عندما هزمت اصبع السيدّ جمع الأحزاب البُخارية
موقع العهد الإخباري-
د. علي دربج:
أما وقد انقضت الانتخابات النيابية في لبنان، وبغض النظر عن نتائجها وفرحة الفائزين وخيبة الخاسرين، فلا بد من الوقوف عند ما ميزّ هذا الاستحقاق من شعارات عجائبية أطلقها بعض خصوم المقاومة خصوصًا شعارات النيل مما ترمز اليه اصبع الأمين العام لحزب الله سماحة السيد حسن نصر الله وتصدّر بقوة حملاتهم الانتخابية، وخطاباتهم اليومية، وتصريحاتهم الاعلامية وجلساتهم الحزبية والسياسية، ومآدبهم الرمضانية، وأضحى شغلهم الشاغل.
بعيدًا عن التهكم، لندع السخرية جانبًا، ونحتكم للتاريخ. فعند الغوص في كتب التاريخ لا سيما في مرحلة ما قبل ظهور الانتخابات والديمقراطية والوكالة التمثيلية، وما بعدها، نجد أن هناك شعوبًا وقبائل وجماعات وعائلات وعصابات وحتى افرادا، كانوا خاضوا حروبا ومعارك نفوذ والغاء ضد آخرين، وقاتلوا للحصول على مُلك أو سلطان أو امارة أو للوصول الى منصب رئيس أو وزير أو نائب، أو عضو بلدي أو اختياري، وهذا يبدو مفهومًا وبديهيًا.
لكننا لم نقرأ يومًا أو وقعت أعيننا على ورقة بردي أو نقش حجري أو رسم صخري، أو سمعنا من راوٍ أو مؤرخٍ أو مستشرقٍ أو حكواتيٍ – وحتى عندما استعنا بصديقنا المفضل “غوغل” – عن سابقة معركة مع اصبع قادها بشر (كما فعل جمع البخاري) لرجل اعتاد رفعها في اطلالته مهددًا بها العدو الاسرائيلي حصرًا. فهذا الأمر لم تقم به حتى القبائل البدائية في غابات الامازون، ولم يحصل في المجتمعات الغوغائية.
فجأة وبدون مقدمات – لا سيما في الأيام الأخيرة التي سبقت 15 أيار ــ حلّت اصبع السيد نصر الله في القاموس الانتخابي لجمع البخاري من الأحزاب والتيارات والقوى المعادية للمقاومة، مكان برامجهم الاصلاحية والانقاذية الوهمية، وبات اسقاطه مطلبًا، وهدفًا أساسيًا، كونه يشكل عبئًا كبيرًا وعقبة، أمام مشروعهم المتمثل بنقل لبنان الى الضفة الأميركية والاسرائيلية، وإلحاقة بقطار التطبيع والاستسلام.
وهنا، حتى لا نتهم بالتجني على السفير السعودي، ليخبرنا أحد لماذا كل هذه الصولات والجولات للبخاري الذي كان أشبه ببلدوزر انتخابي، لم يهدأ ليل نهار متجولًا في كل المناطق، آمرًا وناهيًا في الكثير من اللوائح، يدسّ أنفه في كل شاردة وواردة، يقصي ذاك ويعين هذا ــ في تدخل سافر وغير مسبوق في الشؤون الداخلية والسيادية للبنان (طبعا السيادة تختفي عندما يصل الامر للبخاري) ـــ الا اذا كان ينقل إليهم التجربة السعودية الديمقراطية العريقة والرائدة في التوريث العائلي المتبع بالمملكة الوهابية، والتي للمفارقة حازت على إعجاب بعض ساسة وقادة الأحزاب، الذين عمدوا الى نقلها الى وطننا لبنان، وقاموا باستنساخها في هذه الانتخابات، حيث رأينا عشرات من أبناء النواب كمرشحين.
أكثر من ذلك، طوال فترة الانتخابات وصولا الى لحظة اقفال صناديق الاقتراع وحتى ما بعدها، لم يترك هذا الجمع بقيادة البخاري مفردة او مصطلح او عبارة من مختلف قواميس اللغة العربية والمعاجم الاجنبية والهندية والتركية والصينية والأوروبية والامريكية والبوذية، ومعظمها ينطوي على اهانات وشتائم وقدح وذم واستحقار وعنصرية وكراهية، الا وتم استحضارها والصاقها بشعب المقاومة او اهلها في محاولة لدفع الناس عن صاحب الاصبع، بدءا من التبعية والصنمية والشمولية، ونظرية القطيع، والرضوخ للقوة وغيرها.
حتى وصل بهم الامر الى وصف بيئة بأكملها بالمرتشية، تقتات على مساعدة اجتماعية او صحية من هنا او هناك. لكن النتيجة ان ذلك زادهم حبا لهذه الاصبع ولصاحبها، وجعلهم أكثر تعلقا به، وتقربا منه.
