«صحوة» تفتح «شهية» أوروبا للحوار مع «حزب الله»
صحيفة السفير اللبنانية ـ
مارلين خليفة :
«هو تغيّر في المزاج الأوروبي من حيث التعاطي مع ملفات المنطقة، ما انعكس على أسلوب التعاطي مع منظومة المقاومة، ومن أركانها حزب الله». هكذا تقرأ أوساط مطلعة على أجواء «حزب الله» حركة الذهاب والإياب الأوروبية المكثفة أخيرا الى ضاحية بيروت الجنوبية، فضلا عن دعوات رسمية وغير رسمية توجه لمسؤولين في الحزب لزيارة أوروبا وعقد اجتماعات وحوارات مع مسؤولين رسميين وغير رسميين.
لم يبدّل الأوروبيون جلدهم بل حسّنوا سلوكهم بعد تقاطع مع «حزب الله» فرضه الميدان السوري: فالمطالبة الشعبية بإصلاحات هي مشروعة، لكن ثمة مؤامرة تستغلّ هذه المطالب في سبيل تدمير سوريا. وبعد عامين ونصف عام تقريبا من الحرب، برز خوف الأوروبيين من انتقال شرارة التطرّف في سوريا الى دولهم التي نسيت الحروب منذ أعوام.
يتعاطى «حزب الله» ببرودة مع «اكتشاف» الأوروبيين المستجدّ لخطئهم الحسابي في سوريا، يبتسم المسؤولون فيه لرؤية الاستنفار الأوروبي لمعرفة رأيه بملفات عدّة، ويستمتعون برؤية الأمور تتحرك من حولهم بطريقة سريعة.
الأوساط المتابعة للزيارات الأوروبية اليومية الى الضاحية لم تتردّد في طرح السؤال على مستقبلي الوفود المتهافتة: هل تكيّف «حزب الله» ومسؤولوه مع التصنيف الأوروبي المصطنع له بين جناح عسكري وآخر سياسي؟ يأتي الجواب سلبياً، فالحزب «لم يقبل يوماً بهذا التمييز لأنه كيان واحد، لكنّ الأمر لا يعني الحزب، ويعتبره خطأ يضرّ بالمصالح الأوروبية وليس بمصالحه». حتى المراجعة الدورية التي يقوم بها الوزراء الأوروبيون كل ستة أشهر للائحة المنظمات المدرجة إرهابية، لا تعني «حزب الله». وحين ينقل بعض الزوار أن صعوبات تحول دون حذف الحزب عن اللائحة، تراهم يلقون الجواب الآتي: «حزب الله» غير «مستقتل» لإلغاء هذا القرار الأوروبي غير المنطقي، لأنه في الأساس لا يستند الى المعايير التي يعتمدها الأوروبيون أنفسهم». وهل تأثر أي من أجهزة الحزب التي ذكرها الأوروبيون في بعض تعليقاتهم؟ يأتي الجواب: «الجسم العسكري يقوم بوظائفه المعتادة وعلى أكمل وجه، وإذا كانت بعض الجهات منزعجة منه سابقا فقد صار اليوم مزعجا أكثر، وخصوصا أن قرار الإدراج انطلق من مشاركة الحزب في حرب القصير، والنتيجة أن ذلك أدى الى قناعة الأوروبيين بأن الحزب مؤثر، ولو لم يكن كذلك لغضّوا الطرف عنه، كما تغاضوا عن جهات لبنانية تدعم المعارضة السورية من لبنان بالسلاح والرجال ضاربة عرض الحائط بمناداة هذه الدول بالنأي بالنفس والتي كانت في مقابل هذه المناداة العلنية تضغط على الأجهزة المعنية لعدم ملاحقة المخلين بهذه السياسة وعدم ضبط الحدود».
إذاً، هو الخطاب ذاته ينتهجه «حزب الله» منذ اندلاع الأحداث السورية ولغاية مشاركته في حرب القصير وما بعدها من قرار الإدارج الأوروبي وما تلاه من تهافت ديبلوماسي أوروبي للحديث معه، كتعبير عن مزاج متغير بدأ يرى بموضوعية ما يجري في الميدان السوري.
