ضباط الاستخبارات الصهيونية يرسمون خريطة التهديدات في المنطقة: حزب الله أصبح بحقّ درع لبنان
أجرت صحيفة “اسرائيل هيوم” مقابلة مع عدد ممّن يسمّون “مسؤولي الساحات المختلفة” في شعبة الاستخبارات العسكرية الاسرائيلية (أمان)، الذين قدّموا خريطة للتهديدات التي يواجهها كيان العدو والفرص والسيناريوهات التي تتوقعّها “اسرائيل” من حزب الله الى سوريا وإيران والضفة الغربية وغزة وانتهاءً بمصر والسعودية وتركيا.
ويقسّم هؤلاء المسؤولين الذين تمتنع الرقابة العسكرية عن نشر أسمائهم وفق نظامهم الداخلي، الخريطة الى محاور وفق الآتي:
حزب الله
من يعرف بـ”مسؤول ساحة لبنان” في الاستخبارات العسكرية الاسرائيلية قال إن “حزب الله دفع في حرب سوريا ثمنًا باهظًا أكثر مما كان معروفًا حتى الآن: نحو 1300 قتيل، ونحو 10 آلاف جريح. وعلى الرغم من هذه الاعداد، يواصل التنظيم التدخل لمساعدة قوات الاسد.. هناك نحو 7 آلاف مقاتل من حزب الله يشاركون في الحرب، والعلامة العملياتية التي تُعطى لهم عالية، فقد انتصروا في معظم المعارك التي شاركوا فيها”.
وأضاف الضابط “لقد وضعت الحرب في سوريا حزب الله في الجانب الصحيح، فلأول مرة أصبح بحقّ درع لبنان، لقد حقق التنظيم ما لم يكن له في الماضي: تجربة قتالية هامة، في أطر كبيرة، بما في ذلك استخدام وسائل متطورة كالطائرات غير المأهولة. ومن جهة أخرى، وُضعت له أثقال جسيمة، نفقاته ارتفعت جدًا في أعقاب القتال، كنتيجة للحاجة لدفع معنويات المقاتلين، وتمويل الجرحى
وعائلات القتلى.. هذا العبء وقع بالتوازي مع تقليص 10 إلى 15 في المئة من ميزانيته، نتيجة الضائقة الاقتصادية في إيران. ويبدو ضرره واضحا أساسًا في الإنفاق الجاري، ويقدر أقل في التعاظم. فعلى الرغم من القتال والخسائر والتقليصات، يحافظ حزب الله بعناية على مبنى قوته العسكرية استعدادًا لمواجهة مع “اسرائيل”.
وتابع الضابط “بعد سنوات استثمر فيها الصواريخ بالكميات، يركز حزب الله الآن على النوعية. صواريخ للمدى البعيد، دقيقة، ومع رأس متفجر كبير يضمن ضررًا أقصى. وهذا يهدف الى جباية ثمن كبير من “اسرائيل” في الحرب التالية، وبالمقابل ردعها من الدخول الى حرب كهذه لعلمها بالثمن الذي ستدفعه.. إن حزب الله يلخّص بايجابية العقد الذي انتهى منذ حرب لبنان الثانية. فقد نما، تعاظم، وبنظره يردع “اسرائيل”.. بعد سنوات من التجلد على جملة الأعمال المنسوبة لـ”اسرائيل”، عاد ليرد على ما يعتبره مسًّا بذخائره أو بمكانته. ومع أنه مستعد لأن يمتصّ الضربات، شريطة ألّا يحرج؛ ففي اللحظة التي تنشر فيها الامور وتتضرر مكانته، يضطر الى الرد بل ومستعد لأخذ المخاطر. وهو يفعل ذلك رغم أن لا مصلحة له في مواجهة واسعة مع “اسرائيل”، وعليه يحرص على أن يكون رده في إطار “قواعد اللعبة في مزارع شبعا، وضد أهداف عسكرية – ولكن التخوف هو أن يؤدي تواصل الضربات المتبادلة الى دينامية تصعيدية وفقدان السيطرة وتدهور الوضع في الشمال”.
وفي هذا السياق، استشهد الضابط بما حصل في السنة الماضية عندما كان يعتقد أن مثل هذا التصعيد سيأتي بالذات من هضبة الجولان، عندما حاول حزب الله اقامة قاعدة متقدمة هناك تسمح له بتنفيذ العمليات ضد “اسرائيل” من غير الحدود اللبنانية، ولكن الضربة للشبكات وقادتها، التي نُسبت لـ”اسرائيل”، أدت الى اجتثاث هذا الجهد. صحيح حتى اليوم أن هناك انشغالًا أقل لحزب الله وإيران في هضبة الجولان، لكن الواقع يمكن أن يتغير بسرعة”.
