عاصفة من نوع آخر تضرب لبنان .. ثورة الرغيف!
عاد الحراك اللبناني بعدما كانت التسوية السياسية التي أنهتْ 30 شهراً من الفراغ الرئاسي وأفضتْ الى تشكيل حكومةٍ ائتلافية أوحت بإنطلاقةٍ صلبة لمعاودة تعويم مؤسسات الدولة وتطبيع علاقة لبنان بالشرعيتيْن العربية والدولية واتباع سياسات تحمي البلاد من ارتدادات الصراع المفتوح في المنطقة، وخصوصاً في سورية.
وشهدت ساحة رياض الصلح وسط بيروت على مقربة من مقر رئاسة الحكومة، أمس، تظاهرة نظمها عدد من الأحزاب وجمعيات في الحراك ، وأجمع الخطباء فيها على إقرار سلسلة الرتب والرواتب من دون فرض ضرائب جديدة واتهموا النواب والوزراء بالفساد والهدر، ووجهوا إليهم كلمات نابية.
والتقى رئيس الحكومة سعد الحريري المتظاهرين مؤكداً «أن هذه الحكومة ستكون معكم وستقف إلى جانبكم ونحن سنحارب الفساد والهدر وسنوقفهما».
حاول الحريري أن يستوعب التأزم، وشدد أمام المتظاهرين الذين خاطبهم عبر مكبرات الصوت على ضرورة الحوار والتلاقي، داعياً إياهم إلى تشكيل لجنة للقائه، لكن موقفه قوبل بهتافات مضادة تخللها إطلاق هتافات معادية للطاقم السياسي في لبنان، في حين رمى بعض المتظاهرين عبوات بلاستيكية في اتجاه قوى الأمن.
وبحسب الأخبار الجلسة النيابية التي طارت الأسبوع الماضي، لم تكن وحدها السبب في إطاحة البحث في مصير سلسلة الرتب والرواتب. ذلك ان قرار تقديم ملف قانون الانتخابات، وضع الملف المالي جانباً.ما هو واضح حتى الآن هو أن رئيس المجلس النيابي نبيه بري مستاء للغاية من عدة امور، بينها طريقة تطيير نصاب الجلسة والفوضى التي قامت في غيابه، وبينها، ايضا، محاولة الحكومة رمي كرة النار الضرائبية في حضن المجلس النيابي.
وهو بات يطالب بأن تعود الحكومة لتضمّن مشروع السلسلة ضمن الموازنة العامة، وان تقوم هي بدورها ومسؤوليتها في اقتراح الايرادات المطلوبة لتغذية النفقات الجديدة.
ومع ان الضغط الشعبي حاضر في مناقشات الجميع، لكن يبدو ان ملف الموازنة العامة ومعه ملف السلسلة، سيبتعد الى وقت، قد لا يكون بعيدا جدا، لكن الاتفاق على بقية الملف وتفاصيله دونه عقبات كثيرة، أبرزها استمرار تمسّك تيار المستقبل والقوات اللبنانية برفض تحميل المصارف أي زيادة ضريبية.
لا شك في أنّ المشهد السياسي والشعبي اليوم يختلف عما شهدناه في صيف 2015، إبان الحراك المدني الذي فرض نفسه في الشارع، على خلفية أزمة النفايات، مع إفرازه سلسلة تحركات شعبية ومطلبية، الى حين خفت نجمه بعد فترة قليلة. اليوم، يختلف المشهد وإصطفافاته السياسية والإعلامية، التي لم تتبلور حتى هذه الساعة مع أول التحركات الشعبية في ساحة “رياض الصلح”، اعتراضاً على السياسة الضرائبية التي تثقل كاهل المواطنين/ات.
لعلها التظاهرة الكبرى، بعد تحركات مشابهة متفرقة دارت رحاها في الأيام السابقة في الساحة عينها، ومع ذلك، اختلفت التغطية التلفزيونية لها.
قنوات “المنار”، nbn، و”المستقبل” قاطعت هذه الساحة. وفيما لم تنقل mtv بداية الإعتصام، واكتفت بنقل قداس في مناسبة “عيد مار يوسف” في عينطورة، عادت وفتحت هواءها للمعتصمين/ ات، مع عبارة رنّانة في أسفل الشاشة “الشارع ينتفض”.
إذاً، يختلف هذا العام عن المشهدية السابقة، وتتداخل المصالح السياسية والإعلامية. في مقدمة نشرة أخبارها أمس، تبنت “المنار” كلام رئيس مجلس النواب نبيه بري، من إتهامه “مافيات المصرفية”، بتحريك النقاش الحالي ضد السلطة، وكذلك فعلت otv، بإعادة سرد ما قاله رئيس “التيار الوطني الحر”، جبران باسيل، من تضليل مفتعل للناس، تقوده الجهات نفسها التي اتهمها بري. مع ذلك، تنقل القناة البرتقالية حراك الشارع، وتستصرح ناسه. وبخلاف otv، تقطع “المستقبل” بثها عن “رياض الصلح”. لكن في خطوة تدل على التضعضع في سياستها، أكدت في نشرة أخبارها أمس أن “الوجع كبير جداً (..) والفقر يعمّ ولا يميّز بين طائفة وأخرى”، وأخذت تعدد مشاكل القطاعات الحيوية في الزراعة والسياحة والأسواق التجارية والعقارية.