ضاحيتي وإن جارت عليّ عزيزة
موقع إنباء الإخباري ـ
سحر بلوط:
كَثر الحديث في الآونة الأخيرة عن الضاحية الجنوبية لبيروت، المنطقة المزدحمة بالسكان والجنسيات والعاهات الهندسية. وكلّما قرأت مقالةً، أخرج إلى أحيائها بحثاً عن جريمة ارتكبتها هذا الأرض بحق أهلها، فلا أجد سوى عقلاء أكلوا من زادها ثم ذمّوا ما أكلوا وعاشوا في شرف صنعته كرمى لعيونهم وأول ما شهّروا به كان كرامتها.
يوم دخلتُ الضاحية لأول مرة بعد سفر طويل، كنت بالكاد ألبس ما يغطي لحمي، وكانت تلك قناعتي حينها، وصلتُ إلى شارع مقابل للمربّع الأمني سابقاً وكان هناك حرس خاص بأمن حزب الله. وكنت قد حضّرت إجابات لاذعة لظنّي أن مطاوعاً ما سينهرني ويغطيني بنقابٍ أو “خيمة” كما كنت أسمّي العباءة. توقّفت السيارة، ترجّلت حاملة في ملامحي نظرة التحدّي والفوقية، وكنت أعتبر أنني أفوق هؤلاء الأشخاص قدراً وقيمة. كانوا في نظري (حينها) جماعة متخلّفة عن الحضارة والموضة واللغة العصرية. وعندما لم أجد من الحارس اهتماماً أو مبالاة ظننت أني حققت انتصاراً لمعتقداتي وحريتي الشخصية.
تكرّرت مواجهاتي المماثلة حتى أني تحدّيت مجتمع الضاحية بالاختلاط والسهر حتى ساعات الفجر، لكني كنت دائماً في معركة أحادية الجانب ولم أجد ذلك الملتحي الذي يحمل هراوة ويهدّد بالرجم والسحل بل رأيت أناساً إن علموا بوجودي فهم حتماً تجاهلوه أو لم يعيروه أي اهتمام.
ضاحيتي، ضاحية العاصمة المسروقة، جارت عليّ. نعم، جارت عليّ يوم رحّبت بكل الجنسيات وبات العيش فيها معركة، مرفقٌة دائماً بالحذر. عمارات غير شرعية، مبانٍ آيلة للسقوط، مجارٍ عائمة، سرقات وعصابات شبابية تحرّكها المخدرات والسلاح، كابلات كهرباء تصل البيوت ببعضها بعضاً كحبل غسيل عُلّقت عليه الغرف. ولكن، أليست هذه حال “برج حمود” و”المنية” و”التبانة” و”الدكوانة” و”النبعة” و”الدورة” و”حي اللجا” و”بربور” و”الطريق الجديدة” و… و…؟
أليس الإهمال والتخلّف الاجتماعي سرطاناً ينهش غالبية المناطق اللبنانية؟
جارت عليّ الضاحية يوم تركتُ بيتي مرغمة، هاربة من صاروخ كتب اسمي عليه طفلٌ إسرائيلي يُلقّن الوحشية والهمجية الصهيونية منذ نعومة الأظفار. ولكني يوم عدتُ، وددت لو أني أرى ذلك الحارس على مدخل المربع الأمني لأعترف اعتراف الخطأة بجهلي وسخافة أولوياتي وخجلي من إيماني بأن تنورة قصيرة قد تقيني شرّ التخلّف، وتحجز لي مكاناً مرموقاً في “المجتمع الحديث” وأن شرب المارتيني في ساحة بئر العبد هو جزء من تحرّر الإنسان الذي يسكنني.
قرأت الكثير، وسمعت الكثير، وأسخف من قال وكتب هم الذين يرفضون الإقرار بأن حزب الله لا يحكم الضاحية، بل إن الدولة هي التي تخلّت عن الضاحية الجنوبية لتغرق في التهميش والبؤس الاجتماعي والمُدني الذي تعيشه. أما أغرب ما سمعت فهو ما نقله إليّ صديقان من طائفتين مختلفتين، وتوجهين سياسيين مختلفين أيضاً، معلومة مفادها أن حزب الله يدفع مبلغاً شهرياً يتراوح بين 300 و500 دولار أميركي لمن ترتدي الحجاب. إن صحّ ذلك، فلم لا أعيش في بحبوحة وأنا المثقفة التي خسرت عملها بسبب الحجاب واللباس الشرعي؟ لمَ تعمل الفتيات غير المحجبات في محال تجارية مقابل أربعمئة ألف ليرة، في حين أن رقعة قماش كفيلة بأن تريحها من عناء دوام يتجاوز الساعات العشر ومن تعب كنس ومسح الواجهات والأرضيات؟
لقد أخطأتم السؤال يوم طرحتم اشكالية قمع الضاحية وحزب الله لكم، وسؤالي اليوم، لكم أنتم العقلاء المنبوذون من داخلكم، ماذا قدّمتم أنتم للضاحية؟ من منكم بنى مسرحاً أو صرحاً ثقافياً فيها؟ من منكم قاطع داعمي إسرائيل في لبنان؟ من منكم لا يشترك بخط انترنت مسروق؟ أو خط كهرباء مسروق؟ من منكم كنس القنابل عن سطوح الضاحية؟ من منكم بقي فيها يوم كانت تُقصف بالأسلحة المحرّمة دولياً؟ من منكم تعلّم لغة الكرامة ليُعطي دروساً فيها؟ من منكم وجد في قعر زجاجة الفودكا حرّيته وكرامته؟ من منكم لا يشارك في تهميش الضاحية ثقافياً واقتصادياً واجتماعياً؟ من منكم مارس التغيير الذي يدعو إليه؟
ضاحيتي وإن جارت عليّ عزيزة.
والله يا ريت يا اخت سحر هالمفكرين حالهم كلاس بيمدوا إيدون عا الجيبي وبحسنوا بالإشياءالمزعوجين منها بالضاحية مثلا
بس لا في ناس مهما طلعت رح إضل مكلسة
الله يساعد الشعب والله فوق الدين يلي عم نسددوا
عم ينتقدوا كمان