سوريا
بدوره، قال من يُعرف بمسؤول الساحة السورية في الاستخبارات العسكرية الاسرائيلية إن “المساعي الدولية لإنهاء القتال في سوريا أدّت الى تغيير في التقدير الاستخباري الاسرائيلي: فقد جرى الحديث حتى الآن عن حرب ليس لها أفق ومن غير المتوقع فيها أن تُحسم في المستقبل المنظور، بات الحديث الآن يدور عن احتمال للتسوية، في ختامها (وبخلاف التقديرات السابقة) تعود سوريا لتؤدي دورها كدولة”.
وتابع الضابط “من المتوقع لهذه الخطوة (الحل السياسي في سوريا) أن تستغرق أشهرًا، وربما حتى سنوات، وهي منوطة بمتغيرات كثيرة جدًا. ليس واضحًا اذا كانت سوريا ستقسم في نهايتها الى فيدراليات على أساس طائفي، أم ستكون فيها مناطق ذات حكم ذاتي، كما ليس واضحًا من سيسيطر فيها: ليس للأسد خليفة واضح، ومثلما في السلطة الفلسطينية – من المعقول أن ينشأ بعده ائتلاف لمراكز قوة، وخلافًا للماضي لا يقوم هذا فقط على “الطائفة العلوية”.. تسوية كهذه لن تحصل بدون روسيا، التي ستحافظ على “العلويين” وعلى مصالح إيران وحزب الله أيضًا، وبالأساس على مصالحها: تواجد عسكري في الشرق الاوسط، حفظ قوتها في الصراع بين الكتل، تحقيق مصالحها الاقتصادية ومنع انتقال الإرهاب الى حدود روسيا”.
وشدَّد الضابط على أن “الجيش السوري تعزز مؤخرًا في أعقاب بضع نجاحات عسكرية، ولكنه يواصل الاعتماد على المساعدة الروسية والإيرانية.. في سوريا يوجد اليوم أكثر من 10 آلاف مقاتل من المجموعات “الشيعية” التي تساعد الجيش السوري، يضاف إليها نحو 1500 مقاتل إيراني، والآلاف من مقاتلي حزب الله فضلًا عن قوة روسية هامة، كما أن موسكو تدير عمليًا جزءًا من القتال، ولا سيما في تركيز الهجمات ضد “داعش”.
وبخصوص الجولان، قال الضابط إن “احتمالات العمليات المباشرة ضد “اسرائيل” من حدود هضبة الجولان متدنية نسبيًا، ليس بسبب نقص الدافعية بل بسبب مصالح أوْلى: صراعات السيطرة في هضبة الجولان حيال مجموعات اخرى. لدى “داعش”، كما لـ”جبهة النصرة” قدرة ووسائل قتالية مناسبة لتنفيذ العمليات عبر الجدار، ولكن تصريحاتهم لا تشهد في هذه اللحظة على النية للتركيز على “اسرائيل” بل على محاولة توسيع سيطرتهم في الأراضي السورية”، وأردف “واضح أن “داعش” لن يسيطر على سوريا، ولكن إيران هي الاخرى لن تسيطر. بالمقابل، فإن التطلع الاسرائيلي للتعطيل التام للتدخل الايراني في سوريا يتبين بانه غير واقعي، ولكن في كل تسوية مستقبلية ستطلب “اسرائيل” التقليص قدر الامكان لمسارات نقل الوسائل القتالية من إيران (عبر سوريا) الى حزب الله، والتأخير قدر الإمكان من إعادة بناء الجيش السوري الذي تآكل جدًا في السنوات الخمس من الحرب الأهلية، وإيجاد آلية تضمن الهدوء في هضبة الجولان – الممزقة الآن بين عدة جهات، ما من شأنه أن يجعل تحقيق الاستقرار فيها صعبًا”.
