صفقة الميزانية الأميركية: هدنة إضطرارية في صراع الحزبين على الإنتخابات القادمة
الصراع حول اقرار الميزانية السنوية للحكومة الاميركية، بين قطبي المؤسسة الحاكمة، كان الشغل اليومي لمراكز الابحاث ووسائل الاعلام المختلفة على السواء في الولايات المتحدة الأميركية. إضافة إلى الملفات الأخرى الشائكة كالملف النووي الإيراني.
بوادر المعركة الانتخابية المقبلة في الولايات المتحدة يستعرضها قسم التلحليل بالنظر الى آليات وادوات الصراع الراهنة والاستقطابات المتجددة في المشهد السياسي الاميركي. بوسعنا القول إن الحزبين الرئيسيين يتطلعان للاستفادة القصوى من الأزمة الراهنة ونتائجها، وتوظيفها في خدمة حملتيهما الانتخابيتين للفوز بالجائزة الكبرى: السيطرة على مجلس الشيوخ الذي يعتقد الحزب الجمهوري ان بوسعه كسب المقاعد الثلاثة المرجح انتقالها لصالحه، بينما يسعى الحزب الديموقراطي لتتشبث بكل ما لديه من قوة وسيطرة وبأس وموارد للمحافظة على اغلبيته في المجلس.
كما سيتناول التحليل التطورات المتسارعة في الملف النووي الايراني والاصطفافات الجديدة بين اقطاب السلطة السياسية. وعلى سبيل المثال، طالب معهد كارنيغي صناع القرار انتهاج سياسة تتسم بالواقعية فيما يخص استخدام الدول الاخرى للتقنية النووية، والتوجه نحو التوصل الى اتفاق تعاون للطاقة النووية السلمية بين الدول، “وما قد يستوجبه ذلك من ابرام معاهدات جديدة تتضمن التزامات قانونية تمنع تخصيب واعادة تدوير الوقود النووي.”
هدنة إضطرارية
اتفاق اللحظة الاخيرة بين قطبي المؤسسة الحاكمة افضى لتأجيل اندلاع الصراع بحدة أشد، تحت وطأة الضغط الشعبي وتنامي قلق الاوساط المالية العالمية. القراءة السطحية لحصيلة جولة الصراع توحي بخسارة صافية للحزب الجمهوري في اعقاب انكشاف دوره المعطل وتشبثه بموقف ايديولوجي متشدد. بينما تقودنا القراءة الفاحصة الى القول ان “معادلة التسوية – الصفقة” تمت على ارضية ووفق الشروط المعلنة للقطب المتشدد، سيما وان المرحلة المقبلة من المفاوضات حول الميزانية الحكومية ستجري وفق الاخذ بعين الاعتبار عدد هام من القضايا “المقدسة” للحزب الجمهوري، على راسها تثبيت المستوى الراهن لخفض حجم الانفاقات الحكومية كقاعدة نقاش بنود الميزانية تراعي “ميل” الحزب الديموقراطي لاقتطاع بعض التمويل المخصص “لبرامج بقرته المقدسة،” الرعاية الاجتماعية والرعاية الصحية ونظام التقاعد.
اما الموقف المعادي لبرنامج الرعاية الصحية الشامل – اوباماكير، شكلياً ومبدئياً بالنسبة للجمهوريين، فلم يطرأ عليه اي تعديل يذكر. نستطيع القول ان اوباما كير ربما كان ذريعة هجوم الجمهوريين استخدموها كورقة مساومة مدركين انها خاسرة سلفا بغية عدم المس بالسقف الراهن للميزانية وتقليص الخدمات المركزية وتخفيض الضرائب على شريحة الاثرياء، سيما وان الرئيس اوباما وافق على عدم ادراج مسألة زيادة الضرائب على بساط البحث منذ بداية ولايته الرئاسية.
