صواريخ اليمن تطيح بكفاءة الباتريوت واتهام إيران لتغطية الفشل
تقنية أميركية مبالغ بها
شهد تصعيد الخطاب السياسي الأميركي ضد كوريا الشمالية مؤخراً بروز بعض الأصوات العسكرية الأميركية وخبراء في تقنية الصواريخ تحذر من خطأ الاعتماد على بطاريات الدفاع الجوي – صواريخ الباتريوت لتشكيل مظلة حماية فوق الاراضي الأميركية في حال نشوب حرب ترد فيها بيونغ يانغ باستهداف المدن الأميركية بصواريخ باليستية عابرة للقارات، بعد نجاح تجاربها عليها.
التحذير الأميركي من فرط الإعتماد على تقنية مليئة بالعيوب زادت وتيرته بعد تعرض الرياض لصاروخ باليستي مصدره اليمن، 4 كانون أول/ديسمبر الجاري، استهدف مطار “الملك خالد” الدولي في الرياض، تلاه صاروخ ثاني “متطور” يوم 19 ديسمبر استهدف قصر اليمامة في الرياض أيضاً.
من أحدث التحذيرات ما نشرته اسبوعية ناشيونال انترست National Interest، يوم 6 ديسمبر، متسائلة عما ستؤول إليه الأوضاع “لو فشلت صواريخ الباتريوت ربما” في توفير الحماية لأي مواجهة محتملة “ودخول الولايات المتحدة حرباً إستناداً الى ثقة زائفة بأن لديها وقاية كافية لإعتراض وإسقاط الصواريخ المعادية، بينما حقيقة ما يتوفر لديها لا يعدو غربالاً.”
وشاطرتها النتيجة أيضاً المجلة العلمية بوبيولار ميكانيكس Popular Mechanics، 4 ديسمبر، بالتشكيك في الرواية الرسمية السعودية المتداولة استناداً الى بياناتها العلمية المتوفرة قائلة “.. ربما لم يتم إعتراض الهجوم الصاروخي الأخير بواسطة بطاريات الصواريخ أميركية الصنع.”
توسعت رقعة التحذيرات لتشمل كبريات الصحف الأميركية، إذ أجرت يومية نيويورك تايمز، 4 ديسمبر، نتائج تحقيق استمر زهاء شهر من الزمن لتقييم أداء بطاريات الباتريوت بعد الصاروخ اليمني الثاني مؤكدة أن “.. صواريخ الاعتراض الخمسة فشلت في مهمتها خلال الهجوم على (مطار) الرياض.” أما في الهجوم الأول، في شهر تشرين الثاني/نوفمبر، فقد أطلقت السعودية سبعة صواريخ لاصطياده، وكانت النتيجة مشابهة بنجاح الصاروخ النفاذ من بطاريات الدفاع الصاروخي.
ودقت الصحيفة ناقوس الخطر لدى الحلفاء في دول الناتو وآخرين لما سيترتب عليه بعد التيقن من فشل التقنية الأميركية “وقلق نحو 14 دولة حليفة لواشنطن وثِقَت بالصواريخ الأميركية لمواجهة تهديدات متعددة من كوريا الشمالية وروسيا؛” خاصة وأن معدل اطلاق الباتريوت يصل لخمسة صواريخ للتصدي لكل صاروخ باليستي وما تعنيه الكلفة المالية العالية لكل محاولة.
أشد الإدانات التقنية للباتريوت جاءت على لسان رئيس فريق التحقيق المكون من خبراء في علم الصواريخ، جيفري لويس، مفنداً كافة المزاعم الرسمية والدعائية بقوله “الحكومات الرسمية تكذب حول فعالية تلك النظم؛ أو أنها غير مطلعة على كافة المعلومات.. وهذا ينبغي أن يثير قلقاً بالغاً لدينا.”
اما في سياق تقييم الفريق لصاروخ بركان – 2 إتش، مستهدفاً مطار الرياض، فقد أوضح (لويس) استناداً الى البيانات التقنية المتوفرة وطبيعة الشظايا المتناثرة في المكان أن الصاروخ “قد يكون استطاع تضليل بطاريات الصواريخ السعودية من طراز (باك-3) بالكامل.. أظهرت صور الشظايا المأخوذة على بعد 12 ميلاً عن نقطة الاصطدام أنها تعود لجسم الصاروخ ومحركه.” أما مصير الرأس الحربي فيعتقد الخبراء، وفق الصحيفة، أنه “مضى في طريقه للهدف دون عوائق.. محلقاً فوق مدى صواريخ الاعتراض، وانفجر في نهاية مدرج المطار.”
يشار إلى أن السعودية اشترت (600) صاروخ خاص ببطاريات الباتريوت (باك-3) عام 2015، معدل كلفة الصاروخ الواحد نحو 6 مليون دولار.