ضباط الاستخبارات الصهيونية كانوا يتحدّثون لصحيفة “اسرائيل هيوم”
إيران
من جهته، قال من يعرف بـ”مسؤول الساحة الإقليمية” في شعبة الاستخبارات الاسرائيلية: “منذ التوقيع على الاتفاق النووي، لا تلاحظ الاستخبارات بأن ايران تنفذ أعمالًا محظورة عليها بشكل واضح، ولكنها بالتأكيد تلعب على الحدود وتناور مع ما هو مسموح لها وممنوع عنها. المثال على ذلك كان حيازة كمية أكبر من المسموح لها بها من المياه الثقيلة، والتخلي عن الفائض قبل وقت قصير من نشر اللجنة الدولية للطاقة الذرية تقريرها للمتابعة الدورية. ومع ذلك، واضح أن شيئًا ما هامًا جدًا تغيّر بعد الاتفاق، إيران عادت لتكون جزءًا من “أسرة الشعوب”، ولا يستبعد في السنوات القريبة القادمة أنها ستكون حذرة من أن تعرض للخطر المكاسب التي تترافق. وفي ظلّ هذه الفرضيات، فإن التحدي الاستخباري للعقد القادم هو الملاحظة في الوقت المناسب للتغييرات أو للبنود التي تخرج فيها إيران عن الاتفاق، ولا سيما كي لا نستيقظ متأخرين”.
ويضيف “التقدير كما أسلفنا هو أن إيران ستمتنع عن ذلك، وستركز على إعادة بناء الاقتصاد. لكن القلق الاسرائيلي لا يتركز فقط في موضوع السلاح النووي، فالانتقاد الأساس على الاتفاق يكمن في حقيقة أن الدعم الذي تمنحه إيران لحزب الله، حماس والثوار الحوثيين في اليمن لا يتوقف على الإطلاق، والى جانب التعاظم التقليدي الإيراني، إضافة الى حقيقة أن الاتفاق – ولا سيما الحرب ضد “داعش”، يضعها في معسكر “الاخيار” وهذا يعني أن إيران تواصل الترسخ بصفتها التهديد الاكبر، حتى وإن لم يكن المباشر والفوري، على أمن “اسرائيل””.
غزة
الضابط نفسه يقول في حديثه عن غزة: “في القطاع هناك هدنة عميقة، وتعيش “حماس” ضايقة على المستوى الاستراتيجي، فاذا تحدثت سابقًا مع الجميع وتلقت مساعدة من الجميع، فإنها اليوم معزولة. فقد تخلّت مصر عنها تمامًا ووفق تصنيفها هي كـ”داعش”، ولدى السعودية ودول أخرى يوجد لها منافسون. فالمال يذهب الى اليمن، الى سوريا والى تهديدات أكثر اشتعالًا.. التمويل والوسائل القتالية تحصل عليها المنظمة أساسًا من إيران. فضلا عن ذلك، فان النشاط المصري يجعل من الصعب أيضًا إدخال السلاح الى القطاع (من ليبيا أساسًا)، بحيث تجد نفسها “حماس” منعزلة أكثر من أي وقت مضى. على الرغم من أن الظروف الأساسية في القطاع تشبه تلك التي سادت قبل الجرف الصامد، فإن “حماس” مردوعة من المواجهة.
مصر
“مسؤول الساحة الإقليمية” في شعبة الاستخبارات يقول عن مصر التالي “في دولة يولد فيها طفل جديد كل ست ثوانٍ، فإن التحدي الاساس لمصر هو اقتصادي. إطعام أكثر من 80 مليون نسمة كل يوم. يبذل الرئيس عبد الفتاح السيسي جهودًا جبارة، ناجحة في بعضها، لتحسين الاقتصاد وتعزيز النظام، وعليه فإن التقديرات هي أن عوامل الاستقرار أكبر الآن من عناصر الاضطراب، ولكن ضمانة هذا أيضًا محدودة، فقد شهدت مصر في السنوات الاخيرة ثورتين، وصبر الجمهور فيها قليل وقد ينفد مرة أخرى”.
ويتابع الضابط الصهيوني “التعلق المركزي لمصر اليوم هو بالسعودية التي تبقيها على قيد الحياة من الناحية الاقتصادية. الى جانب ذلك، وعلى خلفية خيبة أملها الواضحة من الولايات المتحدة، فإن مصر تتسكّع مع جهات أخرى بين روسيا وفرنسا، بحثًا عن دعائم دبلوماسية وعسكرية محتملة للمستقبل. وعلى الرغم من هذه الميول، فإن مصر لم تُغيّر اتجاهها الاستراتيجي ويحتمل أن تعود مع تغيير الإدارة في واشنطن الى الجانب الامريكي”.
