان عام 1950 يؤكّد “العجوز” على ضرورة الاحتذاء باستخدام العنف كما استخدمه “التناخيّون”. والاستمرار به بواسطة الجيش “الإسرائيلي” الحالي؛ فهو يعتبر احتلال (بن نون) (أريحا)- بحسب “التناخ”- واحتلال جزء من فلسطين عام 1948 نصراً واحداً ومباشراً.
فقد قال في المحاضرة المذكورة أعلاه بلغة شعرية- “تناخية” أثارت السخرية في حينه بين المثقفين اليهود: “[انتصرنا] على ملوك اللدّ والرملة، ملوك بير نبالا ودير طريف، ملوك قولة ومجدل الصادق، ملوك صرعه وأشتئول، ملوك عرطوف وعين كارم في الساحل، ملوك حتا وحرثية في الجنوب، ملوك شفاعمرو وصفورية، ملوك عين ماهل وكفر كنا، الناصرة ونمرين، ملوك لوبية وقرون حطين في الجليل”.
2- المشيحيانية
في بداية المشروع الصهيوني رفضت الطوائف “الحسيدية”، المتصوفة الاشتراك في مجهوده. بعضها لا يزال على حاله كطائفة “نِطوري قارتا/ نواطير المدينة”، وبعضها انخرط في المشروع كطائفة “حباد”، من قادتها (الرابي يتسحق جينزبورج) الأب الروحي لعصابة “تدفيع الثمن الإرهابية”.
فهذه الطوائف لا تزال تنتظر مجيء “المشيح” لتحقيق وعد (يهوه) وإقامة كيان يهودي مستقل بحسب الشريعة. و”المشيح” اليهودي سواء في “التناخ” أو الآداب اليهودية التي تلته في التلمودين البابلي والفلسطيني، وعند فقهاء العصر الوسيط إلى يومنا الراهن، ليس غريباً هو الآخر عن المصالح اليهوصهيونية المعاصرة.
إذ تتحدّث عنه هذه الآداب في سياقين مركزيين: الأول- سوف يأتي من نسل بني الإنسان، وسيقوم بإزالة نير الـgoyem عن رقبة اليهود، وينشىء دولة تستند إلى الشريعة اليهودية، عندها سيتم هزيمة الـgoyem المسيطرين عليها ثم يُبْعدون عنها. والثانية- وهي أكثر دموية من الأولى.
فقبل ظهوره/ أو أثناء ظهوره/ أو بعد ظهوره، ستندلع حرب (يأجوج ومأجوج)، وسيتم فيها إبادة (أدوم) وجميع الـgoyem الذين آذوا اليهود. وبعد ذلك يكون الخلاص العالمي، فيه يقبل جميع الـgoyem بسلطة الـ(مشيح) الذي هو من نسل (دَاود)، ومن لا يقبل يُحارَب إلى أن يقبل أو يُقتل، أي يُباد كل من لا يقبل بسلطة اليهود.
وما تمارسه إسرائيل من عنف بكل المستويات ضدّنا نحن العرب مستمر إلى أن نقبل بسلطتهم علينا. أما في الآداب اليهوصهيونية المعاصرة، فإن “المشيح” يتحوّل من حلم وأمل بالخلاص لن يأتِ إلا في زمن لا يعرفه إلا “الله”، ليحل محله المخلّص الفعلي: الصهيونية ودولة “إسرائيل”.
ويعتبرها أهم مفكّر وفقيه يهودي- صهيوني منذ نشأتها الأولى في أواسط القرن التاسع عشر إلى ساعتنا هذه، الـ(رابي كوك / 1865- 1935): “התגלות אילוהית\ تجليّاً إلهياً” و”بداية الخلاص/ אתחלתא דגאולה”، التي هي مفاهيم مشيحيانية. ويُعتبر (كوك) الأب الروحي للتيّار اليهودي- الصهيوني المتديّن، الذي يتجلّى تعبيره الفعليّ في المستعمرين في الضفة الغربية، وعدد هائل من رجال الدين المعاصرين من التيّارات الدينية المختلفة، والسياسيين أمثال (بن جوريون) و(شمعون بيرس).