فشل: “الحق على.. إيران”
حافظت السردية الرسمية الأميركية، وملحقاتها في المنطقة، على التحذير من أن ايران هي المستفيد الأول من أحداث “الربيع العربي.. وملئها فراغ القوة الإقليمية،” في اعقاب اضطرار الولايات المتحدة للانسحاب جزئياً من العراق، ديسمبر 2011.
بعد مرور 1،000 يوم على العدوان السعودي تكبد اليمن مقتل ما يربو على 9،000 فرد وجرح نحو 60،000 وتشريد 18 مليون من مواطنيه، فضلاً عن خطر المجاعة ووباء الكوليرا الذي يتعرض له جراء الحصار التام لمطاراته وموانئه.
احتفل اليمنيون بصمودهم في تلك المناسبة على طريقتهم الخاصة بإطلاق صاروخ باليستي “بركان – 2 إتش” على قصر اليمامة في الرياض، رافقه تصريحات ترسي معادلات ميدانية جديدة: صنعاء مقابل الرياض وأبو ظبي؛ القصر الجمهوري مقابل القصور الملكية..الخ.
بطاريات الدفاع الجوي السعودي، الباتريوت، أطلقت صواريخها لإعتراض واسقاط الصاروخ اليمني، والنتيجة لم تكن أفضل من السابق بعد الفشل المتكرر وتعرية التقنية وديمومة الإعتماد على أميركا. وسارعت كل من الرياض وواشنطن باتهام طهران في شن “عدوان” على السعودية دون التقيد بابراز الدلائل.
وكررت واشنطن مسرحية وزير الخارجية الأسبق كولين باول من على منبر الأمم المتحدة، بعرض مندوبتها الدائمة نيكي هايلي صوراً كبيرة لجسم صاروخ قالت أنه “يحمل كافة بصمات” الصواريخ الباليستية المصنعه في إيران.
حصيلة مزاعم المندوبة الأميركية، وفق تقرير صحيفة نيويورك تايمز، 14 ديسمبر، أنها أفلحت في إقناع السعودية، أما “وسائل الإعلام الأميركية أو الحكومات الأوروبية فلم تشتري بضاعتها.. وأخفقت في ابراز الدلائل.”
في ظل غياب البيانات الموثقة عن التداول العام حول مدى فعالية “فخر الصناعة الأميركية” سيستمر الجدل والادعاء والادعاء المضاد، بيد أن ذلك لا يحجب من صدقية تقارير الخبراء الأميركيين تحديداً، أو تعزيز الإتهامات بشأن مصدر تصنيع الصواريخ اليمنية. التيقن الحقيقي يستدعي الاطلاع على بيانات تقنية جلها مصنف سري في ترسانات كوريا الشمالية وايران وحزب الله؛ والاطلاع أيضاً على بيانات حطام الصاروخ بحريّة لن تسمح بها الرياض.
الاتهام الأميركي لإيران يستند بشكل رئيسي على خلو الصاروخ من “زعانف توجيه خارجية،” التي تتحكم بتوازن الجسم أثناء التحليق. غياب الزعانف يدل على زيادة مدى التحليق، في علم الصواريخ.
الاتهامات المزدوجة، أميركياً وسعودياً، ذهبت أيضاً لتسليط الضوء على “حزب الله،” كمصدر مورد للصاروخ اليمني استناداً الى ترسانته المعلنة من عدة أنواع من الصواريخ.
تتضمن الترسانة الصاروخية الحالية لإيران صاروخ باليستي أرض – أرض يعمل بالوقود السائل يخلو من الزعانف/الجنيحات، من طراز “قيام،” يعتقد أنه نسخة معدلة عن صاروخ “سكود – سي،” مصنع محلياً ومزود بمنظومة توجيه تعتمد (الدفع الموجه) التي تتيح للصاروخ الإنطلاق “وتوجيهه من الدافع.”
من أهم خصائص تلك التقنية “دقة التصويب،” إذ باستطاعته تصحيح مساره وفق البيانات المخزنة؛ ونزع الزعانف يعني “تخفيض بصمة الصاروخ الألكترونية وزيادة صعوبة رصده” من قبل وسائل الدفاعات؛ وتوفر قدرة أفضل على المناورة اثناء التحليق والتغلب على محاولات تعقبه – وفق بيانات مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية في واشنطن.
ترسانة اليمن الصاروخية
مخزون الدولة والجيش اليمني من الصواريخ ليس وليد اليوم، بل جرى إمدادها بنماذج متعددة من الصاروخ الروسي (سكود) الذي يعمل بالوقود السائل، وادخلت عليه تعديلات عدة منذ دخوله الخدمة في جيوش الإتحاد السوفياتي في عقد الخمسينيات من القرن الماضي.