بدافع تسهيل الرؤيا عند القاريء، لا بد من الاشارة الى مسألتين: الاولى، جاء توقف الخدمات الحكومية خلال الأزمة نتيجة سياسة خصخصة القطاع الحكومي لشركات متعاقدة جنت عوائد هائلة؛ والثانية حجم التعويض الهائل الذي تتلقاه كبريات الشركات من الميزانية المركزية، دون مقابل او جهد يذكر، والذي لم يجر تداوله في وسائل الاعلام المختلفة. اذ اوضحت دراسة صادرة عن جامعة بيركلي المرموقة بولاية كاليفورنيا، مطلع الاسبوع المنصرم، ان غياب دور النقابات العمالية الفاعلة اطلق العنان للشركات الخاصة للتلاعب بالاجور ومفاقمة مستويات الفقر، سيما وان الرواتب المتدنية لعمال قطاع مطاعم الوجبات السريعة، ماكدونالدز واقرانه زائد اضخم شركة تجزئة “وولمارت،” تكلف الخزينة العامة 7 مليار دولار سنويا تذهب كوسائل دعم اقتصادي، كوبونات غذائية، لتخفيف وطأة العوز والمساعدة لمحدودي الدخل، منها 3.9 مليار دولار تذهب مساعدات ونفقات مباشرة للرعاية الصحية.
يذكر ان الحد الادنى الراهن للأجور يبلغ 7.25 دولار في الساعة، وهو ثمن وجبة سريعة تقريبا ويطبق في نحو 30 ولاية، مما يعادل راتبا سنويا يساوي 15،000 دولار شريطة العمل بمعدل 40 ساعة اسبوعيا؛ الأمر الذي لا تطبقه الشركات المذكورة الا نادرا. المعدل العام الذي اعتمدته الدراسة بلغ 8.69 دولارا لساعة عمل. تجدر الاشارة هنا الى تقاعس الرئيس اوباما عن الوفاء بوعوده الانتخابية (2008) لزيادة الحد الادنى من الاجور امام الرفض الحاد للحزب الجمهوري وبعض اعضاء الحزب الديموقراطي ذاته. وعليه، تصاعدت وتيرة الاضرابات العمالية في مختلف القطاعات الاقتصادية السنة الجارية، بل اضحت مادة يومية يشاهدها العامة في مدينة واشنطن، على سبيل المثال.
وخلصت الدراسة المذكورة بالقول “الاسس التي يقوم عليها سلم الرواتب المتدنية في قطاع مطاعم الوجبات السريعة ونشاطات وخدمات اخرى محلية تؤشر على تناغم عوامل متطلبات السوق والخيارات السياسية” التي تتحكم بارساء قواعد ومعايير الحد الادنى من الاجور.
فيما يتعلق بجوهر مطالب الحزب الجمهوري وتيار الشاي بداخله، تقليص حجم قطاعات الدولة واجهزتها المختلفة مما سيستدعي تخصيص ميزانيات مخفضة، فالمستهدف هو جملة برامج دعم الرعاية الصحية والاجتماعية وكذلك دعم المزارعين التي تستفيد منها بشكل رئيس شركات الاغذية الكبرى، وتستثني الانفاقات الدفاعية والاجهزة الأمنية التي تضخمت ولا تزال تشهد نموا في بنيانها. اما مسألة التفاوت الهائل في المداخيل فهي لم تكن يوما على جدول اعمال الحزب وما يمثله من مصالح لكبرى الشركات والصناعات والاستثمارات.
الصراع السياسي داخل الحزب الجمهوري طفا على السطح ولم يعد بالامكان تأجيله او تجاهله. القيادات الحزبية التقليدية القت باللائمة على تهور “المجموعة الانتحارية” المحسوبة على تيار حزب الشاي لتراجع وضع الحزب في الاوساط الشعبية. ردت تلك المجموعة باتهام قياداتها التقليدية والمخضرمة بانها “مجموعة استسلام” امام الرئيس اوباما والحزب الديموقراطي، ووعدت قواعدها بالمضي في الصراع في المرحلة المقبلة (15 كانون ثاني 2014) وتحقيق مطالبها “المؤجلة” في اقرار تمويل الميزانية المركزية.
