عصي قطرية في طريق «العجلة» السعودية
صحيفة الوطن السورية-
عبد المنعم علي عيسى:
لم يفصل ما بين زيارة وزير الخارجية والمغتربين فيصل المقداد لجدة وبين الزيارة التي قام بها نظيره السعودي لدمشق أكثر من أسبوع، ولعل الوقت القصير الفاصل هو أحد المؤشرات المهمة على تكامل ورسوخ، الرؤيا الجديدة التي تولدت عند المسؤولين السعوديين تجاه الأزمة السورية بحيث لم يكن هناك من داع للانتظار، أو ما يساويه، للرد على الخطوة بخطوة ثانية، ومن المؤكد أن السعودية، كانت تمثل خطوة «تحد» للإملاءات الأميركية في مسار كان قد بدأ في الخامس من شهر تشرين الأول الماضي عندما صوتت الرياض في اجتماع «أوبك بلس» ضد مشروع قرار يقضي بزيادة الإنتاج الذي كانت واشنطن تريد تمريره لخفض أسعار النفط التي ارتفعت في حينها على وقع الحرب الأوكرانية بدرجة أصبحت «ضارة» بالاقتصاد الأميركي، والغربي عموما، وإن كان هذا الأخير خارج الحسابات الأميركية على الرغم من أن هذه الحسابات كانت تتحسب من أن ارتفاع أسعار النفط، قد يرسم خريطة تراصفات جديدة داخل القارة العجوز على ضفاف الحرب التي باتت تداعياتها أقرب لفعل «الفأر» الذي يقضم كل يوم سطراً، أو أكثر، في «مدونة» الهيمنة الأميركية التي يعود تاريخ ولادتها للعام 1991.
ما بين المحطتين، أي جدة ودمشق، عقد «مجلس التعاون الخليجي» في جدة اجتماعا على مستوى وزراء الخارجية حضرته كل من مصر والعراق والأردن إلى جانب دول الخليج الست، وفي أتون ذاك الاجتماع ذهبت صحيفة «وول ستريت جورنال» الأميركية إلى نشر تقرير قالت فيه إن «دولاً عربية خمس لا تزال معارضة لعودة سورية إلى الجامعة العربية»، ثم ذهب التقرير، الذي أشارت إليه الصحيفة على أنه يحوي تسريبات من اجتماع جدة آنف الذكر، إلى تسمية تلك الدول «مصر، المغرب، الكويت، اليمن، قطر»، ومن الواضح أن هذه الخماسية لا جامع يجمعها بشأن الأزمة السورية ومواقفها منها سوى «الطلب» الأميركي الذي أرادت واشنطن من خلاله وضع عراقيل في مسار التقارب العربي مع دمشق خصوصا أن هذا التقارب كان قد وصل إلى مديات بعيدة شكلت زيارة ابن فرحان ذروتها، والشاهد هو أن الزيارة كانت تشير لمضامين عدة لعل أبرزها اثنان، الأول هو أن الرياض باتت متفلتة من القبضة الأميركية بدرجة كافية لكي ترسم سياساتها بما يحقق أمنها ومصالحها، والثاني هو أن «مشروع» المعارضة السورية بات في حالة «موت سريري»، هذا إن لم يكن في وضعية من يلفظ أنفاسه الأخيرة.
