عراق 2021: تدوير الأزمات وترحيل المشكلات
موقع العهد الإخباري-
عادل الجبوري:
“تدوير الأزمات”. لعل هذا هو التوصيف الأبرز والأوضح والأقرب للمشهد العراقي، سياسيًا وأمنيًا واقتصاديًا خلال العام 2021. وإذا كان عام 2020 قد شهد العديد من المشاكل والأزمات السياسية والامنية والصحية والاقتصادية التي ألقت بظلالها الثقيلة على عموم المشهد، فإن أحداث ووقائع عام 2021، مثلت بشكل أو بآخر استمرارًا لمشاكل وأزمات العام السابق له، بحيث إن المواطن العادي وهو يودّع عامًا ويستقبل عامًا جديدًا، لم يلمس نتائج ومخرجات ايجابية انعكست أو يمكن أن تنعكس على واقعه الحياتي العام.
دوامة الانتخابات
ملف الانتخابات البرلمانية، طغى على المشهد العام، وشغل حيزًا كبيرًا من البحث والجدل والنقاش، ذات الطابع السياسي والفني، وبعد أكثر من تأجيل، تم اقرار العاشر من شهر تشرين الاول-اكتوبر موعدًا لإجراء الانتخابات المبكرة، في ظل أجواء ساد فيها التوجس والقلق. أجريت الانتخابات في موعدها، إلا أن النتائج التي أفرزتها، والأخطاء التقنية الكبيرة التي وقعت فيها المفوضية العليا المستقلة للانتخابات، وشبهات التلاعب والتزوير، أربكت الأمور الى أبعد الحدود، حتى أنه لم تتم المصادقة على النتائج النهائية للانتخابات من قبل المحكمة الاتحادية العليا إلا بعد شهرين ونصف من إجراء الانتخابات، بينما كان مأمولًا أن تسرع آليات التصويت والعد والفرز الالكتروني حسم النتائج وتقلل الى أقصى حد من عمليات التزوير.
والى جانب الأخطاء الفنية، وشبهات التلاعب والتزوير، فإن البعد السياسي لنتائج الانتخابات ومخرجاتها كان واضحًا جدًا، لأن مجمل الأرقام جاء خارج نطاق التوقعات والقراءات التحليليلة المسبقة.
انهاء الاحتلال
انهاء الوجود الأجنبي واستعادة السيادة الوطنية الكاملة، كانا من أبرز واجبات ومهام الحكومة التي تشكلت برئاسة مصطفى الكاظمي في أعقاب استقالة حكومة عادل عبد المهدي أواخر عام 2019. ومع أن هذا المطلب كان موجودًا وقائمًا على طول الخط، إلا أن تمادي الولايات المتحدة الأميركية في انتهاكاتها وتجاوزاتها وتسببها في الكثير من المشاكل والأزمات والفتن، وسّع مساحة مطلب انهاء الاحتلال، لا سيما بعد اغتيال كل من نائب رئيس هيئة الحشد الشعبي ابو مهدي المهندس، وقائد فيلق القدس قاسم سليماني عبر ضربة جوية أميركية غادرة قرب مطار بغداد الدولي فجر الثالث من شهر كانون الثاني-يناير 2020.
وبفعل الضغوطات السياسية والشعبية المتواصلة، انتهت الأمور الى ابرام اتفاق بين الإدارة الأميركية والحكومة العراقية خلال زيارة الكاظمي لواشنطن أواخر شهر تموز-يوليو الماضي، يقضي بسحب كافة القوات الاميركية من العراق بنهاية العام 2021، في مقابل ذلك تعهدت قوى وفصائل المقاومة بعدم مهاجمة القوات والمصالح الأميركية في العراق حتى حلول موعد اكتمال الانسحاب وايفاء واشنطن بتعهداتها والتزاماتها.
بيد أن الولايات المتحدة راحت تماطل وتراوغ وتتنصل، حينما اعتبرت أن الاتفاق مع بغداد يقضي بتغيير مهام القوات الأميركية من مهام قتالية إلى تدريب واستشارة وتمكين.
ورغم أن رئيس الوزراء العراقي، أعلن قبل بضعة أيام مغادرة كل القوات الأميركية القتالية مع معداتها وأسلحتها العراق، إلا أن المؤشرات والمعطيات على أرض الواقع لا تعزز ذلك الاعلان، إذ إن المسميات فقط هي التي تبدلت ليس إلا.
الأزمة الاقتصادية
إلى جانب الجدل والسجال الانتخابي، والحراك والشد والجذب بشأن انهاء التواجد الأجنبي من البلاد، بقيت الأزمة الاقتصادية في العراق خلال عام 2021 على حالها، ولم تحدث انفراجات حقيقية، رغم انتعاش أسعار النفط، وتراجع أزمة وباء كورونا، وتقلص الاستحقاقات المطلوبة لمحاربة تنظيم “داعش” الارهابي، لأن الحكومة العراقية أقدمت في أواخر عام 2020 على رفع قيمة الدولار الاميركي مقابل الدينار العراقي، ليصبح 1445 بدلًا من 1200 دينار لكل دولار، الأمر الذي أحدث ارباكًا شديدًا وتراجعًا حادًا في نشاط وحركة الأسواق المحلية. وبينما ألحق ذلك الاجراء ضررًا بكبار التجار ورجال الأعمال، كان الضرر الأكبر من حصة ذوي المهن الحرة البسطية والدخل اليومي المحدود، إلى جانب موظفي الدولة، وكل ذلك نتيجة ارتفاع أسعار السلع والبضائع، لا سيما الأساسية منها، الغذائية والطبية والخدمية. وهذا بدوره تسبب في تزايد نسب التضخم، وبقاء مشكلة البطالة على حالها، اذا لم تكن قد تفاقمت هي الاخرى، مع تخرّج آلاف الطلبة من الجامعات بالاختصاصات المختلفة.
