شيخ الازهر : لا توجد فتنة أضر على الناس من القتل والقتال باسم الدين والعرق.
حذر الدكتور احمد الطيب شيخ الازهر من خطورة القتل والقتال باسمِ الدِّين او باسمِ العِرق ..مؤكدا انها اشد فتنة أضر على الناس
وأفتك بأجسادهم وأسكب لدمائهم .
وشدد الشيخ الطيب على ان الأنبياء والمرسلين لم يبعثوا للقتل ولا للاضطهاد ولا للتشريد.
جاء ذلك في كلمته التي القاها اليوم خلال انطلاق فعاليات أولى جولات الحوار الحضاري من أجل تحقيق السلام في بورما، الذي يعقده مجلس حكماء المسلمين، بالقاهرة ويشارك فيه عدد من الشباب الذين يمثلون الأطراف المعنية بالصراع في ولاية أراكان بميانمار من أجل تحقيق السلام في بورما، بعنوان “نحو حوار إنساني حضاري من أجل مواطني ميانمار /بورما/” الى جانب عدد من شباب مجتمع ميانمار من جميع الديانات /البوذية والإسلام والمسيحية والهندوسية/ وبحضور عددٍ من السُّفراء والأدباء والمفكِّرين والإعلاميين.
وقال الطيب إن مجلس حكماء المسلمين يشرف اليوم بدعوةِ نخبة منتقاة من فتيانِ دولة ميانمار وفتياتها على اختلاف أديانهم وأعراقهم في بلدهم الثاني مصـر، ذلك البلد الطَّيب الذي تعانقت فيه الأديان وانصهرت تجلياتها في نسيجٍ وطني واحد، شكَّل صخرة من فولاذ، طالما تحطَّمت عليها آمال المُجرمين والمخرِّبين الذي يضمرون الشَّـر للناس ويريدون بهم الدَّمار والخراب.
واشار شيخ الازهر احمد الطيب ان الإخوَة والأبناء من شعب ميانمار ليسوا بحاجةٍ إلى مزيدٍ من القول في بيانِ الخطر الماحق الذي يتهدَّد وطنهم بسبب الأزمة التي تدور رحاها في ولاية راخَيْن ، موضحا ان هذه الأزمة تفقد كل مبررات بواعثها الدِّينيَّة والإنسانيَّة والحضاريَّة أيضًا ، كما إنها تشكل أزمة غريبة على شعب ميانمار الذي يضرب بجذور راسخة من قديم الأزمان والآباد في تاريخ الدِّين والحِكْمَة والسَّلام.
واضاف الطيب انه قد تقرَّر في الأديان الإلهيَّة كلها وفي كتبها المقدَّسة وتعاليمها أن إرادة الله العليّ الأعلى شاءت أنْ يخلقَ الناس
مختلفين في أديانهم وألوانهم ولغاتهم وأعراقهم، ولو أنَّه أراد أن يخلقهم جميعًا على دين واحد، أو يجعل لهم لونًا واحدًا ولغة واحدة وجنسًا واحدًا لفعل، ولما عجز.
وقال ان الأديان كلها تؤكِّد هذه الحقيقة المحورية في فلسفة الخلق والتكوين فقد جاء في القرآن الكريم وَمِنْ آياته // خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّلْعَالِمِينَ // .. وأضاف ” وكما تعملنا أخوة الدين تعلمنا أيضًا أخوة الإنسانية، وأن الناس
بالقياس إلى المؤمن إما أخ في الدين، أو نظير في الإنسانية، ومما كان يردده نبي الإسلام عقب كل صلاة ويَشْهد عليه قوله – مخاطبًا ربه // أنَا شَهِيدٌ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُكَ وَرَسُولُكَ، رَبَّنَا وَرَبَّ كُلِّ شَيْءٍ أَنَا شَهِيدٌ أَنَّ الْعِبَادَ كُلَّهُمْ إِخْوَةٌ// ..ولا يوجد برهان أكبرُ من هذه الشهادة التي تفتح باب الإخاء الإنساني بين العباد إلى الأبد ودون تحفظ على جنس أو لون أو عرق أو دين، وتعلمنا الأديان أن الله تعالى كما خلق المؤمن خلق الكافر أيضًا، ونحن المسلمين نقرأ في القرآن الكريم قوله تعالى // هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ فَمِنكُمْ كَافِرٌ وَمِنكُم مُّؤْمِنٌ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ//.
واضاف ” ويقول علماء القرآن إن تقديم الكافر على المؤمن في هذه الآية دليل على أن الكفر هو الأغلب على الناس والأكثر فيهم ، ويجب أنْ نعلم أنَّ الحكمة الإلهية تتعالى عن أن يخلق الله – سبحانه – الكافرين ثم يأمرَ المؤمنين بقتلهم واستئصال شأفتهم، فهذا عبث يزري بحكمة المخلوق فضلاً عن حكمة الخالق، لأن الجميع خلقه وصنعته وإبداعه ، وجاء في الأثر // الْخَلْقُ كُلُّهُمْ عِيَالُ اللَّهِ، وَأَحَبُّ خَلْقِهِ إِلَيْهِ
أَنْفَعُهُمْ لِعِيَالِهِ// ، وليس بين المؤمن والكافر إلَّا الدعوةُ بالحكمة والموعظة الحسنة والكلمةِ الطيبة، ثم تركِ كلِّ واحدٍ منهما حبلَ صاحبه على غاربه”.