للدلالة، نقتطف بعض التوصيفات للزعامات التقليدية اطلقت بحق “المجموعة الانتحارية.” السيناتور الرمز ليندسي غراهام حذر قائلا “ان استمر السير بالوتيرة الراهنة، فاننا حتما سنؤذي الحزب الجمهوري على المدى البعيد.” عضو مجلس النواب الشهير، بيتر كينغ، حذر ايضا بالقول “هذا الحزب جنّ وفقد عقله.” العقل المفكر للحزب والمساعد الاسبق للرئيس جورج بوش الابن، كارل روف، كان اشد حزما اذ اعتبر المسألة “نتيجة شرك نصبه (الرئيس) ووقع في شباكه بعض الجمهوريين في الكونغرس .. بالنتيجة تعززت مكانة الرئيس وتدنى موقع الحزب، فبرنامج اوباماكير اضحى اوفر شعبية .. حان الوقت لاقرار الجمهوريين ان الاساليب والتكتيكات السيئة تسفر عن نتائج وخيمة.”
في حيثيات الاتفاق المرحلي، توصل الطرفين الى صيغة تقضي بتمويل الميزانية ضمن المستويات الراهنة ولغاية 15 كانون الثاني من العام المقبل، ووقف التهديد بتجميد سقف الاقتراض لغاية 7 شباط 2014، يتلوهما جلسات مشتركة بين قطبي الحزبين لمواصلة النقاش حول اقرار الميزانية. اما واجهة الامتعاض للحزب الجمهوري، اوباما كير، فلم يخضع للاقصاء كما طالب به وادخل تعديلا شكليا يقضي بالتدقيق في اهلية المنتسبين.
معركة القطبين تعيد الى الاذهان الاحتقانات المترتبة على جولة الانتخابات الرئاسية الماضية، وتؤشر على طبيعة المعركة الانتخابية المقبلة وما سينتج عنها من توازنات قد تعيد الحزب الديموقراطي للسيطرة على اغلبية مجلس النواب، فضلا عن بدء مسار جديد للرئيس اوباما بعد استعادته لنفوذ سياسي تآكل سريعا بفضل تلكؤه الحسم مع الحزب الجمهوري في المرحلة السابقة. بالمقابل، قد تؤدي الى تنامي التصدي لسياساته في مجلسي الكونغرس وتعطيل برامجه وركنه في خانة رئيس بلا نفوذ “بطة عرجاء.”
الخيار الآخر هو ان تسفر الاجواء عن انقسام حاد ينذر بمزيد من الترهل وعدم الحسم.
وعليه، يمكن تلمس حرص الطرفين على التشبث بشدة بمواقفهما المعلنة استعدادا لخوض المعركة المقبلة، التي عادة تنذر بخسارة الحزب المسيطر على البيت الابيض، استنادا الى المسار التاريخي لنتائج الانتخابات النصفية لمجلسي الكونغرس. فالرئيس السابق جورج بوش الابن خسر مكانة الاغلبية في مجلسي الكونغرس ابان انتخابات عام 2006؛ والمؤشرات الشعبية الراهنة تدل على تقارب نسبة الرضا على الرئيس اوباما مع سلفه بوش آنذاك.
خسارة الحزب الديموقراطي لمكانة الاغلبية في مجلس الشيوخ ينذر بتعطيل تام لبرامج الحزب والرئيس اوباما التي ينوي المضي بها في المرحلة الاخيرة لولايته الرئاسية. الطرفان يتصارعان بشدة على كسب، او اعادة كسب، شريحة الناخبين المستقلين لجانبهم.
ليس عسيراً الاستنتاج بميل المزاج الشعبي لتحميل الحزب الجمهوري مسؤولية الاضرار بمصالح الدولة، في المدى المنظور، بيد ان هناك متسعا من الزمن للتعويل على ذلك من عدمه في نتائج انتخابات العام المقبل. حقيقة الأمر تتعدى المزاج الشعبي الصرف، اذ لا يجوز اغفال عامل سيولة الدعم المالي للحملات الانتخابية التي يتفوق فيها راهنا الحزب الجمهوري على خصمه، مما قد يفسر احد اسباب تشبث الحزب بمواقفه المتشددة بصرف النظر عمن يكون في المقدمة من الشخصيات الحزبية.
