طعنات في الظهر
موقع إنباء الإخباري ـ
جعفر سليم*:
الطعنة في الظهر، أو “دولشتو سليغنده” بالألمانية، وهو مصطلح انتشر بشكل واسع بين الأوساط اليمينية في ألمانيا، بعد الحرب العالمية الأولى. ويذكر هذا المصطلح أن الجيش الألماني لم يهزم عسكرياً، بل تمت خيانته من الداخل، وأن القادة الألمان الذين عقدوا الصلح مع الحلفاء في تشرين الثاني من العام 1918 خانوا الجيش بذلك، وأدى إلى سيطرة اليهود والشيوعيين على مقاليد الأمور.
هذا في ألمانيا، أما في فلسطين، فحدّث ولا حرج عن الطعنات اليومية التي تعرّض ويتعرّض لها الشعب الفلسطيني ومقاومته وانتفاضاته المتتالية منذ العام 1936، قبل وبعد ثورة الشهيد الشيخ عزالدين القسام.
بعد احتلال الكيان الصهيوني للضفة الغربية وقطاع غزة وسيناء والجولان ومزارع شبعا في العام 1967، أصدر المجمع المقدس لطائفة الأقباط، (هيئة مسيحية عليا) موقفاً واضحاً وصريحاً لا لبس فيه يمنع فيه زيارة القدس المحتلة، وفيها أماكن مسيحية مقدسة. وقال حينها الراحل البابا شنودة إنه لن يدخل فلسطين إلا ويده في يد شيخ الأزهر، بل كان يعاقب أي مسيحي يتجرأ على السفر إلى الكيان الصهيوني ويمنعه من التناول، وهو طقس مسيحي مقدس.
وهذا الأمر تكرر بعد توقيع اتفاقية كامب ديفيد بين مصر والكيان الصهيوني ودفع البابا شنودة ثمناً لموقفه الرافض لها، وأمر الرئيس المصري الأسبق انور السادات بالتحفظ على 1531 من الشخصيات العامة القبطية. ولم يكن مصير البابا شنودة الاعتقال، وإنما كان تحديد الإقامة في دير وادي النطرون، واستمر لغاية العام 1985، ولم يتغير الموقف، بل زاد صلابة.
أذكر، وأثناء انعقاد المؤتمر القومي العربي في بيروت في فندق البريستول، أجريتُ مقابلة إذاعية مع البابا شنودة، وسألته بطريقة مباشرة، هل سيأتي يوم ويرفع فيها الحرم عن زيارة الأماكن المسيحية المقدسة في القدس؟ فأجاب بانفعال: لا وألف لا، إلا بعد تحرير فلسطين وقيام الدولة الفلسطينية.
مات الرجل الصلب في العام 2012، وانتخب خليفته البابا تواضروس، وذهب إلى القدس في الأسبوع الماضي للصلاة على المطران افراهام، الرجل الثاني حسب ترتيب أساقفة المجمع المقدس، معلناً أن الزيارة دينية فقط ، معتبراً أنها لا تمثّل أي خرق للقرار السابق، ولا أبعاد سياسية لها، ولهذا رفض التوجه إلى رام الله للقاء الرئيس محمود عباس، الذي يسعى جاهداً لمثل هذه الزيارة، التي تشكل برأيه ” دفعاً قوياً للاقتصاد الفلسطيني” في حين تعتبرها الكنيسة “عملية تطبيع مع إسرائيل التي تحتل القدس وأن الموقف لم يتغير منذ العام 1967”.
الإمارات العربية المتحدة سعت العام الماضي، بكل ما أوتيت من قوة، للفوز ـ وهذا ما حصل ـ باستضافة المقر الرئيسي للوكالة الدولية للطاقة المتجددة “إيرينا”، التي تضم 148 دولة، ومنها الكيان الصهيوني.
ويقول أمير دبي: “من دواعي الفخر لدولة الإمارات بناء شبكة دولية قائمة على أسس التعايش السلمي والاحترام المتبادل والمصالح المتوازنة “. وأعلنت وزارة الخارجية الصهيونية عن عزمها على افتتاح مكتب لها في عاصمة الإمارات، التي أكدت بدورها أن اتفاق وكالة إيرينا “لن يغيّر موقفنا تجاه اسرائيل”.
إلا أن التعايش السلمي الذي يتحدثون عنه أودى بحياة أكثر من مئة شهيد فلسطيني خلال الشهرين الماضيين، على أيدي الجنود الصهاينة، تنفيذاً لأوامر القيادة الصهيونية التي انتدبت رامي حاتان رئيساً للممثلية، مع الإشارة إلى أن حاتان أنهى خدمته العسكرية كجندي في الجيش، وعمل سابقاً مع جهاز الموساد، وللتذكير فقط فأن الهدف الرئيسي للجندي الصهيوني، هو العربي عموماً والفلسطيني خصوصاً.
خلاصة القول إن شعب فلسطين اعتاد على الطعن في الظهر.. ولكنه اعتاد كذلك على أن يطعن عدوه في الصدر.. غير آبه بخنجر الأخ في الظهر.
* عضو اتحاد كتاب وصحافيي فلسطين