طريق التنمية العراقي ومفاتيح الترتيبات الاقتصادية
موقع العهد الإخباري-
عادل الجبوري:
في كلمته بمؤتمر طريق التنمية الذي احتضنته العاصمة العراقية بغداد في السابع والعشرين من شهر أيار-مايو الماضي بمشاركة عشر دول الى جانب ممثلين عن الاتحاد الأوروبي والبنك الدولي، حدد رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني الخطوط والمبادئ العامة لمشروع طريق التنمية الاستراتيجي، أو ما يعرف بـ”القناة الجافة”، بقوله:
– إنّ طريق التنمية بما يحمله من منصّات للعمل، وقيمة مضافة للنواتج القومية والمحلية، ورافعات اقتصادية، هو خطةٌ طموحة ومدروسة لتغيير الواقع نحو بنية اقتصادية متينة.
– إن المشروع ركيزة للاقتصاد المستدام غير النفطي، وعقدة ارتباطٍ تخدم جيران العراق والمنطقة.
– بهذا المشروع الواعد، سينطلق العراق نحو شراكات اقتصادية رصينة، تجعل بلدان المنطقة مصدّرة للصناعات الحديثة والبضائع.
– تم التأسيس لمؤتمر طريق التنمية عبر تفاهمات بناءة مع قادة وزعماء البلدان الشقيقة والصديقة للعراق.
لا شك أن مجمل ما قيل في أروقة المؤتمر وخارجها، أشار بوضوح الى أن طريق التنمية ينطوي على أبعاد اقتصادية مهمة ومتشعبة وذات طابع استراتيجي بعيد المدى، لا يقتصر على العراق، وإنما يمتد إلى مساحات وميادين أوسع وأشمل وأكبر، فذلك المشروع الذي يفترض أن يتم الشروع بالعمل به في عام 2025، أي بعد حوالي عامين، ستكتمل المرحلة الأولى منه عام 2028، والمرحلة الثانية في عام 2038، بينما تنتهي مرحلته الثالثة والأخيرة في عام 2050، وهذا فيما اذا سارت الأمور وفق ما هو مخطط له، من خلال توفير رؤوس الأموال المطلوبة، إذ تقدر بعض الأوساط المختصة أن تبلغ كلفة مشروع طريق التنمية ما يقارب العشرين مليار دولار، وذلك شيء طبيعي جدًا، باعتبار أن المشروع يتضمن مدّ شبكة سكك حديدية بطول 1200 كم، ابتداء من ميناء الفاو الكبير في محافظة البصرة جنوب العراق، حيث يمر بثلاث عشرة محافظة، حتى منفذ الفيشخابور الحدودي مع تركيا وسوريا التابع لمحافظة دهوك في اقصى الشمال.
والى جانب شبكة السكك الحديدية، يفترض انشاء طريق بري موازٍ. وعلى امتدادهما سوف يصار الى انشاء محطات لتوليد الطاقة الكهربائية والعديد من المؤسسات الخدمية والترفيهية، والمنشآت الاقتصادية الصناعية والزراعية، والمجمعات السكنية، وبالتالي توفير فرص العمل بشتى المجالات. وقدرت جهات حكومية وغير حكومية، تشغيل حوالي مائة ألف شخص في المرحلة الأولى للمشروع، ومن ثم يتزايد العدد ليصل إلى ما يربو على مليون شخص في المرحلة الأخيرة. وكما قال مستشار رئيس الوزراء العراقي لشؤون النقل ناصر الأسدي “إن مشروع طريق التنمية يعد العصب الجديد للاقتصاد العراقي، وانه سيتضمن موانئ ومدنًا صناعية وسكنية جديدة، إضافة إلى المطارات، وأن تنفيذه سيكون باتجاه الصحراء بهدف استصلاح الأراضي للزراعة والصناعة والتجارة”.
إلى جانب ذلك، فإنه سينقل سنويًا آلاف الأطنان من السلع والبضائع من وإلى آسيا وأوروبا، وكذلك ملايين الأشخاص ضمن حدود الجغرافيا العراقية وخارجها بواسطة القطارات ووسائل النقل البري الأخرى، وسيقلص فترة نقل السلع والبضائع بين الخليج وأوروبا من ثلاثة أسابيع إلى أسبوعين. وفي اطار ذلك كله، فإن طريق التنمية سوف يعزز الدخل القومي العراقي بحوالي أربعة مليارات دولار وربما أكثر مع مرور الوقت.
