طريق تقييد الأسلحة النارية في الولايات المتحدة لا يزال شائكا بعد عام عاصف بالعنف
وكالة أنباء الصين الجديدة ـ شينخوا:
تصدرت مشاهد تدمي القلوب في أعقاب حوادث قتل جماعية العناوين تكرارا في الولايات المتحدة عام 2018، حيث كان العنف بالأسلحة النارية لا يزال مستشريا في جميع أنحاء البلاد على الرغم من احتجاجات الجماهير.
فقد شوهد الناس المذعورين يفرون في جميع الاتجاهات، ورجال الشرطة المدججين بالسلاح يقفون بأعلى قدر من اليقظة، والدموع تتلألأ وسط الشموع في الوقفات الاحتجاجية، ورجال الساسة يقدمون التعازي، لكنهم كانوا خجولين من إتخاذ إجراءات.
ووفقا لأرشيف العنف بالأسلحة النارية، وهي منظمة غير ربحية تتعقب أعمال العنف بالأسلحة النارية في الولايات المتحدة، وقع أكثر من 56 ألف و800 حادثة إطلاق نار في 2018، أخذت أرواح أكثر من 14 ألف و600 شخص، وإصابة نحو 28 ألف آخرين — في انخفاض طفيف مقارنة بعام 2017 لكن المعدل لا يزال مرتفعا جدا.
وفي المتوسط، قتل 40 شخصا بالأسلحة النارية يوميا في الدولة نتيجة لصراعات شخصية أو حروب عصابات أو هجمات إرهابية أو حوادث إطلاق نار جماعية في مكان عام. وبلغ عدد الضحايا دون 18 عاما قرابة 3500.
هجمات هي الأكثر دموية
من حيث إطلاق النار الجماعي، والذي يعني بشكل عام إطلاق النار على أربعة أشخاص أو أكثر، تبين أن العديد من الهجمات التي سجلت في 2018 كانت من بين الأكثر دموية في تاريخ الولايات المتحدة الحديث.
وفي يوم عيد الحب، فتح نيكولاس كروز 19 عاما، وهو طالب سابق بمدرسة ماجوريتي ستونمان دوغلاس الثانوية في باركلاند، بولاية فلوريدا، النار في حرم المدرسة ببندقية هجومية، موديا بحياة 17 طالبا ومعلما في غضون 6 دقائق و20 ثانية.
وبعد 3 أشهر في سانتا في بتكساس، قتل مراهق يبلغ من العمر 17 عاما 10 أشخاص وأصاب مثلهم بمسدس وبندقية عيار 38 في مدرسة سانتا في الثانوية، على بعد 54 كم جنوب شرقي مركز مدينة هيوستن. وكان العديد من الضحايا يحضرون بعض الدروس مع مطلق النار وقتها.
وفي أكتوبر، وقع حمام دم في معبد يهودي في بترسبرغ بولاية بنسلفانيا بعد قيام روبرت باورز 46 عاما بقتل 11 شخصا وإصابة 6 آخرين في مراسم تسمية طفل صباح يوم سبت هادئ. واستخدم الرجل بندقية هجومية من طراز أيه آر-15 و3 مسدسات غلوك 357 في هجوم اعتبر من بين أعنف الهجمات التي استهدفت المجتمع اليهودي في الولايات المتحدة.
وفي نوفمبر، فتح إيان دافيد لونغ، الذي خدم في رتبة عريف سابقا بمشاة البحرية الأمريكية، النار على ملهى “بوردرلاين بار أند غريل” الليلي في ضاحية ثاوزاند أوكس، التي تبعد حوالي 64 كم عن شمال غربي لوس أنغليس، مستخدما مسدس غلوك.45 وشريط ذخيرة إضافي. وقتل في الهجوم 13 شخصا وأصيب 11 آخرون معظمهم من طلاب الجامعة.
