عن السيد جميلاً
اختص سماحة السيد حسن نصرالله البارحة بالكثير. أصر الرجل الذي هزم الصهاينة (أكثر من مرة) أن يقول إنه يعيش حياته بشكلٍ عادي (قدر الإمكان) وإنه ليس كما تقول القنوات العبرية (وبعض العربية) عنه: سجينٌ، مختفٍ، أو حتى بعيدٌ عن شعبه. هكذا بكل بساطة، أعاد رجلٌ واحد القيمة من جديد للجريدة الورقية المطبوعة، وجعل – للمرة الأولى منذٍ وقتٍ بعيد – أعداد نسخةٍ ورقيةٍ من جريدة عربية يومية تنفد من الأسواق، هكذا بلمح البصر!
يستطيع الرجل القيام بما يشاء. هو قائدٌ فذ لاشك في الأمر، لكن الأمر أكبر من مجرد قيادة، إنه فعلياً: انسجام بين الظروف وشخصيته والبيئة الحاضنة؛ فهو يعرف كيف يقول وماذا، يقيس دائماً أين يقول ومتى. الآن يحتاج الوقت إلى إظهار جانبٍ آخر: شعبي وقريب من الشخصية السياسية الأقوى في الوطن العربي إن لم نقل في الشرق الأوسط بأكمله. تعتري السياسة الحالية في الوطن العربي مشكلةٌ كبيرة في التعامل مع الشخصيات القيادية: لا شخصيات قيادية حقيقية، خصوصاً أن الحياة الشخصية للشخصيات القيادية إما تحظى بغطاءٍ من “السرية” والخصوصية، أو تكلل بالفضائح، لا حلول وسط، ولا تسهيلات في الأمر. أما السيد فموضوعه يختلف تماماً وللغاية: ما يعرف عنه هو قليلٌ نسبياً، ولكن مع هذا فهو مشرّف بشكلٍ كبير: قائدٌ ليس لديه أي وقتٍ لحياةٍ شخصية خارج القيادة. هكذا عرف الجميع، هكذا كانت الصورة، حتى أن البعض كان يعلل انتشار الشيب بسرعةٍ بالغة في شعر رأسه ولحيته لحياةٍ قاسية وحتى “عدم رؤيته للشمس كما ينبغي”. لكن الرجل وبمقابلةٍ “ورقيةً” واحدة غيّر كل المعادلة، هكذا بكل بساطة!
يحب الأرجنتين والملوخية، يختار فريقاً لمنافسة ابنه الصغير تشجيعاً، يقرأ في مواضيع تهمه، يتابع التلفاز، ويحمل “الريموت كونترول” ويغيّر قنوات التلفاز بحسب “الملل” والأهمية. هذا هو المواطن العادي، هذا هو ما يفعله المواطن العادي يومياً تقريباً. فإذا كان القائد هكذا، يستطيع المواطن في أي مكانٍ في الوطن العربي بأكمله أن “يتطلّع” إليه، فهو يستطيع أن “يكونه”، أن “يتفاعل” معه، أن يشعر بالانتماء إليه، أن يحبه، أن يترابط معه، وتصبح خيارات “القائد” هي خيارات هذا الشخص بحد ذاته، فيصبح الانتصار أو المقاومة أو حتى الاستشهاد ليس خيار الرجل/القائد، بل خيار شعبه بأكمله. هي المعادلة الأكثر بساطةً ومباشرة: أتى القائد من الناس، يصبح الناس هم القائد. وهذه حال السيد، بكل ما للجملة من معنى.
في الإطار عينه، لم يكن كذلك غريباً أن تمتلئ صفحات مواقع التواصل الاجتماعي بالتغريدات و”البوستات” حينما علم الجمهور نفسه بأن الرجل/القائد ينظر إلى ما يفعلونه ويكتبونه ويقولونه هناك “بحرية”، فنشأت هاشتاغات مثل “مساعد السيد” وغيرها، في محاولة لإيجاد وسيلةٍ لإيصال الصوت للرجل المهم نفسه، لذلك القائد نفسه، لأنه هو هو من يريدون الحديث معه دون غيره. حتى إن البعض أراد أن يوصل للسيد رسالةً مختلفة: شكوى. هي نفس الفكرة وذاتها. اعتقد البعض أن الشكوى ههنا أمرٌ يخالف المطلوب، كأنما المطلوب هو واحد، وهو أمرٌ غير صحيحٍ شعبياً أو حتى منطقياً. إن طبيعة الناس مختلفة، لذلك تكون ردات فعلهم تجاه أي حدثٍ مختلفةً وبشدة، ومن هنا كان من الطبيعي أن يحاول “المظلوم” و”الغاضب” إيصال رسالته للسيد، لسببٍ بسيط: لأنه “هو هو، هو من يريدون الحديث معه دون غيره”!
هكذا، سيقول التاريخ يوماً، إنه في عصر “اللاقيادة” في الوطن العربي، عصر “الخراب” الحديث، استطاع رجلٌ واحد، يرتدي لباس أجداده، مستعملاً حتى نمطية كلامهم وعمقها، حاملاً لواء حب بلاده واستعدادٍ عالٍ للتضحية لأجلها دون أية أسبابٍ أو أهدافٍ جانبية أخرى أن يجعل أحباءه – كما ألد أعدائه – ينتظرون أي شيءٍ يفعله أو يقوله، وفي اللحظة التي يختارها هو فحسب: يُعرف هذا القائد العربي العظيم باسم السيد حسن نصر الله، ولمحبيه هو “السيد” وكفى!
عبد الرحمن جاسم – شاهد نيوز