طوفان الأقصى بين حرب إقليمية أو استنزاف للكيان
صحيفة الوطن السورية-
تحسين حلبي:
لم يحدث في تاريخ الحروب الاستعمارية وأكثرها وحشية، أن تصمت معظم دول العالم بطرق شتى على حرب تشنها قوة عسكرية إسرائيلية تعد سادس أو سابع قوة في العالم، على مليونين ونصف المليون من المدنيين المحاصرين منذ 16 عاماً داخل مساحة لا يتقاسم فيها الفرد مع الآخر سوى بضعة عشرات أمتار مربعة قليلة، فقطاع غزة يضم الكيلومتر المربع الواحد فيه أعلى كثافة سكانية في العالم.
ولم يسجل تاريخ الحروب في هذا العالم أن تطلب فيه حكومات ودول مثل الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا وألمانيا من إسرائيل الاستمرار بقتل المدنيين الفلسطينيين من الأطفال والنساء بأعداد ليست كبيرة بل بأعداد أقل بقليل من العشرين ألفاً الذين قتلهم جيش الاحتلال منذ السابع من تشرين الأول خلال 65 يوماً من القصف ومن دون أن تطلب هذه الدول تقليل نسبة الدمار التي بلغت 75 بالمئة من أبنية وبيوت مدن قطاع غزة ومخيماته.
وتزداد وحشية هذه الصورة حين تنضم اليابان التي ضربتها الولايات المتحدة بقنبلتين نوويتين عام 1945 على مدينتين ومن فيهما من المدنيين، ويعلن رئيس حكومتها أنه يطلب من حكومة إسرائيل تخفيض عدد من تقتله من النساء والأطفال الفلسطينيين بآلة الحرب الوحشية، أما المفوضية الأوروبية للاتحاد الأوروبي ومسؤول السياسة الخارجية جوزيب بوريل فيعترف علناً في 11 كانون الأول الجاري بجرائم الحرب الإسرائيلية من دون أن يطالب بإيقاف نيرانها قائلاً: «إن إسرائيل قتلت أعدادا هائلة من المدنيين وولدت بنيرانها دماراً في قطاع غزة يفوق الدمار الذي ولدته الحرب العالمية الثانية عام 1945 على المدن الألمانية»، ويكشف تقرير لمجلة «فايننشال تايمز» الأميركية أن «الدمار الذي ولدته الصواريخ والقذائف الإسرائيلية التي أسقطت على شمال قطاع غزة يشبه التدمير الذي أصاب في الحرب العالمية الثانية المدن الألمانية دريسدين وهامبورغ وكولون، ويكشف المؤرخ العسكري الأميركي روبرت بيب للمجلة نفسها أن «القذائف التي ضربت قطاع غزة من سلاح الجو الإسرائيلي تعد أكبر حملات القصف التاريخية».
ولا يحتاج هذا التدمير الجوي الوحشي طوال أكثر من ستين يوماً لأي دليل، لأن سلاح الجو الإسرائيلي كان يحلق فوق مناطق لا يملك فيها الفلسطينيون وفصائل المقاومة أي دفاعات جوية يخاف منها الطيارون أو تعرقل قصفهم الوحشي على النساء والأطفال، فقطاع غزة ليس لديه سوى مقاومة بطولية من فدائيين يحملون أسلحة فردية وقاذفات فردية ضد الدبابات ومنصات صواريخ، لا تنفع ضد الطائرات، ولا يستخدمون مركبات عسكرية للحرب البرية، ومع ذلك هزموا القوات المدرعة لجيش الاحتلال ودمروا عدداً من دباباته ودروعه وقتلوا أعداداً من جنوده في ميدان المعركة طوال أكثر من شهرين متواصلين.
في الاتحاد الأوروبي نفسه ثمة رئيسة له من ألمانيا هي أورسولا فون دير لاين، لا ندري إذا ما كانت قد أبدت الندم على وصفها لإسرائيل بأنها «أكثر دولة مبدعة حولت الأرض الجرداء إلى حضارة»، وهي تعرف أنها دولة الاحتلال التي تشن أبشع الحروب على كل شعوب المنطقة وتشبه كل الكيانات الاستعمارية الإفريقية الاستيطانية التي تقاسم المستوطنون الأوروبيون أراضيها بأوامر جيوش بريطانية وفرنسية وألمانية إلى أن شنت هذه الدول الثلاث حروباً ضد بعضها البعض لإعادة اقتسام المستعمرات في الحرب العالمية الأولى عام 1914.
وهل يصدق أحد أن الولايات المتحدة لا تستطيع أن تفرض على إسرائيل وقف النار وهي التي لا تساوي من دون الدعم الأميركي أي قيمة عسكرية أو سياسية، فقد لاحظ الجميع أن القطار الجوي والبحري الأميركي الذي حمل لإسرائيل عشرات الآلاف من أطنان الذخائر والمعدات الحربية هو الذي جعل آلتها الحربية تستمر بكل هذه الوحشية ضد مليونين ونصف المليون، كبد المقاتلون جيشها خسائر بشرية وهزائم واضحة في ميدان مستوطناتها داخل فلسطين المحتلة منذ عام 1948 وفي ميدان حرب المدن داخل قطاع غزة، بل صنع المقاتلون معجزة صمودهم وانتصاراتهم من دون أن تصلهم ذخائر وأسلحة من الخارج وهم محاصرون من دون ماء ولا كهرباء ولا اتصالات ولا وقود، وليس من المستغرب القول إنه لولا كل هذا الدعم الأميركي العسكري المكثف والسريع والمتواصل لتمكنت فصائل المقاومة من فرض وجودها داخل فلسطين المحتلة ومنع قوات الاحتلال من اجتياح القطاع، ويتساءل الخبراء في إسرائيل حول طبيعة نهاية هذه الحرب وهل ستكون واشنطن قادرة على تحمل استمرارها أمام الضغوط العالمية واحتمال تحولها إذا ما طالت إلى حرب إقليمية تمتد من جبهة جنوب لبنان إلى حدود الجولان وبغداد وطهران، فتتحول إلى جدول عمل دولي أميركي روسي صيني، ويرى هؤلاء أنها إما أن تتحول إلى نتيجة كهذه وإما أن تبقى حرب استنزاف بين الفلسطينيين ومعهم جبهة جنوب لبنان وبين إسرائيل لسنة أو ستة أشهر وفي الحالتين لن تنتهي إلا بهزيمة الكيان إذا لم تتوقف نيرانها خلال فترة أسبوع أو أسبوعين.