وبغض النظر عن الدوافع والحالة العقلية للمهاجمين، بدا أنهم اختاروا الأسلحة النارية كسلاح لتنفيذ جرائمهم من أجل تعظيم الضرر، وفضلوا بشكل خاص الأسلحة شبه الآلية التي يمكن امتلاكها قانونا في العديد من الولايات الأمريكية.
جدل غير مثمر
أصبحت الأسلحة النارية جزءا لا يتجزأ من الثقافة الأمريكية منذ تأسيس الدولة. ووفقا لدراسة استغرقت عقدا أصدرها معهد الدرسات الدولية والإنمائية في جنيف في يونيو 2018، فإن مواطني الولايات المتحدة، الذين يشكلون 4 بالمئة فقط من سكان العالم، يمتلكون حوالي 40 بالمئة من مجموع الأسلحة النارية في العالم.
وعلى الرغم من انتشار العنف والمآسي المرتبطة بالأسلحة النارية على نطاق واسع، إلا أن السيطرة على الأسلحة النارية ظل واحدا من أكثر القضايا الخلافية بين الأمريكيين مع ميزة حزبية متفردة. وتظهر استطلاعات الرأي أن الديمقراطيين يدعمون بشكل عام السيطرة على الأسلحة النارية، في حين أن الغالبية الواسعة من الجمهوريين هم من المتشددين في مجال حق السلاح، مستشهدين بالتعديل الثاني من الدستور الأمريكي كدليل على حقوقهم غير القابلة للإنكار.
وفي السنوات الأخيرة، عادت المناقشات حول قوانين الأسلحة النارية إلى الواجهة عدة مرات في أعقاب مذابح قتل جماعية من العيار الثقيل، وخاصة بعد حادث مدرسة ساندي هوك للتعليم الأساسي الذي أسفر عن مقتل 20 طفلا، ومذبحة لاس فيغاس عام 2017 التي أودت بحياة 59 شخصا وأكثر من 400 مصاب.
مع ذلك، لم يتحقق تقدم يذكر من قبل إدارة الرئيس باراك أوباما أو إدارة الرئيس دونالد ترامب في هذا المجال، إما بسبب الفشل في الحصول على الدعم اللازم في الكونغرس أو غياب الإرادة السياسية.
وقال جون تايلور، أستاذ العلوم السياسية بجامعة سانت توماس في هيوستن بولاية تكساس، “للأمانة، لن تنته الأسلحة النارية. لن نشهد أبدا سيطرة صارمة عليها في الولايات المتحدة”.
وبرر تايلور وجهة نظره قائلا لوكالة ((شينخوا)):”جزء من ذلك يعود إلى التعديل الثاني لأن المحكمة العليا الأمريكية قضت بشكل مستمر على مدى نحو 130 عاما بأن الدولة لا تملك حق تقييد ملكية واستخدام الأسلحة النارية”.
وأضاف:”ما يحدث سياسيا هو أننا نقابل في كل مرة نفس العقلية، نعم هذا أمر فظيع، نعم هذه مأساة، نعم لابد من القيام بشئ، وبعد أسبوع أو اثنين يحدث شئ آخر يخطف اهتمامنا. قضية الأسلحة النارية تتراجع. لم تكن أبدا قضية في الحملات الرئاسية، طُرحت لكن لم تولى الاهتمام من قبل أي أحد أكثر من حوادث القتل الجماعي”.
وقالت كيلين هانتر، نائبة رئيس البرامج في حملة برادي ومركز منع العنف بالأسلحة النارية، وهي منظمة غير ربحية مكرسة لمكافحة أعمال العنف باستخدام الأسلحة النارية، إن المشكلة ترجع أيضا إلى عرقلة جماعات الضغط التي” تملأ الدنيا صخبا من أجل منع تمرير أي تشريع ذي مغزي يمكنه منع الأسلحة النارية في الكونغرس”.
وأضافت هانتر في مقابلة مكتوبة لوكالة ((شينخوا)) إن” جماعات الضغط اُختطفت من قبل مصالح الشركات التي تعظم أرباحها من زيادة مبيعات الأسلحة. فقد وضعوا الكثير من الأموال لمنع تمرير تشريع ذي معنى”.