الصاروخ اليمني “المتطور،” بركان – 2 إتش، هو نموذج معدل عن الأصل السوفياتي (سكود)، والذي تعتمده أيضاً كوريا الشمالية وإيران وسوريا، ودول عربية أخرى منها مصر والجزائر والسودان وليبيا.
يتصدر (جوزيف سيرينسيوني) قائمة الخبراء الأميركيين في علم الصواريخ، والذي تنقل عنه الأدبيات الرصينة. في شأن الصواريخ اليمنية قال أنها استفادت من تجربة العراق عام 1991 اذ تغلب مهندسوه على زيادة المدى بتخفيف وزن الرأس الحربي، وهذا يؤشر “الى ما توصل إليه المهندسون اليمنيون في إنتاج “بركان – 2،” وتخطى مداه 600 كلم.” وأضاف أن التعديل العراقي ومن ثم اليمني على تقنية الصاروخ سكود أدى “لانتاج، بطريق الصدفة، جسم يحلق بسرعات عالية أثناء دخوله الغلاف الجوي تحميه شبكة من الشرك والخداع، من المستحيل اصطياده رغم عدم دقة إصابته.”
كما أدخل اليمن صواريخ من صناعة كوريا الشمالية من طراز “هواسونغ – 5 و6” الى ترسانته ولديه “تجربة تمتد على ثلاثة عقود في التعامل مع تقنية الصواريخ وأنتج كفاءات تقنية لإدخال تعديلات عليها عند الحاجة،” وفق شهادة الخبير الأميركي سيرينسيوني.
يتضح من سلسلة تجارب أجرتها كوريا الشمالية وإيران امتلاكهما تقنية التصنيع بمواصفات حربية عالية باستخدام الوقود السائل، بمديات متعددة تصل لما ينوف عن 1000 كلم أفقي؛ وتعاونهما المشترك في هذا الشأن خرج للعلن منذ أمد. أما إتهام حزب الله بأنه يملك تلك التقنية لا تسنده الحقائق المتداولة؛ وما لديه صواريخ تعمل بالوقود الصلب وربما استطاع الحصول على بضع نماذج من صواريخ سكود من سوريا.
فيما يخص الاتهام الأميركي بأن “بركان – 2 إتش” يحمل بصمات صناعة إيرانية بما فيها لوحات التحكم الإلكترونية داخل نظام التوجيه فقد حصد سخرية عالية من قبل مصادر أميركية متعددة، في ظل عدم توفير صاحب الإتهام لمستندات علمية موثقة.
أما زيادة مدى الصواريخ المتوفرة في الترسانة الإيرانية فقد أدخلت طهران سلسلة تعديلات منها دخول عنصر الألمنيوم لخفته في صناعة جسم الصواريخ. الصواريخ الإيرانية تتضمن أجهزة توجيه رقمية متطورة، بينما النماذج الأولى لصواريخ سكود استندت إلى التقنية التناظرية التي من أبرز خصائصها عدم تأثرها بالتشويش الإلكتروني.
ومن بين التعديلات الإيرانية أيضاً تصميم رأس غير حاد لجسم الصاروخ في طريق عودته للغلاف الجوي، مما سيبطيء سرعته ويتحمل جزئه الخلفي تعديل توازنه ويعزز استقراره أثناء التحليق ويخفف الإعتماد على زعانف خارجية لضبط المسار والتوجيه. أما مخاطر تلك التقنية المعتمدة فإنها تعرض الجسم للرصد والإعتراض فضلاً عن تغلب قوانين الفيزياء الفضائية وانجرافه بفعل الرياح.
من البيانات المتوفرة حول صاروخ بركان-2 اليمني أن فرق التصميم نجحت في التغلب على “ضغوط” الديناميكا في رحلة مداها نحو 1،000 كلم، ومن ثم ينفصل الى قطعتين: الأنبوب الخلفي، الذي يدفع الصاروخ، والرأس الحربي.
أشار الخبراء الأميركيون الى احتواء جسم الصاروخ اليمني على أكثر من طريقة لحام في أجزائه، بعضها تم بصناعة بدائية، بينما أجزاء أخرى خضعت لمواصفات تصنيع تدل على أنها تمت في منشأة صناعية. أما “التفاوت” بينهما فيعزوه اولئك إلى أن الصاروخ تم تفكيكه لتسهيل إمكانية تهريبه عبر الحصار السعودي، ومن ثم تم إعادة تركيبه واستخدام الأسلوب البدائي في العملية نتيجة عدم توفر معدات تصنيع متطورة داخل اليمن.
