شوشو … أسطورة المسرح اللبناني
الميادين.نت ـ
نقولا طعمة:
نقولا طعمة:
40 عاماً على رحيل الفنان حسن علاء الدين (شوشو). المناسبة لم تحظ بالاهتمام الذي يتطلبه غياب شخصية فذة كشخصية شوشو، الذي احتل قلوب وعقول الناس من دون تمييز بعدما ملأ الأجواء ضحكاً وانتقاداً للسيئ السائد في ستينيات وسبعينيات القرن المنصرم، وأصبحت انتقاداته نكاتاً تتردد على الالسنة وفي الشوارع والصالونات وكل مكان.
لم تحظ مناسبة مرور 40 عاماً على رحيل الفنان حسن علاء الدين (شوشو) بالاهتمام الذي يتطلبه غياب شخصية فذة كشخصيته، احتلت قلوب وعقول الناس من دون تمييز. رحل شوشو في الثاني من تشرين الثاني/ نوفمبر عام 1975، بعدما ملأ الأجواء ضحكاً وانتقاداً للسيئ السائد في ستينيات وسبعينيات القرن المنصرم، وهو يقض مضاجع الفاسدين من سياسيين وغير سياسيين في البلد، وأصبحت انتقاداته نكاتاً تتردد على الالسنة وفي الشوارع والصالونات وكل مكان.لم يترك شوشو زاوية إلا نبشها، وقدمها نكتة سريعة وظريفة للمواطن الذي تفاعل معها، وأصبح شديد الحساسية لها، يشتمُ نكهها من بعيد، ويضحك لها قبل الانتهاء.رحل شوشو وكأن المعنيين بأمور الفن والثقافة، وأهمية ترقيتهما، تنفسوا الصعداء، فقد رحلت برحيله غمامة عن صدورهم، وعين راقبت عن كثب تحركاتهم ونشازاتهم. لذلك غاب أي اهتمام بإحياء تراثه، وتفعيل المدرسة التي أسسها، والتي يمكن أن تنتج جيلاً مسرحياً وفنياً رائداً، يطور المسرح المحلي إلى العالمية.حسن علاء الدين، هو صهر المخرج محمد شامل الذي ساعد (شوشو) على النهوض ورسم شخصية كوميدية مميزة. برز أواسط الستينيات على إذاعة لبنان، ثم في تلفزيون لبنان، شغل الدنيا، وأبدع فناً نادر الحصول في الشرق، وأسس مسرحاً شعبياً دائماً في بيروت، شغلت كل مسرحية من مسرحياته الشهور الطوال قبل أن تستنزف، فتتهيأ مسرحية تالية تتقدم لتملأ الفراغ المحتمل، وتلبي حاجة الجمهور لمن أدمنوا عليه للتخفيف من عبء الحياة عليهم. وطغت شخصيته واسمه على المسرح الذي أطلق عليه تسمية “المسرح الوطني” – الاسم الذي ظل مغموراً تحت وطأة الاسم الطاغي “شوشو” – فتحول المسرح إلى مسرح شوشو لدى الناس، وظل “المسرح الوطني” في النطاق الرسمي.