يدرك الطرفين حساسية معركة السيطرة على مجلس الشيوخ الذي تبلغ نسبة الخطأ فيه ثلاثة (3) مقاعد لصالح الحزب الجمهوري ليتمكن من السيطرة عليه. استطلاعات الرأي المتوفرة، قبل نشوب الازمة المالية، تشير الى ميل الحزب لكسب المقاعد المطلوبة للسيطرة.
وهذا ما يفسر، جزئياً، عدم اقدام مجلس الشيوخ التصويت على مشروع قرار مجلس النواب باختيار بعض المرافق والاجهزة الحكومية واستثنائها من التقشف المالي. هنا تكمن اهمية ودقة موقف رئيس مجلس الشيوخ، الديموقراطي هاري ريد، الذي تباطأ في تبني المشروع ولم يعرضه على التصويت خشية تداعيات الموقف على نتيجة الانتخابات المقبلة، وربما لخشيته من اصطفاف بعض اقطاب الحزب الديموقراطي الى جانب المشروع لدوافع انتخابية صرفة. رئيس المجلس ريد اجرى حسابات دقيقة ابعدته عن ثمة النظر بالمشروع لما سيؤدي من اطباق الحصار على مشروع “اوباما كير،” لفترة زمنية طويلة.
وآثر رئيس مجلس الشيوخ عدم الأخذ بمشروع مجلس النواب مدركا لهشاشة الاغلبية التي يتمتع بها، والتي لا تتعدى اربعة (4) مقاعد، مغامرة تنذر بمخاطر قاسية للحزب، وهي ذات المقاعد التي يعول الحزب الجمهوري على كسب ثلاثة منها على الاقل في الا نتخابات المقبلة، سيما وانها تقع في دوائر انتخابية موالية للحزب الجمهوري وايدت المرشح السابق ميت رومني العام المنصرم.
المقاعد المهددة بتغيير كفة الرجحان هي: الاسكا واركنساس ولويزيانا، والتي تشير استطلاعات الرأي المتوفرة الى تضاؤل شعبية ممثليها في مجلس الشيوخ الى ما دون نسبة 50%، والتي تعد بالغة الحساسية في هذه المرحلة الدقيقة من التحضير للانتخابات.
ولاية الاسكا التي تزهو بمرشحتها لنائب الرئيس السابق سارة بيلين عادة تصطف الى جانب الحزب الجمهوري. السباق الانتخابي بين الممثل الديموقراطي الحالي، مارك بيغيش، وخصمه الجمهوري ميد تريدويل على اشده مع تقدم للأول بنسبة 1% على الخصم، 43% الى 42%. المرشح الجمهوري الآخر للمنصب، دان ساليفان، يتخلف عن خصمه الديمقراطي بنقطتين مئويتين، 43% الى 41%. نسبة شعبية بيغوفيتش الديموقراطي تدنت الى 39% مقابل معارضة 42%.
المقعد الآخر هو لولاية اركنساس، مسقط رأس الرئيس بيل كلينتون، التي تميل كفتها نحو الحزب الجمهوري بعد ولاية كلينتون الرئاسية. السباق الانتخابي بين الممثل الديموقراطي مارك برايور وخصمه الجمهوري، عضو مجلس النواب راهنا، توم قطن، متقارب النسبة الى حد بعيد، وترجح احدى استطلاعات الرأي النسبة الى 3% لصالح الممثل الديموقراطي، 45% الى 42%؛ واخرى ترجح الفارق بنسبة 2% لصالح الديموقراطي. سر تقدم الممثل برايور يعود الى تفوق شعبيته على شعبية الرئيس اوباما بين الناخبين في ولايته.
ولاية لويزيانا تعد المقعد الحساس الثالث، وهي التي عادة ما كانت تميل للتصويت لصالح الحزب الديموقراطي، بينما يحقق الحزب الجمهوري تقدماً على حساب خصمه لا ينبغي تجاهله. فالممثلة الحالية ماري لاندرو تحظى بنسبة تأييد بلغت 47% مقابل معارضة 44% من الناخبين. احد الاستطلاعات رجح الفارق بين لاندرو وخصمها الجمهوري بيل كاسيدي الى نسبة 2%، 46% مقابل 44%، لصالح الاولى. استطلاع آخر اجرته هيئة مستقلة رجحت تفوق المرشح الجمهوري بنسبة 40% مقابل 37% لخصمه الديموقراطي.
