صحف ألمانية: تضامن الديمقراطيين هو العلاج ضد التحريض الفكري
موقع إذاعة دويتشة فيللي الألمانية:
لا تزال الصحف الألمانية تركز على تداعيات الفيلم المسيء للإسلام الذي ُيروج له عبر موقع يوتوب. فيما دعت بعض الشخصيات في ألمانيا إلى منع الدعاية لأعمال التحريض وإشاعة الفرقة عبر الانترنيت لأنها تهدد استقرار السلم العام.
صحيفة زوددويتشه تسايتونغ تناولت ردود الفعل والأحداث الناجمة عن بث الفيلم المسيء للإسلام على موقع يوتوب الذي هو في ملكية شركة غوغل. واعتبرت أن الانترنيت لا يقوم بخلق الديمقراطية التي تنشأ فقط عبر مؤسسات ثابتة وأحزاب سياسية متنافسة ومحاكم مستقلة ووسائل إعلام قوية تنشر التوعية ولا تقدم أي فضاء استعراض لقوى متطرفة. لكن الصحيفة أقرت أن الانترنيت كوسيلة محايدة لها تأثير قوي، وكتبت تقول:
“من زاوية الديمقراطية فإن السلطة الواسعة التي تملكها شركات الانترنيت تمثل إشكالية كبيرة. شركات غوغل ومثيلاتها تعرض نفسها للجمهور كمؤسسات محايدة تفتح العالم أمام كل شخص، وأنها تستجيب فقط لتعليمات الحكومات أو المحاكم عندما يتعلق الأمر بحجب مضامين مشبوهة. لكن رد الفعل على الاضطرابات الأخيرة التي أثارها الفيديو التحريضي الذي ُبث عبر شركة يوتوب التابعة لغوغل يكشف أن الشركة فقدت منذ مدة براءتها: ففي مصر وليبيا حجبت الشركة طبقا لتقييمها الخاص بث الفيديو. يبدو أن اتصالات بشأن هذا الأمر تمت مع البيت الأبيض.
ولكن لو تصورنا أنه عوض حكومة منتخبة ديمقراطيا تستند إلى إرادة برلمانيين بتوصية من مئات الخبراء من المؤسسات وأجهزة الاستخبارات أو أن تكون لدينا منظمة دولية تدير بصعوبة قواعد لعبة الدبلوماسية، توجد مجموعة إدارة صغيرة داخل شركة لا تملك أي تفويض شعبي هي التي تقرر أي نوع من المعلومات يمكن نشره في العالم أم لا. البروفيسور جونتان زيتراين من جامعة هارفارد يشدد هنا بالتالي على دور شركات الانترنيت كسلطة رقابة على حرية التعبير. ويمكن لها أيضا أن تكون رقيبة على الأمن. فتقييم حقوق حرية الواحد منا مع حقوق حماية الآخر تعد من أنبل المهام المرمية على عاتق دولة القانون الديمقراطية والتي يجب أن تبقى من اختصاصاتها. فذلك سيكون مهمة تتجاوز قدرات شركة معينة”.
صحيفة برلينر تسايتونغ اعتبرت أن الحشود التي خرجت في مظاهرات منددة في العالم العربي والإسلامي بالفيلم المسيء للإسلام ليست إلا أقلية، وانتقدت في الوقت نفسه غياب مظاهرات المجتمع المدني الحي ونهوض النخبة المثقفة في تونس ومصر أو لبنان ضد من يستخدمون العنف، وكتبت تقول:
“الفجوة ليست موجودة بين مسلمين ومسيحيين، إنها قائمة من جهة بين متطرفين (مسلمين ومسيحيين ويهود …) وبيننا كأشخاص متشبثين بدولة القانون من جهة أخرى. وهذا يسري على الشرق الأوسط وكذلك على جمهورية ألمانيا الاتحادية … بعض الساسة من أحزاب الاتحاد المسيحي طالب الآن بأن “نقوم بتعديل علاقتنا مع الدول الإسلامية”. هل هذا يعني أنه لم يعد بوسعنا نحن الأوروبيين التحاور مع جيراننا المباشرين؟ هل وجب علينا كبديل للتعاون تشييد جدار يحصن أوروبا؟ … العلاج الوحيد ضد التحريض الفكري هو تضامن الديمقراطيين من جميع الأديان. يجب أن نحمي حقوقنا الأساسية وندافع عنها بقلوب نابضة، ولاسيما بعقول مبصرة”.
صحيفة فرانكفورتر تسايتونغ تناولت هي الأخرى الفاعلية القوية للإنترنيت في الترويج لكل ما ُيبث عبر الشبكة الإلكترونية، وكتبت تقول:
“قد يقول المرء إن الانترنيت لا يتحمل هنا أية مسؤولية، إنه فقط وسيلة. لكن ذلك ليس بهذه البساطة. فالانترنيت يشجع سلوكيات معينة ويمتلك تغطية هائلة. فحيادية الشبكة تعد أسطورة. وأية محاولة في هذا الإطار للتقنين يتم استيعابها مباشرة كتقييد للحرية، علما أن القانون العام يسري أيضا على الشبكة. فمن يصف منذ البداية إجراءات الحماية لصالح الأطفال أو ضد القذف، كما يسري على وسائل إعلام أخرى كإجراءات رقابة فإنه يؤكد فقط أمرا واحدا، وهو أن التفكير قد توقف لديه”.
صحيفة فرانكفورتر روندشاو سلطت الضوء على نشر أسبوعية شارلي ايبدو الفرنسية الساخرة رسوما كاريكاتورية للنبي الكريم محمد بعدما فعلت ذلك سابقا، وكتبت الصحيفة تقول:
“لماذا تفعل الأسبوعية ذلك مجددا؟ هل من أجل كسر أية قيود أمام حرية التعبير، كما صرح مدير الأسبوعية؟ أم هي تفعل ذلك لأسباب تجارية والرفع من مبيعات أعدادها وإثارة الفضول؟ فأسبوعية ساخرة تعيش في النهاية من الميول إلى الاستفزاز. هذه الصور الكاريكاتورية يمكن استنكارها، لكن لا يمكن حظرها. وتصبح تلك الصور مشكلة تتجاوز قضية الذوق، لأن أشخاصا يأخذونها بجدية كبيرة”.