لماذا هذه الهجمة الشرسة والحلف الجهنمي على هذه الاصبع؟
بعيدا عن هلوسة البعض وحقدهم الاعمى ونزعتهم العنصرية، تجاه جمهور المقاومة، وهذيانهم المتعلق بالسلاح، واتهام شعبها بعبادة الشخصية، او انقيادهم غرائزيا، فما يربط هذه الشريحة من الناس بهذه الأصبع هو الآتي:
بالنسبة لنا ولهذا الجمهور والبيئة، هذه الاصبع، مع اصابع الشهداء (واخي واحد منهم) والجرحى، كتبوا معا تاريخ 25 ايار/ مايو 2000، الذي فتح عصر الانتصارات على العدو الصهيوني.
وبذات الاصبع، رسمت معادلة الردع التي شكلت مظلة الحماية للبنان، ودفعت عنه الاعتداءات بعدما كان وطننا وخصوصا جنوبه، حقل رماية وتدريب، يجري على ارضه تخريج دفعات من ضباط سلاح الجو الاسرائيلي في سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي.
وبنفس الاصبع (الموجودة في جسد كل مقاوم)، تم الضغط على “مفاتيح التحكم” للصاروخ (البحري) الذي حطم أسطورة “البارجة ساعر 5 ” خلال عدوان تموز/ يوليو 2006، ولصواريخ “رعد” و”زلزال” و”خيبر” واخواتها التي وصلت الى حيفا وما بعد حيفا. وكذلك كانت لمسة هذه الاصبع، حاضرة عندما ضغط مقاوم على زناد صاروخ مضاد للطائرات، واسقط طائرة مروحية تقل جنودا في وادي مريمين قرب قرية ياطر الجنوبية، كانوا يتحضّرون لارتكاب المزيد من المجازر بعد قانا، بحق المواطنين الابرياء. كما اقتصت هذه الاصبع من نخبة الجيش الاسرائيلي في كمين انصارية الشهير.
وباشارة من هذه الاصبع، انزلت المقاومة شرّ هزيمة بعشرات الدول واجهزة الاستخبارات الامريكية ــ والغربية والصهيونية والعربية والإقليمية في منطقة القصير السورية، التي كان مخططا لها ان تكون منطلقا للمشروع التقسيمي للبنان بأدوات تكفيرية واخوانية ووهابية.
وبحركة منها ايضا، طهّرت المقاومة (وبشهدائها وبجرحاها العظام ايضا) المناطق الحدودية البقاعية، وجرود عرسال من التفكييرين، والجماعات المدعومة خليجيا (ومعرابيا).
اما الاهم، وبالرغم من بأس وصلابة هذه الأصبع التي لم تستطع كل اجهزة الرصد والتعقب والمراقب، وكل الاقمار الاصنطاعية، والعيون البشرية، النيل من صاحبها، الا ان معظم هذا الجمهور، شعروا بيد السيدّ وبأصابعه الناعمة المجبولة بالمحبة والعاطفة والحنان والابوة، وهي تمسح رؤوسهم برقة، وتخفف عنهم أوجاعهم والآمهم ومصائبهم، وتقدم لهم العون والمساعدة، عندما شنت عليهم حروب التجويع والافقار (وما زالت قائمة) من قبل امريكا ومشيخات النفط، واشترك فيها تجار ومصارف وساسة ومنظمات واشخاص (وفضحهم ديفيد شينكر قبل ايام).
وانطلاقا من كل ما تقدم، ليس غريبا ان يهبّ جمهور المقاومة من كل حدب وصوب، رجالا ونساء، شبابا وشابات، شيبا وعجزة، لنصرة هذه الاصبع التي قدم صاحبها نجله على مذبح على الوطن لحمايته وصونه، فكانت اصواتهم (اي شعب المقاومة) في صناديق الاقتراع بمثابة استفتاء على اهمية وضرورة بقائها مرفوعة كعمود ينتصب نحو السماء، يتساقط امام هيبته كل الجعجعيين، والبخاريوين، ومعهم الفقاعات الريفية والسنيورية، وكوميديو ومهرجو كتائب العائلة والوطن، كالنديم والسامي المولع بالناضور” للعلم نظريته تدرس في أرقى المدارس العسكرية”.
اما السلاح، فلن نتحدث لانه عصي على فهم صغار البخاري، فصاحب الاصبع لا تحجبه هبة بُخار عابرة، عن ناسه واهدافه، فهو اعتاد وضعها على خرائط الكبار الذين يعلمون علم اليقين، في انه في حال ثبتها على نقطة ما مغتصبة او محتلة في هذا العالم كفلسطين فيعني ان نهاية الاحتلال والظلم باتت محتومة، وجنوب لبنان خير شاهد ودليل. وتسألون لماذا تكاتل كل هذا الجمع على الاصبع، ومع ذلك هزمتهم ولم تهتز؟