عندما «تُصارع» مبادرة الحريري.. «الإعدام»
صحيفة السفير اللبنانية ـ
عماد مرمل:
وإذا كان الغطاء الاقليمي يشكل أحد الشروط الإلزامية لنجاح مبادرة ترشيح النائب سليمان فرنجية، فإن فرصة حياكة هذا الغطاء الحيوي ستتعطل، أقله الى حين، تحت وطأة احتدام الصراع السعودي – الايراني، ما يعني أن المبادرة بصيغتها السابقة دخلت في «الطور الجليدي» وإن يكن اسم فرنجية بحد ذاته سيبقى مطروحا في انتظار ظروف أفضل لإعادة تعويمه.
ويمكن القول ان حدس فرنجية أصاب، بعدما تحقق ما كان يخشى منه وهو حدوث تطور مفاجئ يؤدي الى تجميد فرصة انتخاب الرئيس أو ضياعها، وهذا ما كان يفسر استعجال رئيس «تيار المردة» والمحيطين به للإسراع في انتهاز لحظة «المبادرة الرئاسية» قبل ان يطرأ ما يبعثر أوراقها.
وفيما يقوم جوهر المبادرة على انتخاب فرنجية رئيسا للجمهورية وتسمية سعد الحريري رئيسا للحكومة، يبدو واضحا ان هذه المعادلة، لا سيما في شقها الثاني، لم تعد قابلة للتطبيق حاليا بعدما باتت تفتقر الى بيئة سياسية حاضنة، إذ من المعروف أن عودة الحريري الى السلطة تحتاج الى توافق إقليمي – محلي أصبح متعذرا في الوقت الحاضر مع التصعيد الحاصل في المنطقة والداخل.
ولئن كانت واجهة المبادرة الرئاسية محليا تتكون من فرنجية والحريري، إلا أنه لا يمكن تجاهل الحقيقة الاخرى وهي ان أي تسوية داخلية حقيقية، وقابلة للصرف السياسي، لا تبدو واردة من دون حد أدنى من التوافق أو التفاهم بين «حزب الله» و «تيار المستقبل»، في ظل بيئة خارجية مؤاتية، وهما شرطان جرفهما دم النمر الى ما بعد «المياه الاقليمية» اللبنانية.
ويقر أحد السياسيين المتحمسين لوصول فرنجية الى قصر بعبدا بأنه إذا كانت المبادرة الرئاسية قبل إعدام النمر تحتاج أصلا الى فترة من الزمن لإنضاجها، فإن الأكيد أن اختمارها أصبح يتطلب بعد إعدامه وقتا أطول، معربا عن قلقه من احتمال تبديل وظيفة الساحة اللبنانية في المدى القريب، بحيث تنتقل من مرحلة «ربط النزاع» الى مرحلة الانخراط فيه ربطا بإيقاع جبهات الصراع الإقليمي المحموم.
وهناك من يعتقد أن السعودية نفسها لم تبذل أي جهد حقيقي لتسهيل تنفيذ المبادرة التي حظيت برعايتها ولم تتصرف بطريقة من شأنها تسهيل عودة الحريري الى السلطة، بل هي فعلت كل ما يمكن أن يؤخر أو يعطل فرص التسوية الداخلية، من قبيل وضع قيادات في «حزب الله» على لائحة الإرهاب وحجب قناة «المنار» عن قمر عربسات انتهاء بإعدام الشيخ النمر، وبالتالي استفزاز إيران والحزب.
ويعتبر أصحاب هذا الرأي أن فلسفة المبادرة الرئاسية، في ما يتعلق بالمستوى اللبناني، قامت على حاجة الحريري لاستعادة رئاسة الحكومة، وهو أمر يعرف رئيس «المستقبل» انه غير ممكن ما لم يأت في المقابل رئيس للجمهورية من صفوف فريق «8 آذار»، لكن ما حصل أن الرياض والحريري لم يحسنا منذ البداية إدارة المبادرة وتسويقها لدى حلفائهما وخصومهما على حد سواء، بل ان السعودية اندفعت نحو إجراءات معادية للحزب، مع علمها بأنه شريك إلزامي في أي تسوية، وان طريق الحريري الى السرايا تمر في الضاحية الجنوبية، ما يعطي انطباعا بأن الرياض لا تضع الشأن اللبناني ضمن أولوياتها الأساسية، ولا تهتم كثيرا بما يمكن أن يؤول اليه المصير السياسي للحريري، وفق اعتقاد إحدى شخصيات «8 آذار».
وعندما طُرحت خلال الحوار بين «حزب الله» و «المستقبل» إشكالية عدم انسجام السلوك السعودي مع مقتضيات التسوية الداخلية، كان رد وفد «المستقبل» بأن الرياض تعتمد سياسة الفصل بين الملفات وأن التدابير التي اتخذتها ضد الحزب لا تتعارض مع المساعي المبذولة للخروج من مأزق الشغور الرئاسي، و «المثال على ذلك أن السعودية حريصة على إبقاء جسور التواصل ممدودة بينها وبين روسيا برغم رفضها للدور الذي تؤديه موسكو في سوريا..»، وفق أداة القياس التي يستند اليها التيار الحليف للرياض في معرض تفسير نمط المقاربة السعودية للملف اللبناني.