طيف الـ88 يلوح في الأفق
منذ نحو عام كانت عملية إعادة تنظيم الجيش النظامي السوري وهيكلته في شكل يتلاءم مع طبيعة الحرب الدائرة قد اكتملت بمساعدة «حزب الله» صاحب الخبرة الكبيرة في حروب العصابات.
وُضعت ثلاثة أهداف تُشكّل أولوية للسيطرة عليها: ريف دمشق، خصوصاً المناطق المتاخمة لقلب العاصمة، القلمون وحلب.
وخلال النقاش الذي دار بين القيادتين السياسية والعسكرية لدى كلّ من سوريا و»حزب الله»، كان التفاهم على أولوية إبعاد تهديد المجموعات المسلحة المعارضة عن قلب دمشق. لكنّ تبايناً حصل حول الهدف الثاني.
ففيما كانت القيادة السورية تريد البدء بمعركة حلب نظراً للأهمية المعنوية والعسكرية التي ستشكّلها على الوضع الداخلي عموماً وعلى الاستحقاق الرئاسي خصوصاً، رأت قيادة «حزب الله» التي كانت بدأت تُعاني من السيارات المفخّخة والصواريخ والتفجيرات الانتحارية المترافقة مع الضغوط الإعلامية والسياسية للانسحاب من سوريا، أنّ معركة القلمون هي أكثر إلحاحاً من معركة حلب كونها تقطع التواصل بين المجموعات الإسلامية في كلّ من لبنان وسوريا، وتعيد في الوقت نفسه التواصل البرّي الآمن بين دمشق ومناطق الساحل السوري.
وبعد التفاهم على أهمّية معركة القلمون، كان القرار في انتظار فصل الشتاء كونه سيكون عاملاً مساعداً لحسم المعركة. ووُضعت روزنامة عسكرية تقضي بالسيطرة على كلّ القلمون قبل نهاية نيسان، على أن تبدأ فوراً خطة الهجوم على حلب بعد أن تكون المعارك المتفرّقة التي ستحصل خلال فصل الشتاء قد مهَّدت جيّداً لإنهاء المعركة نهاية أيار الجاري. وكانت النتيجة أنّ معركة القلمون انتهت قبل الموعد المحدَّد لها، لتبدأ المعركة الواسعة في حلب.
وعلى الرغم من أنّ تطوّرات ميدانية عدّة ظهرت فجأةً وعدّلت التاريخ الذي كان قد وُضع لإعلان السيطرة الكاملة على العاصمة «الاقتصادية» لسوريا، إلّا أنّ التوقّعات الجديدة تشير إلى أنّ معركة حلب ستُحسَم مع نهاية حزيران المقبل، في ظلّ وجود حالات تفكّك وتشرذم لدى المجموعات المعارضة، بما يتيح استثمار ذلك في الاستحقاق الرئاسي.
لا بل يشير الاعتقاد السائد بقوّة لدى القيادات العسكرية في سوريا و»حزب الله»، إلى وضع خطة ستؤدي إلى استعادة السيطرة على معظم الأراضي السورية (باستثناء بعض الجيوب) في مهلة أقصاها صيف 2015. وكلّ ذلك يحصل طبعاً في ظلّ مفاوضات كبرى تدور بين واشنطن وطهران، وعنوانها خريطة النفوذ في المنطقة.
وفيما تبدو أسبانيا ناشطة على خط التواصل الدائم والمباشر مع دمشق، باشرت الأوساط الفرنسية التحدّث جهاراً وللمرة الأولى عن التعارض القائم منذ اندلاع الأحداث في سوريا بين النظرة الديبلوماسية التي عبَّر عنها وزير الخارجية لوران فابيوس، وبين رؤية المؤسسات الأمنية والعسكرية التي عبَّر عنها بطريقة أو بأخرى المسؤول السابق للمخابرات الفرنسية سكوارزيني، في كتابه الصادر أخيراً.
والاعتراف علناً بهذا التعارض هو بمثابة الإقرار الضمني بخسارة الرهان الفرنسي الرسمي الذي تبنّى وجهة نظر الفريق الديبلوماسي. وذلك في وقت باشرَت السعودية تواصلها الصعب مع إيران، مع تسجيل انخفاض ملحوظ في نسبة التشنّج بين البلدين.
تحت كلّ هذه الأثقال يرزح الاستحقاق الرئاسي اللبناني، ما يؤشّر إلى أنّه ليس قريباً. وصحيح أنّ الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند يحاول استعادة بعض النقاط التي خسرتها بلاده في المنطقة من خلال إعادة إحياء دورها التقليدي في لبنان عبر التواصل مع النائب وليد جنبلاط الذي يستعدّ لزيارة باريس قريباً، إلّا أنّه يبدو متعثّراً في حركته في موازاة النشاط البريطاني الذي حقَّق اختراقات في التواصل مع «حزب الله» وبمباركة أميركية كاملة.
في اختصار، إنّ التطوّرات الإقليمية الحاصلة تزيد من ضبابية المشهد اللبناني، فيما التعاطي الداخلي يراوح ما بين «البراءة» في مقاربة هذا الملف، أو اللعب على طريقة «الصولد». وهنا مكمَن الخطورة وسط الصفقات الجاري تحضيرها في المنطقة.
وهو مشهد يذكّر كثيراً ببعض جوانب العام 1988 حين دخل المسيحيّون في حسابات «بريئة» ومبسّطة في نفق اللعبة الإقليمية الكبرى والمرعبة، وانتهوا بتدمير وجودهم وخسارة دورهم السياسي المميّز إلى الأبد. ما أقرب اليوم إلى البارحة.
صحيفة الجمهورية اللبنانية – جوني منير