طردتم السفير السوري.. فماذا عن السفير الاسرائيلي؟
يُظهر القادة والحكومات العربية عجزا مدهشا، وهنا في جسد الحركة السياسية، وكساحا يصيب الهيكل العظمي الذي يفترض أن تقوم عليه مواقف، تعكس عضلاته بنية وصورة شخصية هؤلاء، حين يتعلق الأمر بالعدوالاسرائيلي؛ لا يلوون على شيء، استكانة تبلغ احيانا كثيرة قاع الذل والهوان؛ لكن إذا اتصل الخلاف بشقيق عربي، ترتفع هامة هؤلاء، وتمسك قامتهم بباب سماء الكبرياء والجبروت، وتتفجر براكين الغضب ترمي في كل اتجاه بمواقف حمما، يتلف كل روابط الأخوة، ويصهر جميع حبال التواصل التي طالما فتلتها بقوة علاقات تاريخية مشتركة واجتماعية ودينية.
ومن بين الصور الدرامية لسلوك بعض القادة العرب، وما أكثرها في الربع القرن الماضي، والتي باتت محط تندر المواطنين بعد أن كانت تحظى بشي من الاستهجان والسخرية، الحركات البهلوانية المنفلتة حيال الأزمة السورية المصطنعة، وأكثر المواقف تعرية لهبل السياسة العربية، تلكم التي تم خلالها طرد سفراء سورية، بأسلوب لا يبتعد عن عرض “هيلك العجيب (L’ incroyable Hulk)، ذلكم الكائن الغريب في فيلم أمريكي، الذي يتحول عند حالة الغضب، لعملاق بشري لا يقف في وجه بنيته الجسدية أي كائن.
ما يزيد عن ثلاثة عقود، والشعب المصري يعبر بكل الألسن والأدوات، وعبر كل الوسائل الممكنة والمتاحة، وفي محطات عديدة عبر مظاهرات حاشدة، عن طلبه بضرورة طرد سفير العدوالاسرائيلي من القاهرة، ويرتفع صوت الشعب المصري الأصيل بقوة تسمع كل أركان المجرة، عند وقوع اعتداءات سافرة من قبل العدووما أكثرها، لكن النظام المصري لا يستجيب للمطلب الذي يقوم عليه اجماع الشعب، تحت ذريعة الحكمة السياسية ومقتضيات العلاقات الدبلوماسية، والمصالح العليا للوطن، وغيرها من عبارات فضفاضة مطاطة لا نعلم لها أي معنى محدد، ثم يسترسل في تعال اصطناعي مقزز في تقديم دروس خاصة، حول فنون ادارة الصراع وما تستدعيه من حنكة ودهاء وما الى ذلك من هراء، يعرض على انه قواعد لا يرقى لفهمها ومعرفة أبعادها إلا الراسخون في العلم، تخفت جذوة الغضب الشعبي شيئا فشيئا ثم تستعر ثانية مع كل استفزاز من العدو الاسرائيلي؛ ثلاثة عقود ولم يستجب النظام المصري لمطلب شعبه فضلا عن كونه مطلب الأمتين العربية والاسلامية، وكان عزاء البعض موهما نفسه، بأن النظام الحاكم غير شرعي وهو دكتاتوري، ويمنّي نفسه بتغير الأوضاع، وتغيرت بالفعل وجاء نظام منتخبة قيادته، لكن المفاجأة أنه كذلك أعرض عن المطلب الشعبي، بل مطلب رموزه هو أيام كانوا في المعارضة، وأسقط شعاراته التي كان يرفعها وكمم مزاميره، بل ذهب تحت حجة الأعراف الدبلوماسية بتهنئة العدو الاسرائيلي بمناسبة عيد استقلاله، نعم لقد نال العدو استقلاله من المحتل العربي، وتحديدا تحرر من نير استعمار الشعب الفلسطيني، حقيقة صورة مذهلة وموقف عجيب؛