ومثلما حصل في الماضي البعيد، حينما تغير العديد من مسارات التجارة العالمية في ظل ظروف ومراحل زمنية مختلفة، فإن طريق التنمية يمكن أن يكون واحدًا من المسارات الجديدة التي تأتي في سياق تطوير الاقتصاد وتعزيز آفاقه، وتسريع وتحديث أدواته، ولعل كل الذين تحدثوا في المؤتمر من وزراء نقل أو ممثلين لمنظمات دولية، تطرقوا الى تلك الحقائق والمفاهيم، دون أن تغيب بعض التساؤلات حول مدى التقاطع أو الانسجام بين طريق التنمية وطريق الحزام والحرير الصيني الاستراتيجي، لا سيما مع غياب بكين عن المؤتمر، تلك التساؤلات التي أجاب عنها بطريقة أو بأخرى السفير الصيني في بغداد “تسوي وي” خلال لقائه الأخير مع رئيس الوزراء العراقي، حينما قال “إن مشروع التنمية الاستراتيجي العراقي يعد مكمّلًا لمشروع الحزام والطريق الصيني، وإن هذا المشروع مهمّ جدًا للعراق، وسيكون طريق السلام والازدهار في المنطقة، وإن القيادة الصينية حريصة على استدامة أفضل العلاقات مع العراق، في مختلف ميادين التعاون والشراكة”. وأعرب السفير الصيني عن رغبته في الاطّلاع على دراسة الجدوى الاقتصادية للمشروع، واستعداد الصين لتقديم المشورات الفنية لإنجازه.
ولا يبدو أن الصين المنفتحة اقتصاديًا على المنطقة، كجزء من سياساتها وتوجهاتها الاقتصادية العالمية، تعارض أو تتوجس من مشروع طريق التنمية العراقي، الذي يحلو للبعض أن يسميه “طريق الحرير العراقي”، لأنه في النهاية ينسجم مع مجمل سياساتها وتوجهاتها الاقتصادية، ومع طبيعة حضورها وعلاقاتها الايجابية مع مختلف دول المنطقة، وأكثر من ذلك، مصالحها الواسعة في العراق، مضافًا إلى أنها يمكن أن تضطلع بدور كبير في المشروع عبر زج شركاتها الرائدة بالمساهمة في انجاحه، وبالتالي تعزز من تواجدها وحضورها، والذي يعني بمجمله تهيئة ارضيات اوسع وظروف افضل لانجاح مشروع الحزام والطريق.
ومما لا خلاف عليه هو أن الظروف والعلاقات السياسية والأوضاع الأمنية، غالبًا ما تشكل مقدمات أو مداخل ومفاتيح للمشاريع الاقتصادية الكبرى، فعلى سبيل المثال، لم ينجح مشروع الشرق الأوسط الكبير برؤيته الاقتصادية الذي تبنته وروجت له “اسرائيل” قبل أكثر من عقدين من الزمن، لأن مقدماته وأرضياته السياسية وحتى العسكرية لم تكن آمنة، وكذلك فإن مشروع الوحدة الأوروبية الذي نجح لفترة غير قصيرة يبدو الآن مهددًا بقوة جراء تفاعلات وتداعيات الحرب الروسية الاوكرانية، ناهيك عن أن القوة العالمية الأكبر ألا وهي الولايات المتحدة الاميركية، راحت تتراجع وتتخبط وتنشغل بأزماتها ومشاكلها في ظل عجز متنام عن مجاراة خصومها الكبار على المسرح العالمي.
وهنا يمكن القول إن نجاح مشروع طريق التنمية مرهون الى جانب حسابات المصالح الاقتصادية، بطبيعة العلاقات والروابط السياسية لأطراف المحيط الجغرافي والاقليمي مع العراق، فضلًا عن مقدار الاستقرار السياسي الداخلي. وهنا من اليسير جدًا على أي مراقب موضوعي ان يكتشف الفارق الكبير جدا بين المشهد العراقي الراهن والسابق، بحيث إن العراق تحول من بيئة سياسية وامنية طاردة الى بيئة سياسية وأمنية جاذبة، ولعل المؤتمرات والملتقيات والمهرجانات والفعاليات الدولية والاقليمية التي احتضنها خلال الأعوام القلائل الماضية خير شاهد ودليل على ذلك، فضلًا عن الحراك السياسي والدبلوماسي الفاعل بين العراق ومحيطه الاقليمي وعموم الفضاء العالمي، وكل هذا ما كان له أن يتحقق لولا الانتصار على الارهاب، وتحقيق مستوى مقنع جدًا من الاستقرار الأمني، الذي بات يدركه ويستشعره الجميع في داخل العراق وخارجه.