مقعد ولاية ويست فرجينيا، الذي يشغله الممثل جاي روكفلر، قابل للتأرجح ايضا سيما وان روكفلر اعلن عن نيته التقاعد من الحياة السياسية. شعبية الرئيس اوباما في الولاية متدنية للغاية، اذ لم تتعدى نسبة 25% مقابل 65% من المعارضين، مما سيخدم الحزب الجمهوري موضوعيا، اذ تشير استطلاعات الرأي الى تفوق الحزب الجمهوري بنسبة 48% من التأييد الشعبي مقابل 36% لصالح الحزب الديموقراطي. المرشحة عن الحزب الجمهوري، شيللي مور كابيتو، تتفوق على خصمها الديموقراطية ناتالي تينانت بنسبة 51% مقابل 34%.
القاعدة السارية في الحياة السياسية تفيد بان المرشح الذي يحصد في الاستطلاعات تأييد اقل من نسبة 50% من الناخبين سيلاقي صعوبة سيما وان تيار الناخبين المستقلين يميل اكثر لتأييد المرشح المنافس. ومن هنا تتضح الصورة لحساسية المقاعد الثلاثة التي ينوي الحزب الجمهوري اضافتها لصالحه في الانتخابات المقبلة.
التوازنات الراهنة داخل مجلس النواب ستمتد في تأييد الحزب الجمهوري، سيما وان عددا لا بأس به من المقاعد المرشحة تقع في دوائر انتخابية اغلبيتها من الناخبين الجمهوريين، وذلك كنتيجة مباشرة لاعادة تقسيم الدوائر الانتخابية في عموم الولايات ابان عهد الرئيس السابق جورج بوش الابن، جرى تصميمها بدقة بحيث تقصي وتهمش مؤيدي الحزب الديموقراطي وترفع شأن الحزب الجمهوري.
بعض الممثلين عن الحزب الديموقراطي في مجلس النواب معرضين للخسارة في دوائرهم الانتخابية، اذ استحدثت اللجنة القومية للحزب الجمهوري قائمة وصفتها بالمقاعد السبعة (7) لممثلين ديموقراطيين الاكثر عرضة للخسارة بحكم الجغرافيا التي تضع تلك الدوائر في مصاف الحزب الجمهوري. كما تجدر الاشارة الى ان جهود حملات التبرع في خمسة من تلك الدوائر اسفرت عن تفوق المردود المالي للمرشحين الجمهوريين عن خصومهم الديموقراطيين، وما يتطلبه ذلك من تشتيت جهود الحزب الديموقراطي كرد فعل للحفاظ على مكتسباته الراهنة.
جولة الانتخابات النصفية تتيح للناخب ابداء الرأي في اداء الرئيس، بصرف النظر عن انتمائه الحزبي. وعليه، فالصورة الراهنة تدل بوضوح على تردي صورة الرئيس اوباما لدى عموم الناخبين، بمن فيهم قطاع لا باس به من الموالين للحزب الديموقراطي. استطلاعات الرأي تشير الى نسبة تأييد للرئيس اوباما تقل عن 40%، وهي نسبة حصدها الرئيس بوش الابن عشية الانتخابات النصفية لعام 2006، والتي جاءت نتائجها مخيبة لآمال الحزب الجمهوري. كما دلت نتائج الانتخابات الاستثنائية الاخيرة وفوز المرشح الديموقراطي (بنسبة متواضعة) عن ولاية نيوجيرسي لمجلس الشيوخ عن النسبة المتدنية لشعبية الرئيس، في ولاية تعد من اقوى قواعد الحزب الديموقراطي منذ عام 2000.