هذه «الصحوة» الأوروبية برزت أخيراً في حراك غير معتاد تمثل بشهية الحوار مع «حزب الله» في شتى المواضيع، سواء عن الوضع اللبناني أو الوضع السوري، و«حزب الله» يلاقي الحوار بالمثل من دون أن يتراجع قيد أنملة عن ثوابته، لسان حاله أن «الحوار لا بدّ منه». يظهر المسؤولون في الحزب كثيرا من الاستيعاب أمام محدّثيهم الأوروبيين الذين يجتهد بعضهم لتبرير قرار اتخذ تحت الضغط «ولا طائل منه». نظرة أوروبا الى ما يجري في الداخل السوري فيها تبدّل هائل، وقد بدأت أصوات العديد من ديبلوماسييها تسمع معترفة بأن موقف بعض الدول الأوروبية من حيث الانخراط المتمادي في الحرب السورية، وخصوصا فرنسا وبريطانيا، لم يكن محطّ إجماع أوروبي، وهو لم يعكس يوماً موقف الرأي العام الأوروبي.
يوماً بعد يوم يرتفع الصوت الأوروبي المعارض لسلوك بعض الدول الأوروبية الأساسية في سوريا، فقد اكتشفت بعض الحكومات «المغرّر بها» أنها استقلّت مركباً قد لا يرسو على شاطئ.
عودة الإرهاب الى أوروبا
بعد ما جرى، بدأ التركيز الأوروبي اليوم ينصبّ على مكافحة ظاهرة الإرهاب وتمركزها في سوريا ومخاطر المجموعات المسلحة التي جاءت من أنحاء العالم كلّه، وخصوصا من أوروبا. يقدّم الديبلوماسيون الأوروبيون أرقاماً عن «المقاتلين الأوروبيين» لا تتجاوز الـ800 مقاتل خوفاً من مصارحة شعوبهم بالأرقام الحقيقية. وتقول مصادر مطلعة على حواراتهم إن ثمة الآلاف من المسلحين القادمين من أوروبا، وحكوماتهم تتكتّم على أعدادهم الحقيقية، خوفها الكبير أن جزءاً منهم سيعود الى أوروبا مزوداً بخبرات تخريبية. لذا بدأ الأوروبيون، عبر خطوطهم الأمنية، إعادة وصل ما انقطع من خطوط التعاون مع النظام السوري، لا مانع لديهم من التندّر على بعضهم البعض من أن دولا «حسبت خطّ الرجعة» وأخرى لا. أما المبررات التي تقف وراء هؤلاء فتبدأ من حاجتهم الى معرفة هويات «المقاتلين الأوروبيين» وعددهم الحقيقي وأماكن وجودهم في سوريا، مروراً بفشل رهانهم على المعارضة السورية المفككة وتنامي الجماعات المتطرفة والصفقة الروسية ـ الأميركية المتعلقة بتدمير السلاح الكيميائي، وصولا الى الاتصال الهاتفي بين الرئيسين باراك أوباما وحسن روحاني. «هكذا شعر هؤلاء بأن الصفقات تتطاير من فوق رؤوسهم فبدأوا الهرولة: البريطانيون يعيّنون قائما بالأعمال غير مقيم، فيما تسعى شركات النفط الأوروبية الى تجديد تعاملها مع إيران. يفاخر بعض الديبلوماسيين الأوروبيين بأنهم لم يقطعوا خطوط التواصل مع سوريا عبر بعثاتهم التي انتقل بعض طاقمها الى بيروت «لأسباب أمنية فحسب»، منطلقين من وجوب تقديم مقاربة جديدة لما يجري في سوريا.
أين «حزب الله» من كل هذا؟ إنه جزء من الصورة في المنطقة وخصوصاً في سوريا، وبعد خلاف جوهري بين الحزب والأوروبيين في مقاربة ما يجري في سوريا، بدأ هذا الخلاف يتفكك.
حتى النظرة الى الملف النووي الايراني، وربما الاتصال الأميركي – الايراني شكل متنفساً للأوروبيين «الذين بدأوا يتحضرون للعودة الى طهران ديبلوماسياً واقتصادياً ونفطياً»، وخصوصا أنّ إيران شكلت خلال السنوات السابقة شريكاً تجارياً رئيسياً لكل من فرنسا وألمانيا وإيطاليا، وانضمام هذه الدول الى منظومة العقوبات الدولية «الأميركية» ضدها حرمها مكاسب كبرى بدأت تعي أنها في أمسّ الحاجة اليها في هذه المرحلة الصعبة التي يمر بها الاقتصاد الأوروبي.