3- نقاء العِرْق
تعتبر اليهودية بكافة مصادرها التناخية ومراجعها المختلفة من تلمودية وغيرها، وثيقة تمجّد العرق اليهودي، “جَمْع يهوه النوعي (وترجمته الرائجة- شعب الله المختار)” (تثنية 14: 2)، و”جَمْع أعظم من أن يعد ويحصى لكثرته” (يهوشع 1: 10).. و”أبناء يهوه” (يهوشع 10: 1).
وعليه، وبسبب سموّ مكانته بين بقية جموع الإنسانية، عليه أن يسكن منعزلاً، “جمع منعزلاً يسكن وبالـgoyem لا يكترث” (العدد 23: 8). أما التلمودان البابلي والأورشليمي/ الفلسطيني، فهما أقسى على غير اليهود/ الـgoyem؛ حيث يُكثران من وصفهم بأنهم “دنسون وأنهم ليسوا آدميين ويمارسون الجنس مع الحيوانات والموتى وقطع اللحم، وأنهم أفاعي أبناء أفاعي” (يبموت س أ، أ). و”لحمهم لحم حمير” (يروشلمي برخوت ف.ج، هـ.د). وأوصاف كهذه نجدها في الخطاب “الإسرائيلي” المعاصر.
فقبل عدة سنوات وصف الرابي (عوباديا يوسف) العرب: “أفاعي أبناء أفاعي”، وعندما وصفه الوجهاء العرب في “الكنيست” وبعض الليبراليين اليهود بالعنصرية، رد قائلا بأنه ينقل من المصادر اليهودية فقط.
4- استباحة ممتلكات وحياة الـ goyem
جاء في التناخ- والترجمة لي- ما يلي “حين تقرب من مدينة لكي تحاربها استدعها إلى الإستسلام. فإن وافقت على الإستسلام وفتحت لك فكل الشعب الموجود فيها يكون مُسخرّاً ومُستعبداً لك. وإن لم تستسلم وقاومت فحاصرها. وإذا دفعها يهوه إلهك إلى يدك فاقتل جميع ذكورها بحد السيف. وأما النساء والأطفال والبهائم وكل ما في المدينة انهبه لنفسك وتنعم بممتلكات أعدائك التي أعطاك يهوه الهك” (سفر التثنية 20- 10- 15).
جاء في التلمود البابلي: لا يجوز للغريب أن يسرق من يهودي، بل يجوز لليهودي أن يسرق من الغريب. جاء أيضاً: إذا وجد يهودي غرضاً ضائعاً ليهودي، عليه أن يُعيده إليه- أما إذا وجد غريب غرضاً ضائعاً ليهودي، عليه إعادته إليه، وإذا وجد يهودي غرضاً ضائعاً لغريب ليس من الواجب إعادته! وجاء أيضاً: يمكن ليهودي أن يزوّد الآخرين بمعلومات خاطئة- ولا يجوز لغريب أن يعطي معلومات خاطئة ليهودي! وجاء أيضاً: لا يمكن لغريب أن يغشّ اليهودي- بل يمكن لليهودي أن يغشّ الغريب!! وكذلك: يمكن لليهودي أن ُيشّهر بالغريب- ولا يجوز للغريب أن ُيشّهر باليهودي. وجاء أيضاً: إذا سبّب يهودي أذى لغريب لا يجوز تعويضه- أما إذا سبّب غريب أذى ليهودي فيجب تعويضه (مسيخات سنهدرين 57، أ، والعديد من المواضع في التلمودين البابلي واليروشلمي).
بما يخصّ الممتلكات- سُئل ابن ميمون من قِبَل أحد اليهود: هل يجوز تعويض الـ goyem عن ضرر سبّبه ثور يمتلكه يهودي؟ فأجاب: لا يجوز تعويضهم. وأضاف: بل يجب تعويض اليهودي إذا تسبّب ثورُ أحد الـ goyem بضرر لأحد ممتلكات اليهود. وما الثور هنا إلا مثالاً فقط للتخصيص.