يقول وزير خارجية السيد محمد مرسي، بأنه اتصل بالسيد وليد المعلم 2013/06/13 للاتفاق حول تشكيل لجنة رباعية تضم طهران لمعالجة الأزمة، وذلك بطلب من الرئيس محمد مرسي، ليفاجئ يوما واحدا بعد المكالمة، وعبر التلفزيون بأن الرئيس أعلن قطع العلاقات مع سورية وطرد السفير، فيما سمي دجلا مؤتمر الأمة المُتوهمة لدعم الثورة المصنعة في سورية؛ كان قبل هذا بأيام قليلة لقاء جمع بين رئيس التحرير السيد عبد الباري عطوان والرئيس مرسي، أعرب فيه الأخير عن مراجعة مصر لموقفها من دعم “الثورة” في سورية؛ وهكذا جاء قرار طرد السفير السوري من القاهرة ارتجاليا في حركة بهلوانية لا تحمل أدنى درجات المسؤولية والوعي السياسي، فضلا عن خروجها على كل القواعد الدبلوماسية المعمول بها؛ كم كان المرء يرجو موقفا مشابها حيال سفير العدوالاسرائيلي، وفخامة الرئيس يرفع صوته بأعلى الطبقات في قاعة ألعاب رياضية، يعلن بحزم غلق السفارة الاسرائيلية؛ لا جرأة هنا ولا شجاعة ولا قوة ولا حول، رئيس لا يعلم قواعد اللعب في بلده ولا يرى حتى لأقرب أيام مستقبله الذي انتهى شهرا بعد هذا الموقف الجبار، كيف يمكنه أن يرى قواعد اللعبة في الشرق الاوسط كله؟ وأنى له أن يبصر نهايات الصراع في سورية؛ نعم أسخر من هذه الحالة العفنة المتردية، لأن ارشيف المقالات يحتفظ يومها بمقال للكاتب، دعوت فيه الرئيس مرسي للنظر أولا الى مواطئ قدميه.
ولكن البارحة موقف آخر يدعو للسخرية من العبط والعبث السياسي العربي، في الاردن العزيز لطالما رفع كذلك أشرافه الصوت عاليا، بضرورة طرد سفير كيان العدوالاسرائيلي، لا تختلف الصورة كثيرا عن حالة مصر، وكانت آخر حركة احتجاجية شعبية ورسمية في 2014/02/26 حين صوت جميع نواب البرلمان (كما تزعم الحكومة الأردنية) الحاضرون وهم 86 لصالح مذكرة طرد سفير العدوالاسرائيلي، المطلب شعبي ورسمي والاسباب بالغة الخطر والاهمية، فهي تعني مدينة القدس والمجسد الأقصى، ضُرب بالمطلب وأصحاب عرض الحائط، وفوجئنا البارحة بقرار من معالي وزير الخارجية الأردني بدل تلبية مطالب شعبه ومطالب الأمتين العربية والاسلامية، يأمر بطرد سعادة السفير السوري، بحجج لا يستقيم ظلها في عقل سوي، لكون عودها في الأصل أعوج.
هنا لست أدافع عن السفير السوري اللواء بهجت سليمان، وإنما أستعرض الطرق المعتمدة لدى أنظمة عربية في طرد سفراء سورية، والحجج والأساليب الخارجة عن كل الأطر والأعراف الدبلوماسية، فضلا عن خطورة التداعيات التي تدفع ثمنها الشعوب وليس وزراء الخارجية والسفراء، هذه هي الحقيقة، الشعب التونسي وكثير من العائلات تدفع ضريبة قرار الرئيس المؤقت المستديم السيد منصف المرزوقي، دون أن يقدم حلا موضوعيا وعمليا لمشاكلهم، ذات الامر ينسحب على العائلات السورية التي شرّدتها هذه الحرب المدعومة من قبل حكومات عربية.
نجح بعض العرب مع الأسف الشديد في قطع علاقاتهم بسورية، في حين يسعون باجتهاد علني لربط علاقات مع العدو الاسرائيلي، كم هو محزن أن نرى رايات العدو الاسرائيلي ترفرف في عواصم عربية عالية تشق سماء كرامتها، وأعلام سورية تُنكس كأنما تعلن حدادا على موت هذه الأمة، ونفوق وعيها. هذه مجرد نفثة مصدور، وسأعود للموضوع بحول الله تفصيلا، بخصوص الاسباب الفعلية والنتائج الوخيمة المتربة عن مثل هذه القرارات الارتجالية العبثية.
رأي اليوم – اسماعيل القاسمي الحسني