من بين النتائج التي توصلت إليها فرق التحقيق الأميركية، رغم أن جلها قيد التصنيف السري، أن حطام الصاروخ يشير إلى انشطار الجسم في طريق عودته للغلاف الجوي، دون الإشارة بيقين مقنع عن السبب إن كان بفعل ارتطامه بصاروخ باتريوت أم بفعل قوانين القوة الديناميكية.
كما أن الجزء الحامل المعلب من الصاروخ الذي احتوى على المواد المتفجرة بدت عليه آثار احتراق وتشظت بفعل قد يشير الى حدوث انفجار – مما يعزز الاستنتاج الأولي بأن الإنفجار سقط في الرياض دون تحديد الموقع بالقرب أو داخل محيط المطار.
أما حال القسم الأوسط من الصاروخ فلم يستدل على تعرضه لآثار احتراق، بل لوحظ بعض الانحناءات مما يدل على أنه قد تعرض للانشطار بفعل قوانين القوة الديناميكية وربما انفصاله عن الجزء الخلفي قبل تعرضه للانفجار.
الرأس غير المدبب للصاروخ كان عليه آثار انصهار مما يدل على دخوله الغلاف الجوي للأرض بسرعة عالية تفوق معدل ما مسموح به وفق التصاميم. انصهار المعدن يؤثر على صلابة الجسم وقدرته على تحمل المتغيرات في علم الديناميكيا الهوائية؛ وربما كان السبب في تعثر الجسم وتمزقه.
تداعيات الباتريوت
يسود قلق كبير بين صفوف القيادة العسكرية الأميركية والأخصائيين على السواء من تبخر الثقة بمظلة الحماية الإلكترونية التي يعدون بها، خاصة بعد تصريحات صادمة ومثيرة في آن للرئيس ترامب حول فعالية سلاح “اثبت فشله ميدانيا المرة تلو الأخرى.”
سوق مبيعات السلاح الأميركي لم يتأثر بشكل مباشر، نتيجة إبرام عقود مسبقة مع حلفاء للولايات المتحدة. بيد أن مشاعر قلقها حقيقي كما يستدل من لجوء المملكة السعودية لروسيا طمعاً في اقتناء منظومة إس أس 400 للدفاع الصاروخي؛ وسبقتها تركيا بالتوجه لموسكو بعد مماطلة الولايات المتحدة بتزويدها أنظمة متطورة طالبت بها أنقرة.
التأثير الأبعد يكمن في الملف الإيراني واستهداف الولايات المتحدة المستمر لإيران واستبدال دول الخليج خطر “اسرائيل” بما أضحى يروج له بأن الخطر الأول على استقرار أنظمتها مصدره طهران.
تستند واشنطن إلى “إفراط ثقتها” بسلاحها لحماية كيانات حلفائها في دول الخليج، وبعد انكشاف عيوبه ستضطر الاستراتيجية الأميركية إلى انتهاج مسار آخر يأخذ بالحسبان حقيقة الخسائر التي قد تصيب الهيبة العسكرية الأميركية نتيجة مواجهة محتملة عبر وكلائها المحليين قد تضطر فيها للتدخل المباشر، كما فعلت في سوريا.
تجدر الاشارة إلى شهادة الخبير الأميركي، جوزيف سيرينسيوني، بالقول أن اليمن يقوم بتطوير ذاتي لترسانته الصاروخية، مما يعد بتوسع رقعة الحرب، نافياً بذلك ما ينسب لإيران بتوريدها قطع صاروخية لليمن عن طريق التهريب. بل نستطيع القول بناء على ذلك أن عناصر القوة العسكرية “السعودية” في اليمن بدأت بالتبخر، وتلقت أكبر دليل مذِلّ لمخططها في عزل إيران واستحضار “اسرائيل” التي حتماً ستستخلص الدروس العسكرية من فشل الباتريوت لتوفير حماية لها منذ عام 1991 وللآن.
هذا لا يعني بالطبع أن المؤسسة الحاكمة الأميركية لن تلجأ لأساليبها المعهودة في زعزعة استقرار خصومها، وعلى رأس القائمة إيران. بيد أن ذلك المشهد لن يأتي بمعزل عن انتشار القوات العسكرية الأميركية في العراق وسوريا، وفي افغانستان أيضا، لا سيما مع تجدد التحذيرات الأميركية من أن “أنصار إيران في العراق يطالبون بخروج القوات الأميركية.”
على الطرف المقابل نجد بعض “التراجع” في الموقف الأميركي حيال اليمن تحديداً، بمطالبته المتأخرة للسعودية إنهاء حصارها البري والبحري على اليمن “والسماح بوصول الإغاثات الإنسانية،” بعد ما ينوف عن 1،000 يوم من القتل والدمار والتشريد وانتشار الأمراض. وما صاروخ بركان-2 إلا العامل المساعد لذلك التراجع المرحلي.