أما على وجه العموم فلا يجوز تعويض غير اليهود بتاتاً، إذا تسبّب يهودي لهم بضرر ما- والعكس هو المفروض (مشناه توراه ، مسيخيت دانزيكين قضية 12).
بما يخصّ مساعدة الآخرين وقت الشدّة- أفتى ابن ميمون بتحريم قيام اليهودي بتقديم مساعدة لإنقاذ حياة أحد الـ goyem – بينما أفتى بجواز تلقّي اليهودي مساعدة من أحد الـ goyem لإنقاذ حياته (مشناه توراه 82 مسالك السبت هلخا 21). وما إنقاذ الحياة إلا مثل على وجه الخصوص.
وبالطبع يمكن تعميم هذه الفتوى على كافة أنواع المساعدات. في السنتين الأخيرتين أقدمت عصابة “تدفيع الثمن” على حرق ثلاثين مسجداً ومئات العقارات والسيارات والممتلكات المختلفة للعرب. إلا أن المحاكم لم تجد مذنباً واحداً لتحاكمه، لأن الشرطة لم تتمكّن من تقديم أي دليل! وأما تقديم حارقي كنيسة “الخبز والسمك” في طبريا فقد جاء نتيجة لضغوط وتحذيرات مباشرة من هرم الكنيسة الكاثوليكية في الفاتيكان.
نحن العرب الذين نضطر لمعايشة اليهود في بلادنا، ونعايش أجهزة الدولة المختلفة: التشريعية والقضائية والتنفيذية، نعلم مدى التمييز الذي تمارسه ضدّنا هذه المؤسّسات، ونخصّ بالذكر جهاز القضاء الذي من واجبه الإنصاف والمساواة بين المتقاضين أمامه، إلا أنه يخون واجبه ويمارس التمييز ضدّنا لصالح اليهود.
يكفي قراءة كل من أطروحة الدكتوراه لمحمّد سليم حاج يحيى: (أداء أجهزة تطبيق القانون الجنائي على الأقليات في البلاد، 1992)، والبحث الذي أعدّه كل من الأساتذة (يورام روبين، وإيفي ياعر وجيورا راهف، 2015) لصالح إدارة المحاكم لنفهم فهماً مؤكّداً لا يقبل الشك أن جهاز القضاء يعاقب العرب بشدّة أكثر من اليهود، علماً أنهم اقترفوا نفس التجاوز للقانون. والأدبيات الحقوقية والقانونية النقدية مليئة بالدراسات التي تؤكّد تمييز جهاز القضاء ضدّ العرب.
أما عن الإساءة لسمعة العرب، فحدّث ولا حرج: جاء في المدراش الكبير أن الغريب الذي يُسيء إلى سمعة اليهود وجب عليه دفع تعويض لهم- أما الذي يُسيء إلى سمعة الـgoyem فمعفي (مدراش جدول: هـ.هـ، ب ك وهـ. ي). وهذا ما يمكن ملاحظته فعلاً اليوم. فوسائل الإعلام “الإسرائيلية” مليئة بكل ما هو مُسيء للعرب، ليس لأن هذا من شأنه أن يُسهم بازدياد المبيعات، بل كونها إستراتيجية عدوانية ضدّ العرب.
ولا يسلم الموتى أيضاً من لعناتهم. جاء في التلمود البابلي: الذي يشاهد قبور الـgoyem، عليه أن يقول: يا عار أمّكم. (وردت بالكامل عن موسى بن ميمون مشناه توراه هلخوت برخوت 11). واليوم، وفي دولة “إسرائيل” اليهودية الصهيونية، أصبح الاعتداء على المقابر ونبش قبور القرى المنكوبة “رياضة قومية”. وتأخذ أحياناً شرعية من الجهاز القضائي، من أجل شقّ شارع أو طريق أو إقامة حيّ سكني.
