صرخة الفيصل تكتب نهاية المغامرة السعودية
موقع العهد الإخباري-
أحمد فؤاد:
للقوة المطلقة وللسلطة المطلقة أوهامهما العظيمة، لكن الأخطر فيهما، ومع تربع حاكم نصف طفل على مقعد القيادة، أن كل الحركات تتحول إلى نوع من الألعاب الخطرة، التي تكون فيها أرواح الناس ومصائر الدول نهبًا للمغامرات الصبيانية، التي لا ترى يومها بالكاد، قبل أن تستشعر خطورة الغد وتزن حساباته.
وفي دولة مثل السعودية، بنظام حكمها الذي ينتمي للقرون الوسطى الغابرة، والملتفة تمامًا حول حاكم واحد، فإن الإعلام الحكومي في هكذا أنظمة غبية في أي دولة في الكوكب وأي فترة في التاريخ البشري المعروف لنا، هو أقوى تعبير عن رغبات الحاكم والنظام السياسي ومخاوفه، في آن واحد، الصوت المسيطر فيها لا يقبل التأويل أو الظن، ورسائلها مباشرة في وضوح أهدافها ومقاصدها، وتمثل انعكاسًا لقلق القوى المسيطرة والحاكمة، والتي تجعل من السلطة إطارًا يحقق إرادتها، وفقط.
على هذا الأساس يفهم ببساطة خروج تركي الفيصل، وزير الخارجية السعودي الأسبق، بحديثه الصادم، والمتوسل، لطلب الحماية الأميركية للسعودية، التي تواجه عملاقًا ثائرًا في الجنوب، زادته نيران الحرب المستعرة صلادة وقوة، فوق ما فيه من إيمان وعزم هائلين، وبات مصممًا على رد الدين للمملكة التي استباحت اليمن طوال السنوات الماضية، بأفتك ما في الترسانة الغربية من سلاح ودمار.
حديث تركي الفيصل الأخير جاء في سياق أزمة النظام السعودي العميقة، كاشفة للتوجهات والسياسات، بعيدًا عن تشنج الخطاب السياسي الزاعق، أو معسول الكلمات، ولأن السلطة في الرياض مركزية تمامًا، تطوع نفسها على مقاس الحاكم، وفق هواه أو رؤيته، بدفع من قواعد راسخة، جعلت من الجالس على عرش آل سعود هو صاحب الرؤية الواحدة، إرادته لا سبيل لردها أو النقاش فيها، هو مناط كامل السلطة وكل الشرعية والسياسات، والأفكار حتى.
بداية، فإن تيار الحوادث عقب تورط السعودية للعام السابع في عدوانها الشيطاني على اليمن، وبدفع أميركي ووقود صهيوني واضح غير خافٍ، أثبت يقينًا أن محمد بن سلمان فشل في فهم معنى القوة، التي كانت السعودية تحوزها طوال عقود ماضية، وتحولت أدوات القوة بين يدي الصبي المغامر إلى أداة لحرق أصابعه، قبل أن تحرق الشرق الأوسط، وطار رذاذها ليجعل من شبح التمزق في المملكة أمرًا مطروحًا بقوة.
عملية توازن الردع السابعة، التي قامت بها الأيدي اليمنية المباركة، لضرب المملكة السعودية من شمالها إلى غربها وصولًا إلى جنوبها، من رأس التنورة إلى جدة وجيزان ونجران، فرضت المعادلة الجديدة، والعظيمة، على مستقبل المنطقة العربية، التي تفور بمعادلات دافقة وسيالة، سيكون المستقبل رهنًا لها.
الصواريخ والطائرات المسيرة، عالية الدقة والتكنولوجيا، والتي صارت الآن في يد العقل اليمني واليد اليمنية، أثبتت أنها القوة الوحيدة القادرة على الفعل في المنطقة، بلا شبهة تفاؤل أو مغازلة، ومقدار التطور النوعي الهائل في كفاءة التصنيع ووفرته، وضعت مستقبل السعودية، وقبلها مستقبل آل سعود كله، في ظلال كثيفة من الشك.
الأخطر من الضربة اليمنية الأحدث في القلب النابض لمملكة آل سعود، العملاق النفطي أرامكو، هي أنها صارت ضربات اعتيادية ومستمرة، والتشنج السعودي صار عواءً في البرية، أصوات مهما بلغ ارتفاعها تذهب بلا رجع صدى يرد ويطمئن، صارت المملكة وحيدة بلا حلفاء جادين حين حلت ساعة الحساب عن جرائمها.
وهذا أروع وأعظم ما قدمه اليمن للشعوب العربية، التي سقط أغلبها في نير استعمار مقنع، وتحولت الأوطان إلى سجون أميركية كبيرة، بحجم الدول ذاتها، فالمقاومة المستمرة، رغم عظم التضحيات وطول مدة الحرب، قد أنتجت واقعًا جديدًا، دفع كل حلفاء المملكة، من أول الإمارات ومصر، وصولًا إلى الراعي الأميركي، للهروب من مسؤولية التورط، ولو حتى للدفاع عن سماء السعودية التي صارت مستباحة تمامًا للضربات والصواريخ اليمنية.
لم تجرب المملكة العربية السعودية، وحلفها الشيطاني من ورائها، وأسيادها في واشنطن قبلهم جميعًا، أن تحارب عدوًا يطلب ما بعد الدنيا وما هو أهم منها، على الإطلاق. لا يجدي الترغيب هنا في اليمن، ولا ينفع التهديد، وجل ما يطلبه المؤمن الصابر المجاهد هو الشهادة.. وهو أمر لا يشي واقع الحال بأن الذكاء الأميركي الاصطناعي ولا الغباء السعودي الفطري قادران على فهمه من الأصل.
أمام إيمان القلب والروح، فقدَ أعتى ما في الترسانة الغربية من سلاح قوته، وفي وجه اليقين المطلق أضاع التخطيط والعقل الإلكتروني الأميركي كل قدرة على التوقع أو الانتصار.