وهذا ما حفز الحزب الجمهوري التشبث بآرائه والتصدي للرئيس اوباما بصرف النظر عن صيغة التسوية الاخيرة لوضع حد لشلل الاجهزة الحكومية، ويدرك نتائج استطلاعات الرأي التي تميل لتأييده بثبات ليحسن استثمارها في الانتخابات المقبلة.
المحرك الاساسي في الصراع الجاري يكمن في المعركة الانتخابية ويذهب ابعد من ثمة خلافات على اقرار الميزانية الحكومية، والتي تتكرر كل سنة دون نتائج حاسمة.
مغزى التغييرات الهيكلية في وكالة الأمن القومي
بهدوء ودون ضجيج سياسي اعلن مدير وكالة الأمن القومية، كيث اليكساندر، ونائبه كريس انغليس عن استقالتيهما من منصبيهما مع نهاية العام الجاري، وما يمثله الاعلان من بدء تدحرج ضحايا برنامج التجسس الداخلي الذي كشف ملابساته الموظف السابق ادوارد سنودن. اليكساندر سيغادر بعد نائبه ببضعة اشهر في ربيع العام المقبل، مما يدل على حجم الضغط للتضحية بهما هي سابقة بحد ذاتها، بعد ادائهما البائس والمضلل خلال جلسات استجوابهما من لجان الكونغرس.
ترأس اليكساندر وكالة التجسس منذ عام 2005 دون انقطاع، وجمع بين ذلك المنصب ومنصب رئاسة قيادة الاختراق الالكتروني المستحدثة لدى البنتاغون. استقالته ستوفر للرئيس اوباما فرصة التأمل في ضرورة فصل الجهازين عن بعضهما البعض، وتعيين مسؤولين جديدين لهما، سيما وان عدة ضباط استخبارات سابقين اعربوا عن خطورة الجمع بين المنصبين، وفرصة التضحية باحدهما لصالح الآخر.
رئيس اللجنة القضائية في مجلس الشيوخ، باتريك ليهي، اتهم اليكساندر بتضليل اعضاء لجنته ابان مثوله امامها في اواخر شهر ايلول الماضي؛ وفند ادعاءات الاخير ووكالته التجسسية بافشال ما ينوف عن 54 محاولة اعتداء ارهابية قائلا “ببساطة هذا الادعاء خاطيء .. المحاولات لا تشكل مؤامرات بمجملها، ولم يجر افشالها جميعا ..” عضو اللجنة عن الحزب الجمهوري، تشاك غراسلي، اتهم طاقم وكالة التجسس “بتوظيف وسائل المراقبة الهائلة للتجسس على زوجاتهم .. مما ولد أزمة ثقة عميقة ..؛” الاتهام استولد رد اليكساندر برسالة اعتذار رسمية لموظفي الوكالة وافراد عائلاتهم، بتاريخ 13 أيلول 2013.
مفاوضات الملف النووي الإيراني
انعقدت جولة مفاوضات للاطراف الدولية المعنية في جنيف، كثمرة حضور الرئيس الايراني دورة الامم المتحدة والقائه كلمة “تصالحية.” واسفرت الجولة عن تبدد الغيوم الملبدة في لاجواء السابقة وسيادة لغة التسوية وخفض اجراءات العقوبات القائمة. وفد الولايات المتحدة تضمن المسؤول عن ملف فرض العقوبات في وزارة المالية، مما فسره البعض كبادرة حسن نية اميركية لعزمها فتح كوة في جدار العقوبات.
اصرت ايران على طرح موقفها الثابت في حقها بحيازة التقنية النووية لاغراض سلمية، وتخصيب وقود اليورانيوم لدرجة تسمح لها تشغيل مفاعلاتها النووية لتوليد الطاقة الكهربائية. وشددت ايران في عرضها على الاهداف السلمية لبرنامجها وبددت مخاوف الدول الغربية حول حيازة السلاح النووي الذي لم يعد صالحا كوسيلة ردع في الزمن الراهن. بالمقابل، بادر الوفد الايراني بطرح تصوره للخطوات المطلوبة من الدول الغربية القيام بها لانهاء نظام العقوبات المفروضة على بلاده.
المصدر: الميادين