برأي الضابط، ترى مصر في “اسرائيل” شريكة، وإن كانت هادئة، تتشارك معها المصالح فتستقر المنطقة. للجانبين تهديد مشترك فوري مزدوج: “حماس” في غزة وفرع “داعش” في سيناء، الذي يستند أساسًا الى بدو محليين ويتحدى جدًا الحكم بل ويجبي منه ثمنًا: بالارواح والمال، وبالاساس كنتيجة لفقدان المداخيل من السياحة. التقدير هو أن لواء سيناء في “داعش” يعد ما بين 500 – 1.000 مقاتل مسلحين جيدًا (السلاح يأتي من ليبيا) وعلى خلفية التجربة القتالية التي راكموها في السنوات الاخيرة فانهم ينفذون عمليات مركبة، ضمن اخرى بإسقاط طائرة المسافرين الروسية في سيناء. وفي صوره السابقة، عمل التنظيم ضد “اسرائيل” – في العملية على طريق 12 وبإطلاق الصواريخ على ايلات، أما اليوم فهو يركز على القوات المصرية أساسًا، وتأتي “اسرائيل” بالنسبة لهم في المرحلة التالية. ومع ذلك فالخوف هو أنه كلما اشتد الضغط على “داعش” في العراق وسوريا، سيصعّد التنظيم جهوده للعمل في ساحات اخرى – في الخارج وفي المنطقة أيضًا. في مثل هذا الوضع، فإن العملية ضد “اسرائيل” ستعتبر إنجازًا هامًا، هذه أيضًا هي الخلفية للحفاظ على التأهب الدائم في الحدود المصرية”.
السعودية
من ناحية السعودية، يتابع الضابط الصهيوني معتبرًا أن العالم ينقسم اليوم الى اثنين: مَن في جانب ايران، ومَن ضدها. في هذا الأمر، كل من يعمل ضد ايران، بما في ذلك “اسرائيل”، هو ذو مصالح مشتركة، وهكذا، فإنه حليف محتمل.
الملك الجديد، سلمان بإسناد ابنه الذي يتولى منصب وزير الدفاع، يتصدر بالتوازي فكرًا فاعلًا تقود فيه السعودية علنًا المعسكر السني في العالم العربي. وكجزء من ذلك، بدأت السعودية تعمل في كل ساحات المعركة فتدعم مصر ضد حزب الله في لبنان، وتشارك في الحرب الدائرة في سوريا وبالطبع ضدّ إيران، وبالأساس في كل ما يتعلق بتخفيض سعر النفط من أجل تأخير إعادة بناء اقتصاد
طهران. هذا التوقع السعودي وضع “اسرائيل” في جانب السعودية وضدّها في آن.. معها حيال إيران وفروعها، وضدّها في كل ما يتعلق بالفلسطينيين. فالحكم في الرياض ملزم بان يدفع هذه الضريبة الكلامية ولكن من الصعب تفويت أصوات الخلفية: التركيز على المحور الفلسطيني سيعطي “اسرائيل” جملة فرص غير مسبوقة في المنطقة.
تركيا
وفق الضابط الصهيوني، اجتازت تركيا في السنوات الاخيرة تحولًا: من صفر نزاعات مع الدول المجاورة، الى صفر دول مجاورة ليس معها نزاع. هذه هي خلفية جهود حكم رجب الطيب أردوغان للتقرب مؤخرًا من السعودية، وكذا من “اسرائيل”، بحثًا عن حلفاء جدد وأقوياء. في الساحة الداخلية يواصل أردوغان توسيع نفوذه، وهو قريب من استكمال سيطرته على أجهزة الحكم في تركيا. أما خارجيًا، فتركيا قلقة من “داعش” وأكثر من ذلك من الأكراد، وبالاساس من نقص نجاحها في القتال ضدهم، لأن الاكراد هم رعايا واضحون للامريكيين، وبصفتهم هذه فإنهم القوة البرية الأساس التي تستخدمها واشنطن في الحرب ضد “داعش”.
في البحث عن التحالفات تخفّض تركيا النبرة، وتحاول أن تعرض نفسها على أنها أكثر تصالحًا وودًا؛ تجاه أوروبا و”اسرائيل”. وكلّما استمرّت الحرب في سوريا التي تضرّ آثارها تركيا، تلجأ أنقرة الى التخفيف من حدة مواقفها، فمحظور علينا أن نتشوش: أردوغان لم يغيّر مواقفه، وخطواته ستكون مصلحة وبالتالي يجب أخذها بضمانة محدودة.