صناعة العنوسة في السعودية
نجح السعوديون في صناعة رقم مليوني في عدد العوانس، وهي صناعة تشاركت فيها مؤسسات الدولة، المساجد، وزارة التجارة، الأسرة، الشارع، الجامعات، وزارة التربية والتعليم، وغيرهم مع استمرار الفتاة بتحمل النصيب الأكبر من اللوم.
كان أجدادنا على تماسٍّ مباشر مع جداتنا، رؤيةً بالعين ومخاطبةً باللسان، ثم أصبحت الحفيدات سجينات نقاب، عباءة، جدران منزل، وإضافات جديدة على قائمة العيب، حتى باتت فتياتنا غير معروفات اسماً أو رسماً، استجابةً لمسلسل طويل من سلب حريات النساء السعوديات.
اتسع هذا الاختناق حتى حدا ببعض الأسر الثرية تحويل مواسم الصيف في باريس وجنيف إلى مزاد تزاوج، فهناك يسقط النقاب والعباءة، ويصعد مؤشر الزواج إلى الأخضر، أما العوانس الفقيرات فعليهن تجريب حلول مختلفة.
تأتي برامج التواصل الإلكتروني لتجاوز السجن الاجتماعي فيما إذا أحسنت الفتاة الاستعانة به؛ لاستقطاب عريس، شريطة أن تتذكر كل عانس أن المخاطر أكثر من المرابح، وأن الاندفاع ضياع، كما أن الادعاء بوجود ما ليس فيها سيكون حزمة أكاذيب تقتل الفرصة. يوجد عريسك في جوالك، أو اللابتوب، كوني اسماً صريحاً قبل أن تكوني رسماً جميلاً. امنحيه نافذة على عقلك. أسسي قناعات مشتركة. شجعيه على تخيلك في بيته، وأماً لأطفاله.
باختصار «اشتغلي خطابة لنفسك» مع الانتباه إلى أن ذلك يشبه الجراحة، قد ينتج منها آثار سلبية جانبية. كانت «مرجلة» الأب والإخوان سبباً في تبكير زواج البنت والأخت، عندما كان الأخ يجعل اسم أخته بمكانة القسم، كان إذا اكترب الأمر قال أحد أجدادنا: «يصير ما أريد وانا أخو سارة». كانت الرجال تستفزع بالرجال مستعينين بأسماء الأخوات «يا أخو سارة»، ثم يتم سرد الطلب، أما الآن فالإخوان في الغالب سنارة زواج سيئة، فلا يرغب أحدنا في الزواج من بنت «درباوية» طالما كل إخوتها «درباوية».
يوشك معظم عوانسنا أن يتحولن إلى أثاث بشري، لا يتم تسويقه إلا في مزادات الأفراح، وهو ما يفسر مبالغة الفتيات في الإبهار أثناء حفلات الزواج، وسعي بعضهن إلى إقناع الأمهات الحاضرات بأنهن متاحات، لكن الحفلة تمتد إلى الفجر، فتصاب الكهلة بنعاس وانقصام ظهر، تنام بعدها وتنسى عروس ولدها.
أميل إلى حينونة مشاركة العانس في صناعة فرصة زواجها، ووجوب غض الأسر الفقيرة بعض البصر، لعل «صبوحة خطبها نصيب» تكون أغنيتهم المفضلة، لأننا حاصرناها، ووأدنا فرصتها في الزواج، لدرجة أن ابن الخال أو ابن العم لا يعرف عنها إلا أنها بخير إذا سأل «كيف حال الأولاد؟»، أما إذا سأل «كيف حال سارة؟» تصير عيون إخوانها بلون سيجارة مشتعلة.
نجح مساجين في الخروج من زنازينهم عبر حفر نفق، والعنوسة زنزانة أقسى من الحديد، فلا تثريب بعد اليقين من احتمال نجاح فرصة الاقتران به زوجاً، من منحه شوفة شرعية لدقائق قد يتلوها «غطاريف»، فالحرية غابة تبرر كل الوسائل. يقولون ذلك دعوة ضد الطهر والنقاء، قولي لهم: «دورت على عمرو وما لقيته»، لذلك بيدي، وكل ما سأفعله محاولة للعودة بالتاريخ للتدثر بفرصة كانت متاحة لجدتي.
صحيفة الحياة اللندنية – خالد الفاضلي