–إجراءات وأمل
مع ذلك، شهد عام 2018 نشطاء كثر يدافعون عن تقييد الأسلحة النارية، ولاسيما بين الشباب الصغار، الذين انزعجوا من حوادث إطلاق النار الجماعية في المدارس، فوقفوا ضد تقاعس السياسيين ودفعوا من أجل إحداث بعض التغيرات الحقيقية.
وتحت قيادة ناجين من مذبحة باركلاند، تجمع مئات الآلاف من الأمريكيين معظمهم من المراهقين في العاصمة واشنطن في “مسيرة من أجل أرواحنا” يوم 24 مارس.
وتدفقت حشود المحتجين الغاضبين حاملين لافتات” لا مرة أخرى” و”هل أنا التالي؟” إلى شارع بنسلفانيا، الذي يربط بين البيت الأبيض ومبنى الكابيتول (الكونغرس)، داعين إلى قوانين أكثر صرامة لضمان أمن المدارس وحماية مستقبل البلاد.
وقالت يولاندا بيني كينغ 9 أعوام، حفيدة مارتن لوثر كينغ، للحشد، “لدي حلم ..كفى ذلك.. هذا يجب أن يكون عالما خاليا من الأسلحة النارية”.
في الوقت نفسه، نُظمت حوالي 800 مسيرة في عدد من المدن الأمريكية من الساحل الى الساحل. وفي نيويورك، انضم عضو فريق البيتلز السابق بول ماكارتني إلى مسيرة توقفت عند نصب “سينترال بارك” التذكاري الذي يخلد رفيقه في الفرقة جون لينون، الذي قتل بإطلاق نار في هذه المنطقة في عمل عنيف بالأسلحة النارية عام 1980. وقال مكارتني لـ((سي أن أن))” هنا قتل واحد من أفضل أصدقائي في عنف بسلاح ناري”، مشيرا إلى لينون.
وتمخض عن الحدث بروز عدد من النشطاء الطلاب أشادت بهم وسائل الإعلام الأمريكية المؤيدة لفرض القيود على حيازة الأسلحة النارية كممثلين لجيل جديد في الدولة يمكن أن يحدث فرقا.
كما تحقق تقدم إيجابي على مستوى الهيئات التشريعية للولايات. ووفقا لتقرير حديث نشره مركز غيفوردز للقانون، تم سن 67 قانونا جديدا فيما يتعلق بالسيطرة على الأسلحة النارية في 2018 في 26 ولاية والعاصمة واشنطن، ما يزيد بـ 3 أضعاف مقارنة بالعام السابق.
وتشمل اللوائح الجديدة رفع الحد الأدني للسن القانونية لشراء الأسلحة النارية وحظر الأسلحة الشبحية ونزع سلاح المعتدين المحليين بين لوائح أخرى.
وقالت هانتر:” أن بعض الأعضاء المنتخبين حديثا للكونغرس بدأوا يركضون على القضية وفازوا”، مضيفة ” من إفرازات انتخابات التجديد النصفي الماضية في 2018 أن القضية لم تعد محظورة أو منسية”.
وقد وصف تقرير مؤسسة هانتر ” برادي 2018: التقرير الانتخابي الوطني” انتخابات التجديد النصفي للعام 2018 بأنها” انتصار كبير” لمستقبل منع العنف بالأسلحة النارية.
غير أن “مسيرة من أجل أرواحنا” وقوانين الولايات لم تمنع وقوع مآسي إطلاق نار جماعية جديدة من الوقوع، بما في ذلك ما حدث في سانتا في وبترسبرغ وثاوزاند أوكس.
وعلى الرغم من وجود مؤشرات جيدة تدعو إلى الأمل، إلا أن الطريق إلي تقييد فعال للأسلحة النارية في الولايات المتحدة لا يزال طويلا وشائكا.