شهدت العاصمة القطرية في غضون الأسبوعين الفائتين نشاطا لافتا للمعارضة السورية جهدت الدوحة من خلاله إلى إحياء دورها الذي لعبته إبان سني الأزمة السورية الأولى في مشهد يوحي بإمكان انتقال مركز الثقل لجهود التيارات المعادية للحكومة السورية من أنقرة إلى العاصمة القطرية التي خبا بريقها «السوري» منذ العام 2013 الذي شهد انتقالا للسلطة من الأب، خليفة بن جاسم، إلى الابن تميم، على وقع تغير التوجهات الأميركية الحاصلة تجاه «المشروع الإخواني» الذي كانت واشنطن تدعمه قبيل حادثة اغتيال السفير الأميركي ببنغازي 11 أيلول 2012 حيث أثبتت التحقيقات الخاصة فيه تورط جماعات إسلامية كان الأميركيون يدعمونها في ليبيا، الأمر الذي نظر إليه هؤلاء، سواء أكان في التوقيت الذي جرى فيه أم في النتائج التي أدى إليها، على أنه أنموذج مصغر لحادثة 11 أيلول 2001 بنيويورك، وعليه كان القرار بالتخلي عن دعم تلك الجماعات على امتداد الساحات العربية المشتعلة آنذاك، والفعل كانت له من حيث النتيجة تداعيات عدة من أبرزها سقوط حكم الإخوان بالقاهرة 3 تموز 2013 الذي سبقه، قبل شهرين، تخفيف لـ«الصبغة» الإخوانية للحكم القائم بالدوحة تمظهر بانتقال سلس للسلطة في أيار من هذا العام الأخير.
قد تكون ظروف عدة اقتضت انتقال النشاط من العاصمة التركية إلى نظيرتها القطرية والأبرز منها هو وجود قرار أميركي يهدف إلى إحباط المسعى السعودي- الإماراتي الرامي لترميم «الجرح» السوري وإيقاف نزيفه، ثم الانزياحات الحاصلة على الموقف التركي بفعل الانتخابات التي باتت على الأبواب، وبفعل مسار التطبيع مع دمشق الذي توليه أنقرة هذه الأيام أولوية تراها ناجعة لاستمرارية الحكم القائم فيها الآن، وإن كانت ثمة مؤشرات كانت قد برزت مؤخرا وهي توحي بأن قرار التطبيع الذي اتخذه حكم «العدالة والتنمية» يتعدى في مراميه البعد التكتيكي الانتخابي لينصب في استراتيجية أبعد مدى من حيث أنها تذهب نحو وجوب مواجهة «المشروع» الأميركي الرامي إلى تفتيت المنطقة وتقسيمها إلى كيانات مذهبية وعرقية، ولعل التصريح الذي أدلى به وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو قبل أيام وقال فيه إن لدى أنقرة شرطاً وحيداً لانسحاب قواتها من الأراضي السورية هو «خروج حزب العمال الكردستاني ووحدات حماية الشعب الكردية من شمال شرقي سورية»، كاف لتأكيد ذلك «الوجوب» الحاضر في السياسة التركية راهنا.
النشاط القطري المعتد بدعم أميركي، يسعى إلى تشكيل «نواة معارضة» جديدة تضم شخصيات من المعارضة السورية وبعضهم ممن ينضوون تحت راية «الائتلاف السوري» المعارض لتوجهات أنقرة الجديدة تجاه دمشق، و«النواة» إياها ستسعى إلى مد الجسور مع «مجلس سورية الديمقراطية – مسد» والفصائل التي تنشط في ريف حلب، في محاولة لترسيخ حالة «جغرافية» خارجة عن سيطرة الحكومة السورية وهي تمتد من عفرين في الغرب وصولاً إلى عين ديوار في أقصى الشرق السوري، لكن المحاولة تفتقد للكثير من مقومات النجاح التي من أبرزها غياب وصلة الـ«T» الإقليمية التي كان الدور التركي يمثلها، ثم إن التشكيل الجديد يهدد دور «الائتلاف» بدرجة ستجعل من هذا الأخير مقاوما له بكل ما يستطيع، والأهم من ذلك كله هو أن المناخات الإقليمية ذاهبة نحو ترسيخ دعائم الهدوء والاستقرار ما يعني أن المحاولة القطرية ستلقى المصير الذي لقيته محاولة رياض حجاب، رئيس الوزراء المنشق، السابقة قبل نحو عام والتي دخلت حقول «الأرشفة» قبيل أن تتم شهرها الأول.