صمت تركي بشأن فوز الأسد
لم تواكب الصحافة التركية الانتخابات السورية بصورة دقيقة وواسعة. واقتصرت التغطية على بعض الأخبار من دون تعليق، فيما حرصت الصحف المؤيدة لرئيس الحكومة رجب طيب أردوغان على إبراز مواقف المعارضة السورية ونشر صور مسيئة للرئيس السوري بشار الأسد من مناطق المعارضة.
في هذا الوقت، لفت أن أحداً من المسؤولين الأتراك لم يعلق على الانتخابات لا قبلها ولا بعدها. ويبدو كما لو أنه أسقط بيد سلطة «حزب العدالة والتنمية»، عندما رأت كيف أن الرجل الذي سعت إلى إسقاطه خلال أيام أو أسابيع أو أشهر، استمر في السلطة وبزخم جماهيري داخل سوريا وخارجها. وها هو سوف يبقى لمدة سبع سنوات رئيس الدولة التي تجاور تركيا، وسوف يكون المقابل لرئاسة أردوغان لخمس سنوات وربما لعشر سنوات.
وهذا بالطبع يفتح الباب أمام سيناريوهات مثيرة حول كيفية تعاطي الرجلين مع بعضهما البعض في السنوات المقبلة، بعدما كان الدم هو الفاصل بينهما بعدما أصبحت تركيا طرفاً في الحرب على سوريا وداعماً أساسياً للمجموعات المسلحة فيها.
العلاقات التركية السورية في السنوات المقبلة، وفي ظل استمرار الأسد وأردوغان في رأس السلطة، تطرح علامات استفهام كثيرة عن المنحى الذي ستتخذه.
رئيس غرفة الصناعة في حلب فارس الشهابي كان يعكس مزاج فئات واسعة من السوريين عندما قال إن سوريا يجب ألا تعود لإقامة علاقات مع تركيا بعدما دمرت المجوعات المسلحة المؤيدة لتركيا المصانع في حلب وسرقتها إلى تركيا بالتعاون معها، مطالباً أنقرة بإعادتها والاعتذار والتعويض على ما اقترفته يداها من جرائم داخل سوريا.
وفي المقابل، يخرج العديد من المراقبين للقول إن مجرد إعادة العلاقات إلى وضع مقبول بين البلدين في ظل بقاء الأسد في السلطة هو انتصار للأسد نفسه، إذ أن أردوغان بذل الغالي والنفيس مادياً وعسكرياً ومعنوياً وسياسياً وإعلامياً واقتصادياً كي يتخلص من الأسد، ولم يعد أمامه من رهان سوى المزيد من السعي لإسقاطه بعدما رفع شعار «إما أنا أو الأسد».
لم تنته الحرب في سوريا وعلى سوريا، لكن الثابت أن تركيا حتى الآن هي من بين الخاسرين، بحسب تعبير الكاتب سامي كوهين في صحيفة «ميللييت» التركية.
وقال كوهين إن من بين أسباب بقاء الأسد في السلطة هو «نجاحه في استخدام القوة النارية ضد خصومه وتشتت جبهة المعارضة ودخول عامل الجهاديين الذي أضعف صورة المعارضة واستخدمها الأسد للتشهير بمعارضيه في العالم».
وأضاف أن «في جميع الأحوال، فإن تركيا خرجت خاسرة من معركة إسقاط الأسد بسبب السياسة التي اتبعتها لإسقاطه وإقامة سوريا الجديدة، وتحوّلها إلى طرف في الأزمة السورية. واليوم الأسد موجود في السلطة يقف على أقدامه، فيما تعاني تركيا من مشكلة لاجئين كلفتها حتى الآن 3,5 مليار دولار وعلى حدودها مجموعات تنظيم القاعدة ومجموعات الجهاديين الآخرين، وفي المحصلة فإن السياسة التي اتبعتها أنقرة لم تخلق لها سوى المشاكل مع الدول المجاورة. وإن مجرد رؤية الأسد باقياً في السلطة في دمشق هو أمر مثير لقلق أنقرة».
وفي صحيفة «راديكال» التركية، كتب جنكيز تشاندار قائلاً إن «تركيا فشلت في سياستها تجاه سوريا عندما تحوّلت طرفاً في حربها وعندما خابت رهاناتها على سقوط سريع للأسد، وعندما دخلت في محور مذهبي مع قطر والسعودية ضد إيران وخلفها روسيا».
وقال تشاندار إن «جانباً كبيراً من خطاب الاستقطاب المذهبي في تركيا من جانب أردوغان كان بتأثير الحسابات الخاطئة في سوريا، عندما لم ير في أحداث تقسيم ـ جيزي سوى أنها تحرك علوي، فاندفع لتسمية الجسر الثالث على البوسفور باسم السلطان سليم الأول المعادي للعلويين».
وتابع «في المختصر، إن سوريا كانت مؤثرة ليس فقط على سياسة تركيا الخارجية بل على السياسة الداخلية التركية»، مشيراً إلى أنه هو شخصياً قد أخطأ في حساباته عندما توقع سقوط الأسد بسرعة، بل إنه دعم أردوغان في هدف إسقاط الأسد. لكنه عندما وجد أن الاستقطاب المذهبي في سوريا جرّ تركيا إلى فخ أن تكون طرفاً في حرب مذهبية، تخلّى عن دعم سياسة تركيا في سوريا ولم يعد يقف إلى جانب سياسة تزيد من الصدام المذهبي في تركيا.
وقال تشاندار: «منذ سنة وأنا أعارض سياسة تركيا في سوريا. تركيا تقف إلى جانب السعودية وقطر، أي في محور سني. وهذه الدول تدعم بقوة الجماعات السلفية السنية وتنظيم القاعدة. وبعد الخلاف التركي السعودي بسبب مصر صغرت تركيا إلى درجة أنها لم تعد سوى جزء من صورة تعكس محور الإخوان المسلمين»، داعياً تركيا إلى تغيير سياستها تجاه سوريا، «وهذا لا علاقة له بإعادة انتخاب الأسد. تركيا يجب ألا تكون صغيرة إلى درجة أن تكون طرفاً في حرب مذهبية. يجب أن تعمل لحماية توازناتها الداخلية وسلمها الأهلي».
محمد نور الدين – صحيفة السفير اللبنانية