وشدد الطيب على انه اذا كانت الأديان كلها تتبنَّى هذا الأدب الإنساني الرفيع في دعوتها للعلاقة بين المؤمن وغير المؤمن، فهل يُعقل
أن تَنْسَى تعاليم الأديان ذلك أو تصادرَه بين أخوة الأديان وما يترتب عليها من حقوق إنسانية وواجبات خلقية.
وقال الطيب – موجها حديثه للشباب البورمي بكل أعراقه وأديانه – أن حكمة البوذية والهندوسية والمسيحية والإسلام، التي تزخر بها أرضكم، تناديكم صباح مساء: لا تقتلوا، ولا تسرقوا، ولا تكذبوا، والزموا العفَّة، لا تشربوا المُسكرات، وقد تعلَّمنا في كلية أصول الدين في
الأزهر الشريف، ونحن نَدْرُس حكماء الشرق أن البوذية تعاليم إنسانية وأخلاقية في المقام الأول، وأن بوذا هذا الحكيم الصامت، هو من أكبر
الشخصيات في تاريخ الإنسانية، وكان من أبرز صفاته الهدوءُ والعقلانية وشِدَّة الحنان والعطف والمَودَّة، وأن كِبَار مؤرخي الأديان في العالَم
يصفون تعاليمه بأنها تعاليم الرحمة غير المتناهية ، وأن صاحبها كان وديعًا مُسالمًا غير متكِّبر ولا متشامخ، بل سهلًا لينا قريبا من الناس، وكانت وصاياه تدور على المحبَّة والإحسان للآخرين.
ودعا الطيب هؤلاء الشباب المشاركين في الملتقى الى البدء في غرس شجرة السَّلام التي تظلل مواطني راخَيْن بل مواطني بورما بأجمعهم، والعمل على نشر ثقافة المواطنة، للقضاء على مفهوم الأقليات وما يجره هذا المفهوم البائس من إقصاء وتهميش، ينتهي دائمًا بسفك الدماء وتشريد الأبرياء.
وأكد الطيب أن الصورة الشائهة التي تنقلها أجهزة الإعلام قتلًا واضطهادًا ومطاردة، لم تعد تليق بشعب له تاريخ حضاري عريق كشعب بورما، مشددا على ان التفرقة بين المواطنين لن تزيد الأمر إلًّا تعقيدًا، بل إعاقة لكل طموحات التقدُّم والتنمية في هذا البلد.واعرب الطيب في كلمته عن آماله وامنياته ومجلس حكماء المسلمين أن يُوقف إلى الأبد هذه الصورة القاتمة التي تؤذي مشاعر الإنسانية في الشرق والغرب.
ودعا شعب ميانمار إلى نزع فتيل الحقد والكراهية ، مؤكدا أنه لا سبيل إلى ذلك إلَّا بالتطبيق الحاسم لمبدأ المواطنة الكاملة والمساواة
التامة بين أبناء الشعب الواحد بغض النظر عن الدين أو العِرق.
وقال الطيب ان مجلس حكماء المسلمين على استعداد دائم لتقديم كل أوجه التعاون والدعم من أجل ترسيخ هذه المبادئ، وتقديم تجربة بيت العائلةِ المصري، الذي يضم المسلمين والمسيحيين من شعب مصر، والذي نجح في فترة قصيرة أن يرسخ مفهوم المواطنة الكاملة والعيش المشترك.
وقال ” ايها الشباب نحن في مجلس الحكماء قد شُغلنا طويلًا بقضية السلام في ميانمار، وارتأينا بعد تفكير عميق ودراسة مستفيضة أن أقرب الطرق إلى التفاهم والحوار حول القضية هو هذه العقول الشابة من مواطني بورما، لأنهم الأقدر على تجاوز هذه الأزمة التي لو تُركت فإنها ستأتي على الأخضر واليابس لا محالة، ولأنهم الأرحب فكرًا والأنقى سريرة والأيقظ ضميرًا والأكثر حماسًا وتطلعًا للسلام”.
واعرب عن امنياته أن يكون هذا اللقاء خطوة أولى للقاءات قادمة على طريق صنع سلام عادل ودائم من أجل ميانمار ..كما اعرب عن امنياته أن يكون هذا العام ْالجديد عام حقن للدِّماءِ وإطفاء لنيرانِ الحروب التي يشتعل أوارها بين إخوة الوطن وإخوة الدِّين وأخوة الإنسانيَّة.
وتستهدف هذه الجولة الأولى من الحوار التباحث مع الشباب حول سُبُل العيشِ المشترك، والوقوف على أسباب الخِلاف في ميانمار، ومحاولة وضع حلولٍ جذريَّة لإنهائه وترسيخ أُسُسِ المواطنة والعيش المشترك بين المواطنين.كما يأتي هذا الملتقى انطلاقًا من دور مجلس حكماء المسلمين في العمل على نشر ثقافة السلم والتعايش في كافة ربوع العالم.