عن “أموال إيران الكاش” ومشاريعها التي “قد” تنقذ “اقتصاد لبنان”!
وكالة أنباء آسيا:
هاجم رئيس الوزراء اللبناني السابق سعد الحريري حزب الله وإيران، فيما دافع عن العلاقة مع الدول العربية، والخليجية تحديداً، قائلا إنه لا غنى عنها في حال أراد لبنان النهوض اقتصاديا.
وقال الحريري في كلمة بالذكرى الخامسة عشرة لاغتيال والده، إن “أموال ايران تحلّ مشكلة حزب وليس بلد”.
الحريري اعتبر أن لبنان لا يمكن أن يستمر اقتصاديا بمعزل عن دعم الدول الصديقة والمانحة والمؤسسات المالية الدولية، وفى ظل غياب الثقة مع الدول العربية وفى مقدمتها مصر والسعودية والإمارات والكويت وباقى دول الخليج العربي.
وقال سعد الحريري: “نحن فى لبنان لسنا فى جزيرة اقتصادية بمعزل عن دعم الأصدقاء، ومن يرى غير ذلك ليجرب كل النظريات الاقتصادية. وأضاف “نحن لا نريد أن نغش اللبنانيين ولا نريد أن نقيم سباقا شعبويا، ولكن هل نستطيع أن نعرف كيف نقيم سياحة بلا العرب والمواطن الخليجي؟ هل نستطيع أن نفهم كيف نفتح أسواقا للإنتاج اللبنانى بدون الأسواق العربية والخليجية خصوصا؟ هل يمكن لأحد أن يخبرنا كيف سنحمى مصالح ربع الشعب اللبناني، الذى يستفيد من فرص عمل اللبنانيين بالخليج، فى وقت هناك من يفتعل مشاكل يومية مع هذه الدول”.
الحريري هاجم حزب الله وإيران بالقول إن أموال إيران (الكاش) يمكن أن تحل أزمة حزب، ولكنها لا يمكن أن تحل أزمة بلد. مضيفا: “لبنان لم يعد ممكنا أن يسير بدون سياسات واضحة، وبدون مصالحات جدية مع الشعب اللبنانى ومع الدول العربية ومع الدول الصديقة والمؤسسات الدولية”.
مراقبون اعتبروا أن التضخيم الذي اعتمده الحريري في إشارته إلى الدعم الاقتصادي المقدم من الدول العربية (الخليجية تحديداً) على حساب تقزيم الدعم الإيراني وحصره بالدعم المقدم لحزب الله، أقل ما يقال عنه أنه مجحف ومجافٍ للحقيقة وللوقائع، ذلك أن إيران – بحسب هؤلاء – قدمت دعماً للبنان لا يستهان به، وخاصةً عقب عدوان إسرائيل عليه في عام 2006، حيث تكفلت بإعمار عشرات الطرق والجسور والمراكز الصحية والمدارس، وقدمت العديد من المنح والهبات للبنان الدولة وليس لحزب الله فقط. كما أنها أبدت في أكثر من مناسبة استعدادها لدعم الدولة اللبنانية ومؤسساتها وفي العديد من المجالات الاقتصادية وغير الاقتصادية، وكانت المشكلة دائماً من طرف الحكومة اللبنانية.
يعيد هؤلاء التذكير بزيارة وزير خارجية إيران محمد جواد ظريف إلى لبنان عقب تشكيل حكومة سعد الحريري نفسه قبل عام، ولقائه رئيسي الجمهورية والحكومة، عارضاً لمروحة واسعة من الخدمات والمساعدات الإيرانية للبنان، من الاقتصادية إلى الاجتماعية إلى الصحية، وصولاً إلى العسكرية، متناولاً مجالات البناء والإعمار، والطاقة، والدفاع، والخبرات، والصحة.