5- العنف المُقدّس
بما أن الأفكار لا تنشأ من العدم، كما أن الحفاظ عليها واستمرار ديمومتها وإعادة إنتاجها لا يتم بالصلاة، بل بأدوات مادية مختلفة، أحدها هو العنف. إلا أن العنف “التناخي”- حتى لو كان مجازياً- فإنه على مستوى العقيدة أبشع وأقسى أنواع العنف التي تعرفها الإنسانية.
يخبرنا “التناخ” عن الضربات العشر التي ضرب بها الإله (يهوه) (المصريين)، وهي أشبه بالحرب البيولوجية في الحروب المُعاصرة، وهي: الماء المنقلب دماً، والضفادع، والبعوض، والذباب، وقتل المواشي، وجراثيم القروح، والبَرَد، والجراد، والظلام وإبادة شباب (المصريين) (خروج 7- 11). وإبادة أهالي وكل كائن حيّ في (أريحا) بعد أن احتلها اليهود المهاجرون من (مصر) (يهوشع 6). وقائمة الإرهاب والعنف الإلهي في التناخ طويلة جداً ومقزّزة إلى أبعد حدّ.
يرد في التناخ قصة مسرح أحداثها مدينة نابلس. وتقول أن (دينه) ابنة (يعقوب) طفشت من بيتها فالتقت بـ(شكيم بن حمور) فمارس الجنس معها وأذلّها. من جهتهما اعتبر كل من (شمعون وليفي) أخواها أن الأمر يستحق عقاب (آل حمور) بإبادة الذكور منهم. وهذا ما كان حسب النصّ (التكوين 34).
أشعلت إبادة (آل حمور) خيال غالبية فقهاء اليهود ومفكّريهم الأقدمين والمعاصرين الذين أشادوا بضرورتها واستقوا منها مبدأ العقاب الجماعي ضدّنا. ولضيق المجال المخصّص لها سوف آتي على ذكر أربعة مواقف لفقهاء وشاعر “علماني”، فقط، للتدليل على المُشترك بين المتديّنين والـ”علمانيين” بما يخصّ العداء للعرب:
1- اعتبر الـ(مهرال/ رابي يهوده لوا بن بتسلئيل، (1520- 1609) خلاف (آل يعقوب) مع (آل شخم بن حمور)، خلافاً بين أقوام: قومياً، لذا أيّد وشرّع إبادة الذكور من آل (حمور). أي أنه اعتبر ممارسة (شكيم) الجنس مع (دينه) صراعاً بين (آل حمور [أهالي نابلس]) (وبني إسرائيل).
2- واعتبر الـ(رابي يوعزر أرئيل) أن الجريمة التي اقترفها أخوا (دينه) كانت عقاباً جماعياً شرعياً.
3- وكذلك يفتي الـ (رابي يعقوب أرئيل) ويشرّع العقاب الجماعي استناداً إلى تلك الجريمة. علينا أن نذكر أن (يعقوب ويوعيزر) شقيقان.
4- وكذلك نظم الشاعر (شاؤول تشرنيحوفسكي/ 1875- 1943) قصيدة على لسان (دينه) تشكر وتمدح فيها أخويها على الجريمة التي اقترفاها بحق آل (حمور)، قال فيها: “يكثر مثلهم بين نسل يعقوب/ وفي كل الشتات اليهودي”. نذكر هنا أن عضو الكنيست السابق الأستاذ محمّد بركة اقترح تحويل قصيدة (تشرنيحوفسكي) “שחקי שחקי על החלומות” النشيد الوطني لدولة إسرائيل كي يتمكّن العرب من إنشاده والشعور أنهم جزء منها.