ولا شك أن استمرار الأزمات الاقتصادية وتفاقمها، في ظل غياب الحلول والمعالجات العملية الواقعية لها، يرتبط بمجمل الأوضاع السياسية، وبالتأثيرات الخارجية – الأميركية تحديدًا – وقد بدا ذلك واضحًا في ملف الكهرباء حين أدّت ضغوطات واشنطن الى قطع الطريق بصورة شبه كاملة على الشركات غير الأميركية، وخصوصًا شركة سيمنز الالمانية، من الدخول الفعلي لذلك القطاع الحيوي وتفكيك عقده الشائكة منذ حوالي عقدين من الزمن.
الحراك السياسي والدبلوماسي
وفيما يتعلق بالحراك بين العراق ومحيطه الاقليمي والفضاء الدولي على وجه العموم، شهد العام 2021، خطوات ومبادرات، بدت متميزة واستثنائية، من قبيل الزيارة التاريخية لزعيم الفاتيكان البابا فرنسيس السادس عشر، في آذار-مارس الماضي، ولقائه المرجع الديني الكبير آية الله العظمى السيد علي السيستاني في مدينة النجف الاشرف. وقد حظيت تلك الزيارة باهتمام دولي واسع، نظرًا لحصولها للمرة الأولى، وطبيعة توقيتها ودلالاتها الرمزية والمعنوية.
الى جانب ذلك، فإن مؤتمر بغداد للتعاون والشراكة، الذي عقد في أواخر شهر اب – اغسطس الماضي، بمشاركة أطراف عربية واقليمية ودولية مختلفة، عزز الى حد ما مكانة العراق، وأتاح له أن يستعيد جزءًا من حضوره الاقليمي والدولي، ويخطو خطوات جيدة في مسارات سياسة خارجية متوازنة وعقلانية.
فضلًا عن ذلك، فإن التواصل الثنائي بين بغداد وعواصم أخرى مجاورة وغير مجاورة، أعطى زخمًا اضافيًا مهمًا للحراك السياسي والدبلوماسي، كذلك تبادل الزيارات الرسمية على أعلى المستويات، وإبرام الاتفاقيات والمعاهدات الاقتصادية والأمنية والسياسية المختلفة، وبلورة تفاهمات عميقة.
ليس هذا فحسب، بل إن بغداد اضطلعت بدور مهم ومحوري في التقريب بين بعض الأطراف الإقليمية، كما فعلت ذلك بين طهران والرياض، عبر استضافتها ورعايتها عدة جولات للحوار شارك فيها مسؤولون سياسيون وأمنيون من كلا الطرفين.
نعم للقدس.. كلا للتطبيع
في سياق المواقف المبدئية، كان العراق من أول المبادرين الى نصرة أبناء الشعب الفلسطيني في معركة “سيف القدس” ضد الكيان الصهيوني الغاصب. وفضلا عن التحشيد والدعم السياسي والاعلامي والجماهيري، عبرت المرجعيات الدينية في مدينة النجف الأشرف، عن مساندتها ودعمها لنضال ومقاومة الشعب الفلسطيني، ودعت الى تحشيد وتعبئة كل الطاقات من أجل نصرة هذا الشعب.
ومضافًا الى ذلك، كان الموقف الوطني، الرسمي والشعبي العراقي من موضوعة التطبيع مع الكيان الصهيوني حازمًا وقويًا وحاسمًا بالرفض القاطع جملة وتفصيلًا، وتجلى ذلك بكل وضوح عبر الكثير من الفعاليات والنشاطات والمبادرات الشعبية والسياسية والنخبوية، وأبسط وأقرب دليل على ذلك ما واجهه المؤتمر التطبيعي الذي عقد في مدينة اربيل في إقليم كردستان، أواخر شهر ايلول – سبتمبر الماضي، ناهيك عن التعاطي السلبي مع الكثير من الخطوات والاشارات والتلميحات الاسرائيلية بهذا الخصوص.
أحداث أخرى..
وشهد العام 2021، رحيل المرجع الديني آية الله العظمى السيد محمد سعيد الحكيم عن (87) عاما، في العاشر من شهر ايلول-سبتمبر الماضي، ووقوع عدد من التفجيرات الارهابية في أوقات مختلفة في بمناطق في العاصمة بغداد ومدن أخرى، حصدت أرواح العديد من المدنيين الابرياء، وجدل حول تعرض رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي لمحاولة اغتيال في السابع من شهر تشرين الثاني-نوفمبر الماضي، واندلاع عشرات الحرائق في مؤسسات حكومية ومراكز تجارية وأسواق، خلّفت خسائر مادية كبيرة جدًا، وتعرض عدة مدن ومناطق في اقليم كردستان لموجة فيضانات وسيول، أدت إلى وفاة عدد من الأشخاص، إلى جانب إلحاق أضرار فادحة بالبيوت والمزارع والسيارات والمرافق الخدمية العامة.