عجز الرياض عن إيجاد "الإتحاد الخليجي" المزعوم
تزامنت الجولة الإقليمية للملك السعودي في الإمارات والبحرين وقطر والكويت مع حدثين آخرين هما عقد القمة الـ 37 لدول مجلس التعاون في المنامة وزيارة رئيسة وزراء بريطانيا الى المنطقة، وكل هذه الأحداث كانت تساهم في تهيئة الأرضية لطرح موضوع تشكيل “الإتحاد الخليجي” لكن هذا الأمر لم يحصل لعدة أسباب.
قبل أيام من موعد انعقاد قمة المنامة اطلق السعوديون حملة دعائية ضخمة حول هذه القمة قائلين ان من المقرر ان تشهد هذه القمة تشكيل “الإتحاد الخليجي” لكن أي من بنود البيان الختامي للقمة لم يشير الى هذا الشيء ولو شكليا.
وكان من المقرر ان يقوم هذا الإتحاد بتعزيز أذرعه العسكرية في اطار الإستراتيجية الأمريكية وبمشاركة عسكرية وأمنية بريطانية أمام ما يسمى بالتهديد الايراني في الخليج الفارسي.
ان الحديث عن تشكيل مثل هذا الإتحاد بدأ منذ عام 2011 تزاما مع انطلاق الثورات العربية وقد تجدد الحديث حول هذا الإتحاد في عام 2013 وهو في الحقيقة تفعيل لنظام دفاعي في مجلس التعاون بالتزامن مع ما يشاع عن خروج أمريكا من الخليج الفارسي والتركيز على سياسات ايران الإقليمية بغية التصدي لما يسمى “التهديدات الإقليمية”.
واذا أردنا ان نبحث عن أسباب عدم تحقيق هذا الهدف الذي كان السعوديين يريدون تحقيقه على عجالة فينبغي لنا الوقوف عند النقاط التالية:
القلق من الهيمنة السعودية
طوال السنوات التي كانت السعودية تلعب دور الريادة و”الشقيقة الكبرى” لأعضاء دول مجلس التعاون كان هؤلاء الأعضاء ينظرون بعين الريبة الى هذا الدور، وبغض النظر عن البحرين التي تدور في الفلك السعودي وبعض المماشاة من قبل الإمارات والكويت، فإن باقي اعضاء مجلس التعاون كانوا يترددون في تقبل الهيمنة السعودية في الكثير من الأحيان ويسعون الى تعديلها فيما كانت عمان في الأساس تتبع سياسة التوازن والتعادل في التعامل مع كافة أعضاء مجلس التعاون.
ومن جهة أخرى ينبغي الإشارة الى حجم الخلافات السياسية الموجودة بين أعضاء مجلس التعاون والذي ترجم في الكثير من الأحيان الى انعدام التضامن في تبني إستراتيجية معينة حيال المنطقة ولاعبيها وأدى الى عجز هذا المجلس عن تحقيق أهدافه وفلسفة إيجاده وعدم قدرته الآن عن الإتفاق على أهداف معينة ومحددة وإتخاذ خطوات لتحقيقها.
ان أي تعزيز لدور مجلس التعاون وكذلك ما يطرح حول “الإتحاد الخليجي” يعني تعزيز القدرات السعودية، ونظرا الى مساحة السعودية الشاسعة وعدد سكانها الأكبر من باقي البلدان وحجم ثرواتها وقدراتها العسكرية والسياسية فإن مقاليد هذا ” الإتحاد الخليجي” المزعوم ستكون بيد الرياض، ولذلك يمكننا القول ان تعزيز وتقوية الأذرع الدفاعية والعسكرية لهذا الاتحاد في اطار جيش موحد سيلقى مصير العملة الموحدة التي طرحت في السابق ولن تترجم على أرض الواقع.
الأولويات الإقتصادية لبريطانيا
ربما يكون السبب الآخر لعدم تحقيق وتشكيل “الإتحاد الخليجي” هو السياسة والرؤى البريطانية بعد خروج لندن من الإتحاد الأوروبي، فصحيح ان بريطانيا تسعى الى اعادة بناء علاقاتها الخارجية بعد هذا الخروج وترى نفسها طليقة اليد الى حد بعيد في انتخاب وتحديد مصالحها وحلفائها لكن زيارة تيريزا ماي الى الخليج الفارسي كانت تركز على الإقتصاد ودفع الدول العربية الى الإستثمار بشكل أكبر وأوسع في بريطانيا.
ورغم ان ماي اطلقت وعودا لمواجهة ما أسمته “التهديدات الايرانية” في المنطقة سعيا منها للعودة الى “الأمجاد” البريطانية في الخليج الفارسي لكن المراقبين يعتقدون ان هذا كان ابتزازا إقتصاديا لعرب الخليج الفارسي عبر رفع بطاقة “ايران فوبيا” لكي يتم بيع حجم كبير من السلاح البريطاني في المنطقة رغم عدم وجود ضمانات لقيام شراكة استراتيجية أو دعم بريطاني شامل لهؤلاء العربان.