لكن الجواب اللبناني كان دائماً ما يتكرر: “في ظل الحصار الدولي على إيران، ثمة محاذير في قبول المساعدات انطلاقاً من التخوّف من تعريض لبنان لضغوط وعقوبات، باعتباره الحلقة الأضعف ولا يمكن لاقتصاده ان يتحمل”. وبالتالي فإن من يحاول اتهام إيران بأنها توجه دعمها لحزب الله غير دقيق، وكلامه لا يعدو كونه محاولة لإعادة تموضع في صف “دول الاعتدال” الخليجية، في الوقت الذي يتهم فيه حزب الله بوضع لبنان في مواجهة الدول العربية و”الصديقة” بسبب علاقته مع إيران.
ويلفت بعض الاقتصاديين إلى أنه بمقدور لبنان أن يحافظ على علاقاته مع دول الخليج وإيران في وقتٍ واحد. وخاصةً في العلاقات الاقتصادية، وذلك عبر تفاهمات اقتصادية تأخذ بعين الاعتبار مصلحة اقتصاد لبنان وشعبه، وترك المناكفات السياسية جانباً.
ويتساءل هؤلاء: ما المانع من أن يستفيد لبنان مثلاً من التطور الإيراني في صناعة الأدوية، وتوطين صناعة الدواء بمساعدة الخبرات الإيرانية، بدلاً من دفع فاتورة استيراد تتخطى مليار دولار سنوياً؟
الجواب كما يقول هؤلاء، ليس سياسياً كما قد يبدو، فقيمة مبيعات سوق الدواء اللبناني تصل إلى 1,4 مليار دولار سنوياً، بحسب تقديرات مؤشر BMI العالمي حول الأدوية والرعاية الصحية (business monitor international). والرقم مرشّح للارتفاع إلى نحو 2,21 مليار دولار عام 2021. ووفق المؤشر نفسه، فإنّ كلفة سوق الدواء في لبنان تُشكّل نحو 3,5% من مجموع الناتج المحلي الإجمالي، وهي النسبة الأعلى في الشرق الأوسط والسابعة في العالم. أمّا السبب الرئيس لارتفاع هذه الكلفة، فيعود في الدرجة الأولى الى “ثقافة” تفضيل الدواء التجاري الأغلى سعراً التي أرستها “منظومة” من المصالح تقودها شركات الأدوية المُسيطرة في لبنان بتواطؤ مع المسؤولين.
ويُعدّ هذا المدخل ضرورياً لفهم سياق العرض الإيراني حول استعداد إيران لنقل تقنيات إنتاج الدواء وتصنيعه إلى لبنان بهدف خفض كلفة الدواء عوضا عن الاعتماد على شركات الأدوية الكبرى ذات الأسعار الغالية الثمن. وقد لخّصه الإيرانيون بمقولة: “سنعطي لبنان صنارة، عوضا من إعطائه سمكة”.
وينطبق هذا الكلام على العديد من المجالات الاقتصادية التي يمكن للبنان أن يستفيد من إيران عبرها، بدلاً من دفع فواتير مضاعفة لاستيرادها .
في المقابل، يدعو خبراء الاقتصاد إلى عدم تجاهل دور الدول العربية، والخليج بشكلٍ خاص في دعم الاقتصاد اللبناني، وأيضاً من خلال استثمارات مشتركة في مجالات قد تكون رائدة فيها، كالصناعات الكيميائية على سبيل المثال، وتوطين هذه الصناعات في لبنان بما يؤدي إلى خلق بنية إنتاج حقيقية في هذا البلد، بدلاً من الاستمرار بسياسة الاقتصاد الريعي القائم على فكرة أن لبنان هو بلد خدمات وسياحة لا بلد صناعة وزراعة .
في النتيجة، يحذر الاقتصاديون من أن لبنان سيبقى خاسراً جراء محاولات بعض سياسييه وزعمائه ليّ عنق الاقتصاد كرمى للسياسة واصطفافاتها، بدلاً من تطويع السياسة لخدمة الاقتصاد، وإنعاش هذا البلد، وانتشال اقتصاده من براثن التبعية للمؤسسات المالية الدولية والدول الغربية التي تسيّس كل شيء وفقاً لمصالح المتحكمين فيها، فيما يدفع الشعب اللبناني ثمن فشل جكوماته المتعاقبة في وضع خطط اقتصادية تنتشل البلد والاقتصاد والشعب من الأوضاع الكارثية التي يعيشونها.