عصابة الإجرام والعمالة تهديد للوطن والشعب
وكالة أخبار الشرق الجديد-
غالب قنديل:
ما تعرّض له الأمن الوطني والإستقرار لم يكن حدثا عابرا ولا حاصل تداعيات تلقائية لاحتكاك سياسي في مكان عام، بل تؤكد القرائن والمعطيات الدامغة الموثّقة أن جريمة مدبّرة نُفذّت لقتل مجموعة من المواطنين تجمعوا سلميا، ومن غير سلاح، ولم يستفزوا أحدا في تحركّهم، بل كانوا يعبّرون عن رأيهم وانهمر عليهم رصاص الغدر، فأوقع القتلى والجرحى.
أولا: إن التحرّك الشعبي السلمي الذي تعرّض لكمين غادر، هو علامة فارقة في مسار الأحداث الخطيرة، والجريمة بمفاعيلها تفصح عن المجرم الذي ليس مجهولا، كما يفضح السياق الأهداف البعيدة والقريبة من مؤامرة تعريض البلد لزلزال دموي، وهو أمر يتخطّى حدود المعاينة الجرمية الموضعية. فالواضح ان حلقة الفوضى والموت التي أريد للبنان أن يُحتجز داخلها، هي جزء من سياق سياسي متكامل، رسمته القوى المحرَّكة إقليميا ودوليا، والتي تمتلك في خلفية المشهد اللبناني خيوط اتصال وتدخّل أمنية وسياسية ومخابراتية متشعّبة، لكن يتركز معظمها وأهمها عند القوات اللبنانية المعروفة بعلاقات وثيقة مع المعسكر الأميركي الغربي الخليجي، إضافة إلى ما سلف من ماضي ارتباطها العضوي بالكيان الصهيوني. ومن حقّنا أن نستحضر جميع القرائن المعروفة في لحظة اشتباه سياسي والتباس أمني، عند وقوع حدث دام خطير ومفجع، تحيط به التباسات توحي بتورّطٍ قواتي في الجرم الشنيع، وخصوصا تبنّي خطاب سياسي ونبرة تثير الريبة، قبل الحدث الخطير وبعده.
ثانيا: أثارت ردود الفعل الشعبية والسياسية بعد الجريمة عناوين عديدة، تحمل قلقا كبيرا وعارما على السلم الأهلي والأمن الوطني، وضنّا بوحدة اللبنانيين المهدّدة. وتلاقت قوى وقيادات عديدة في الدعوة إلى معالجات عاجلة وحاسمة، تردع العابثين، وتحفظ الاستقرار، ولو لاحظنا تفاوت النبرة والحرارة بين المواقف، التي وقع أصحابها في فخّ التردّد والمسايرة والمداراة، فاحجموا عن تسمية الأشياء بأسمائها. بينما انبرت قوى وطنية شجاعة وجريئة، من سائر المواقع، تعلن موقفا حاسما، وتتنكّب المسؤولية بكلّ شجاعة وحزم. والناس الذين تذوّقوا نِعَم السلم الأهلي منذ انتهاء سنوات الدم والدمار، يضعون اليوم أيديهم على قلوبهم قلقا وتخوّفا من نكبة العودة إلى الوراء، بما فيها من انهيار المؤسسات وفوضى الفلتان. ولا تكفي تصريحات المسؤولين والرؤساء لتبديد المخاوف، خصوصا في ظلّ القلق على واقع المؤسسة العسكرية الوطنية، التي تضغط عليها يوميات الانهيار المالي، وتستنزف مناعتها وقائع اضطرار واستجداء ومخاطر استتباع وتكالب في زمن فاقة وعوز.
ثالثا: إن الدعوة لعقد مؤتمر وطني شعبي عام، هي أكثر من ضرورة، لخنق الفتنة وقطع دابر التدخّلات الخبيثة. ويجب أن يتناول المؤتمر، بالنقاش وبالتوصيات التي يصدرها، كيفية تحصين الوحدة الوطنية، وتخطّي المحنة، لمواجهة التحديات السياسية والاقتصادية.
ينبغي تعيين إطار التحقيق والمحاسبة بالسرعة القصوى، واعتماد سبل العجلة القانونية والدستورية في هذا الملف، لقطع الطريق على المماطلة والتمييع والاستغلال، الذي يعرف الجميع من أهل السياسة مخاطره ووجهته الفتنوية الرخيصة. فكلما طال انتظار أولياء الدم لإحقاق الحق كانت الكلفة ادهى وأخطر. ونشدّد هنا على أنّ لا شيء يجب أن يعلو على هذه القضية، وتخطيها بصورة سليمة سيكون ترسيخا للسلم الأهلي وتحصينا للوحدة الوطنية. ومن هنا دعوتنا لتدابير استثنائية عاجلة أمنيا وقضائيا وسياسيا دون أي تلكؤ، فترك الأمور معلّقة والتئامها على زغل، يعني إبقاء البلد معلّقا على حقل ألغام مهيأ للتفجير في أي لحظة.