وجاء في التلمود البابلي: إذا قتل يهودي غريباً من دون قصد، لا يُعاقب اليهودي بالقتل- أما إذا قتل غريب يهوديا منً دون قصد، يُقتل الغريب (مسيخت دانزيكين فَرَشَه 4). قد يقول البعض، أن ما ذكرته لا يتعدّى النصوص الدينية المختلفة التي حدثت قديماً، حسناً: لنقرأ ما يقوله الـ(رابي شلمه جورن/ 1917- 1994) الذي كان رابي الجيش (1948- 1968)، والرابي الأشكنازي للدولة (1972- 1983)، يشرح معنى إحدى الوصايا العشر: “לא תהרוג / لا تقتل”. فقد كتب في كتابه الموسوم: “كتاب نظرية الدولة” (1996)، ص 28- 35، الفتوى الآتية: “هل مسموح بحسب الشريعة أن نقتل عرباً بثمن تعريض حياة [يهود] للخطر من أجل الحفاظ على سيادة يهودية على يهودا والسامرة وقضاء غزة”؟ جوابه كان بالإيجاب، فاستعان بـ(الرمبام) الذي أفتى قائلاً: “عندما تكون يد اليهود قوية لا يجب أن نبقي goyem بيننا”.
ثم يضيف (جورن) قائلاً: من أجل تنفيذ هذه المهمة من الواضح أنه يجب استعمال القوة ضدّهم [جميع الفلسطينيين في فلسطين الانتدابية والعرب أيضًا] فهذا ما يقصده الـ(رمبام)، ثم يستعين بالتلمود البابلي مقتبساً: “ملكوتاً دِقطلا حد مشيتا بعلما لو ميعنشا” (بالآرامية)، أي الذي يعرّض سُدس السكان [اليهود] للخطر لا يُعاقب. الذي معناه إبادة جميع الفلسطينيين! هذه فتوى لشخصية ذات تأثير في الدولة، أي من أحد المسؤولين عن المرجعية الدينية- السياسية في الدولة.
إن كانت إسرائيل تحجم عن الحديث عن إبادة العرب جميعاً، لأسباب لا تخصّنا أبداً، بل لاعتبارات الرأي العام العالمي الذي لا يطيق سماع مثل هذه المصطلحات، إلا أنها لا تعارض أو تتحفّظ بشأنها إذا دعت مجموعة يهودية- إسرائيلية لها.
فها هو الـ(رابي يوسي إليتسور) رئيس المدرسة الدينية “عود يوسيف حاي” في مستعمرة “يِتسهار”، التي هي نتاج تسوية بين وزارة الحرب ووزارة المعارف، يقولها صراحة في مقاله الموسوم: “قتل الأبرياء، 2009” يشرح فيه الأسباب التي تدفعه إلى المطالبة بقتلنا كافة؛ وكي لا يُبقِي الأمر ضبابياً أو مجهولاً فإنه يكتب بالتفصيل الأسباب الداعية لقتل: المناضلين، والأبرياء: المدنيين، والشيوخ، والنساء، والأطفال.
كان الـ(رابيان إليتسور ويتسحاق شبيرا) قد أصدرا في العام 2009 كتابهما الموسوم: “תורת המלך\ شريعة السلطة”، يشرعان فيه إبادة العرب جميعاً ويفصّلان فيه أسباب شرعية قتل المحاربين والمدنيين والشيوخ والأطفال والنساء والرضّع. والكتاب عمليّا تطوير لمقال “قتل الأبرياء” المذكور سابقاً.
هذه محاولة لقراءة العلاقة بين اليهودية والصهيونية من مصادرها. لكن أهم ما في الأمر أن تُؤخذ هذه العلاقة على محمل الجدّ في الفكر والسياسة العربية، لأن إسرائيل (دولةً ومجتمعاً وثقافةً) تعتبر نفسها وريثة لليهودية. فكما لاحظنا، لا نجد مسلكاً أو نهجاً عدوانيّاً ضدّنا، من دون أن تكون له جذور في التراث العقدي والشرعي لليهودية؛ فالخيوط التي تربط عصابتي “شبيبة التلال” و”تدفيع الثمن” المعاصرتين قوية وواضحة من سفر التثنية مروراً بالتلمودين وابن ميمون.. وأخيراً جهاز القضاء الذي لم يتمكّن من تقديم واحد من مئات المجرمين ممن يقومون بجريمة كل يوم ضدّ العرب وممتلكاتهم- هذا وفقاً للتقرير الرسمي الذي أعدّه الجيش عن جرائم هاتين العصابتين.