ضباط الإرتباط يغتالون… عند إفتراق الدول
نسلط الضوء في هذا المقال، عبر رؤية تحليلية ، على بعض جرائم الإغتيال التي حدثت في ظروف دقيقة وحساسة تمر بها المنطقة وفق إفتراقات سياسية وإستراتيجية مفصلية بين الدول، ونترك للقارئ الحكم والإستنتاج.
… إنتهت الحرب الأهلية في لبنان أو بشكل أدق أوقفت الحرب بناء على الرغبة والتوافق الدولي الذي ترجم وقتها في الترويكا (الولايات المتحدة الأميركية-المملكة السعودية وسوريا) فترجم ذلك من خلال تعويم ظاهرة رفيق الحريري كضابط “مدوزن” للمشاريع على المستوى الإقليمي والدولي .
وقتها شهد لبنان حالة من الرخاء الأمني والهدوء، بدءاً من سريان مفعول إتفاق الطائف حتى وقوع أحداث 11 أيلول2001، عندها بدء الفتور يعتري العلاقات الأميركية السورية مع مجيء المحافظين الجدد الى البيت الأبيض أيام جورج بوش الإبن، وإستمر الإنحدار في هذه العلاقة زمن إجتياح العراق عام 2003 حتى وصلت حد الإنفجار عقب إغتيال رفيق الحريري في شباط/ فبراير 2005 ، وكأن توقيت الإغتيال حدث في مفصل دقيق وحساس يؤسس لمرحلة الإشتباك الأميركي السوري ليوظفه الأميركي وفقاً لخارطة الطريق الموضوعة سلفاً من قبله من أجل تحقيق الأهداف المتفق عليها في قمة النورماندي (كتاب أسرار الرؤساء للكاتب والصحفي فنسان نوزيل).
يكشف هذا الكتاب، الذي صدر باللغة الفرنسية ، ثم صدر بترجمة عربية ، عن سلسلة من الحلقات الرئيسية للأحداث، بدءاً من وصول اليسار الفرنسي إلى السلطة في أيار/مايو 1981 حتى وصول ساركوزي في العام 2007، كما يشير إلى المفاوضات المتعلقة بتحرير الرهائن في لبنان، وتفجيرات 11 سبتمبر 2001 وحروب العراق ونهاية صدام حسين، واغتيال رفيق الحريري ، والعمليات السرية التي نظمت ضد معمر القذافي، وطريقة التعاطي مع الملف النووي الإيراني…
لم ينتهِ الأمر عند هذا الحد ، واستمرت الحياة السياسية بكل تعقيداتها ضمن إطار المد والجزر، وفي سياق المؤامرة الكونية على سورية ضمن ما يسمى”الربيع العربي” والإنقلاب الفرنسي تجاه العلاقة مع سورية، زمن الرئيس نيكولا ساركوزي المعروف بساركو الأميركان (راجع كتاب أسرار الرؤساء). صدر الأمر من الغرف السوداء بتنفيذ الخديعة التي أوقعت بضابط الإرتباط للعلاقة الفرنسية -السورية ميشال سماحة وإدخاله الى السجن في سياق مسرحية إستخباراتية بطلتها المخابرات الفرنسية ، وبالتالي تمت تصفية ميشال سماحة معنوياً وسياسياً وإزاحته ضمن توقيت شهد حالة إشتباك (فرنسي – سوري).
المشهد لم يتغير بعد فضيحة مبنى الإتصالات، ومنع وزير الإتصالات وقتها الوزير شربل نحاس من دخول المبنى من قبل جهاز فرع المعلومات بحجة حماية المعدات بداخله، وقتها إنكشفت مؤامرة كان يحبكها فرع المعلومات بالتعاون مع جهاز سي أي آي الأميركي والإستخبارات السعودية وتقضي باستخدام الشبكة الثالثة والتنصت على الإتصالات السورية على طول الساحل السوري وصولاً الى اللاذقية حتى الحدود التركية مروراً بطرطوس والقواعد العسكرية الروسية.
إنكشفت المهمة، وصلت الرسالة، إنتهى الدور واغتيل وسام الحسن ، فالقاعدة التي تحكم العمل الإستخباري واللعب مع الكبار مفادها :
“الخطأ في المخابرات كالخطأ في المتفجرات: الخطأ الأول هو الخطأ الأخير”. فهم الأميركي الرسالة وأفهم المعنيين بمنع تفجير الوضع في لبنان ونسف الصيغة، وأمر باستمرار الحياة السياسية بمنع إستقالة الحكومة، من خلال ذهاب السفراء الأوروبيين الى قصر بعبدا ليبلغوه تعليمات ورغبات المجتمع الدولي، في مشهد أعادنا الى الوراء الى زمن متصرفية جبل لبنان وسفراء الدول الأوروبية الست .
تكرر الأمر في الآونة الأخيرة ، بعد صفع السعودي من قبل السيد الأميركي مرتين متتاليتين :
الأولى تمثلت باقتناع السعودي بنية اميركا شن عدوان يطيح بالنظام السوري فهلل لذلك، بعدها عدلت الولايات المتحدة الأميركية عن تنفيذ عدوانها بتوجيه ضربة عسكرية الى الدولة السورية بعد إقتناعها بأن هكذا مغامرة سوف تضع منطقة الشرق الأوسط على برميل بارود يصعب التكهن في ضبط تداعياته على العالم بأسره، فضلاً عن إستلام الأميركيين للمال السعودي ثمن الضربة .
الثانية تمثلت بالمفاوضات السرية التي أجراها الأميركيون على مدى عدة أشهر تحت أنف السعوديين في سلطنة عمان حول الملف النووي الايراني، ولم تعرف المملكة بهذه المفاوضات إلا عبر وسائل الإعلام.
الصفعتان عكرتا صفو العلاقات الأميركية – السعودية، لم تستطع حينها المملكة كبت حنقها وغضبها فعبرت عن ذلك في عدة أساليب تشير الى مدى إنزعاجها من الحراك الأميركي الجديد في السياسة المتبعة وخصوصاً تجاه طهران، وتصريحاتها ولو اللفظية في بادئ الأمر باللجوء الى الحل السياسي تجاه الأزمة السورية ما أدخل الذعر الى نفوس الساسة في المملكة .
في هذا الجو والمناخ السائد في العلاقة بين المملكة والولايات المتحدة الأميركية أغتيل محمد شطح “رجل البنتاغون” في لبنان بحسب ما نُقل عن توصيف للسفير الأميركي في لبنان ديفيد هيل .
في المحصلة مسلسل التصفيات لم ولن ينتهي ما دام هناك علاقات سياسية دولية قائمة على حالة المد والجزر والإفتراق والإلتقاء بين الدول وفقاً للمصالح..
المصدر: موقع قناة المنار – إبراهيم عبدالله