عندما يزايد بعض اللبنانيين على القبارصة.. للنكد

موقع العهد الإخباري-

حسان الحسن:

لا يزال التحذير الذي وجهه الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله لدولة قبرص، من مغبة السماح للعدو “الإسرائيلي” باستخدام المطارات أو الموانئ القبرصية كمنصةٍ للاعتداء على لبنان، يأخذ حيزًا كبيرًا لدى مختلف وسائل الإعلام. ومعلوم أن سيد المقاومة لا يطلق أي تهديدٍ لأي جهةٍ، من دون أن يكون لديه معطيات ملموسة عن احتمال وقوع خطرٍ ما على البلاد أو اقتراب ذلك، لذا من البديهي أن يتخذ الموقف أو الإجراء الملائم لدرء الخطر عن لبنان، فهذا حقه الطبيعي.

كذلك فإن تحذير السيد لم يأت من عدمٍ، فقد سبق “للجيش الإسرائيلي” أن قام بمناورةٍ عسكريةٍ في ربيع العام الفائت على الأراضي القبرصية، تحمل اسم “شمس زرقاء”، تحاكي حربًا على لبنان. وأفادت إذاعة “الجيش الإسرائيلي” بتاريخ الثامن من أيار 2023 بأنه “تم اختيار قبرص مكانًا لإجراء هذه المناورات سنويًا، بسبب طبيعتها الجغرافية المشابهة لجنوب لبنان”.

إذًا، كالمعتاد، كان الأمين العام لحزب الله محقًا عندما وجه تحذيره المذكور آنفًا إلى دولة قبرص. علمًا أن المسؤولين القبارصة تواصلوا مع الجهات المعنية في لبنان، وأكدوا أنهم “ليسوا طرفًا في أي مواجهةٍ كبرى محملةٍ بين لبنان والكيان الإسرائيلي”.

وفي هذا السياق، ذكرت معلومات صحافية أن “وفدًا أمنيًّا قبرصيًا التقى السبت الفائت بعيدًا من الاعلام، المدير العام للأمن العام بالإنابة اللواء الياس البيسري ومسؤولين آخرين لم تتضِح طبيعتهم. وأكد أن “قبرص ليست ضدّ أي جهةٍ مع جهة، ولا تقبل استخدام أي جهة أراضيها للاعتداء على أي دولة، وأن الأراضي التي حصلت عليها المناورات العسكرية “الإسرائيلية” “هي تحت سيادة بريطانية وليس قبرصية”.

غير أن السياسة التاريخية لقبرص واصطفافها، لا يوحيان بالثقة، والأحدث تؤكد ذلك “فقد شاركت دولة قبرص في العدوان الثلاثي (بريطانيا، فرنسا، الكيان الإسرائيلي) على مصر في العام 1956، بعدما انطلقت القوات الفرنسية والبريطانية من هذه الجزيرة في اتّجاه الأجواء المصرية، كذلك الأمر في شأن العدوان الأميركي – البريطاني على اليمن، فقد انطلقت الطائرات الحربية البريطانية من قبرص، حيث تقيم المملكة المتحدة قاعدتي أكروتيري ودكليا، وشنت عدوانها على الأراضي اليمنية.
أضف إلى ذلك، فقد ورد معلومات مفادها أن “الصواريخ والمسيرات التي أطلقتها إيران على “الكيان الصهيوني” في نيسان الفائت، ردًا على العدوان “الإسرائيلي” على قنصلية طهران في دمشق، تم اعتراضها من الأراضي القبرصية”، لذا لا يمكن للارنكا ادّعاء الوقوف على “الحياد”.

وفي هذا الصدد يؤكد مرجع في العلاقات الدولية أن “موقف الحكومة القبرصية لا يزال يكتنفه الغموض حتّى الساعة، ولا يعدو أن يكون أكثر من محاولة تملص من مسؤولية المشاركة في أي عدوانٍ إسرائيليٍ محتمل على الأراضي اللبنانية، وأن هناك جوًّا داخليًا قبرصيًا متململًا من انحياز حكومة بلاده “لإسرائيل”، وما لذلك من ارتداداتٍ خطرةٍ على هذه الجزيرة”.
وقد عبّر الحزب الشيوعي القبرصي المعارض، في بيانٍ في الأيام القليلة الفائتة عن رفضه أن تكون “قبرص قاعدة حربٍ أو ساحة تدريبٍ لأي جيوش أجنبية”.

ومما جاء في البيان أيضًا: “إن نضال قبرص يهدف إلى التخلص من الجيوش الأجنبية في جزيرتنا، وأي وجود عسكري أجنبي في الجزيرة لا يُضيف الأمن إلى شعبنا، بل يزيد المخاطر والأعداء”. يذكر أن الحزب الشيوعي هو ثاني أكبر الأحزب في هذا البلد ويأتي بعد حزب ديسي المحافظ.

كذلك فقد عمّقت السلطات القبرصية علاقاتها مع المحور الغربي و”إسرائيل”، خصوصًا إثر ما يعرف بـ “الصراع القبرصي” وهو نزاع بين سكان الجزيرة من القبارصة اليونانيين والقبارصة الأتراك.

أما لجهة التفاعل الداخلي اللبناني مع موقف سيد المقاومة الوارد أعلاه، فللمفارقة أن بعض الأطراف اللبنانيين يحذّرون من التعرض لبلد هنا أو لبلد هناك، ومن الإساءة إلى علاقات لبنان بالدول العربية والغربية، ولكنهم لا يراعون الحرص على العلاقات الداخلية بين اللبنانيين أنفسهم.

وكان لافتًا أن قبرص احتوت الموقف وسارعت إلى التواصل مع الجهات اللبنانية لعدم تصاعد التوّتر لما له من تداعيات على استقرارها والموسم السياحي لديها على أبواب الصيف، في وقت يقوم بعض اللبنانيين بتوتير الأجواء والمزايدة على القبارصة في هذا الإطار.
فهل يمكن النهوض بالبلد وسط الانقسامات بين اللبنانيين حول السياسات الخارجية والداخلية؟ وهل يمكن إعادة دورة مؤسسات الدولة اللبنانية ككل، بدءًا من إجراء الانتخابات الرئاسية في ضوء استمرار “سياية الخطوط المقطوعة بين المكونات اللبنانيين”؟

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.