شوشو … مدرسة في التمثيل قلما تتكرر
لقد شكّل شوشو مدرسة في التمثيل قلما تتكرر، وأنتج شخصية متجددة هي شخصية النجم الواحد بما له من طاقة على سيطرة على المسرح توظف كل إمكاناته للوصول إلى غرضه، قدرة قلما امتلكها فنان حتى على المستوى العالمي. تميز، بحسب أحد كاتبي نصوص مسرحياته ومخرجها فارس يواكيم، بـ “قدرته على السيطرة على توقيت الضحك، متى يطلقه، ومتى يوقفه، وكم يسمح بتمدده، ويمنع أن تتحول فقراته إلى حالة مملة”. يواكيم الذي انضم إلى مسرح شوشو في السبعينيات، وكتب وأخرج العديد من أعماله، يلتقيه “الميادين نت” في بيروت المحببة إلى قلبه، في حوار حول تجربته مع شوشو. تحدث عن مراحل تطور تجربته، من مسرح “البوليفار” المتأثر بالمسرح الفرنسي، إلى مسرح الجمهور المعبر عن خط شعبي، يدافع عن الناس، ويعرض قضاياهم، ويلتزم بها، وما تميزت به ظاهرة شوشو ومسرحه.يبدأ يواكيم حديثه عن فرادة مسرح شوشو، ويقول إنه “كان المسرح اليومي الوحيد في لبنان. قبله لم يكن هناك فرقة ثابتة تقدم عروضها يومياً في المسرح ذاته، ولا بعده. تكررت التجربة. ولأنه كان مسرحاً كوميدياً أدخل البهجة في قلوب المشاهدين، ولأنه تحول في عروضه الأخيرة إلى منبر معبر عن الرأي العام والمطالب الشعبية”.وافتتح المسرح في 11 تشرين الثاني / نوفمبر 1965 بمسرحية “شوشو بك في صوفر”، وسط استقبال شعبي كبير، و”كان أول عرض جميلاً متقناً”، بحسب يواكيم الذي أردف أن “المسرحية اقتبسها نزار ميقاتي عن الفرنسي لابيش (رحلة السيد بريشون) وهو أخرجها كما أخرج كل المسرحيات التي قدمها “المسرح الوطني” حتى 1970″.ويصف يواكيم ميقاتي بأنه “كان شريكاً فنياً وشريكاً في تأسيس الفرقة، وقد واظبت على حضور العروض التالية بينما غاب عني العرض الأول، والمسرحية كانت كوميدية من اللون الذي اشتهر به لابيش، انتقدت السلوك الاجتماعي، لكنها كانت تنشد الإضحاك… وليس هذا نقداً بل تسجيلاً للواقع”.ويتابع يواكيم “”كانت مسرحية كوميدية صرف، وقدم نزار ميقاتي للمسرح كاتباً ومخرجاً 12 مسرحية. منها إعداد “البخيل” و”مريض الوهم” لموليير، ومنها اقتباس “توباز” لمارسيل بانيول، ومسرحية واحدة مقتبسة عن جورج فيدو أحد أشهر كتاب البوليفار الفرنسي. والباقي من لابيش”، ويرى أنه من “الطبيعي جداً أن يقتصر هذا المسرح على اللون الكوميدي. فهو مسرح قطاع خاص لا يتلقى أي دعم من الدولة. يعيش من إيراد شباك التذاكر. ناهيك عن أن البطل ممثل كوميدي بامتياز”.وفي سؤال عن استمرار تسمية المسرح بـ “المسرح الوطني”، يقول: “كان المسرح لدى تأسيسه يعرف باسم “المسرح الوطني” ثم تغير سنة 1972 إلى “مسرح شوشو”. كان الاسم في التأسيس على غرار “المسرح الوطني الشعبي” الشهير في باريس. لكن الحقيقة أن كل الناس كانت تسميه مسرح شوشو. الأديبة غادة السمان كتبت مرة انها قالت لسائق التاكسي خذني إلى “المسرح الوطني” فلم يعرف أين يقع. لكن ما إن قالت مسرح شوشو حتى أوصلها إلى بابه. شوشو كان “النجم الشعبي”. اسمه كان كفيلاً بتأمين الجمهور لمدة شهرين أياً كان مستوى المسرحية. وفي مصر كان هناك مسرح الريحاني على اسم النجم الكبير”. وإن كان مسرح شوشو يعتبر مسرح “النجم الاوحد”، يرد بقوله: “إلى حد ما. لكنه كان محاطاً بكوكبة من الممثلات والممثلين الموهوبين. كلهم أصبحوا نجوم المسارح والمسلسلات التلفزيونية في وقت لاحق، واذا استعرنا التعبير من لغة كرة القدم نقول إن شوشو كان النجم الهداف، ومع الوقت ظل النجم الهداف طبعاً، لكن الفريق أصبح يلعب بخطة جماعية. وكان يحلو لشوشو أن يستضيف نجوماً ضيوفاً من خارج الفرقة الثابتة، مثل بديعة مصابني في “كافيار وعدس”، والنجمة المصرية هالة فاخر في “جوه وبره” و “فوق وتحت”، والنجم الكوميدي اللبناني نبيه أبو الحسن في “اللعب على الحبلين”، والمطرب الشهير عصام رجي في “وصلت للتسعة وتسعين”، والنجمة المصرية نيللي ومعها الكوميدي المعروف حسن مصطفى في “الدنيا دولاب”، ومحمود المليجي نجم السينما المصرية الشهير في المسلسل التلفزيوني “المشوار الطويل”.
يواكيم: مات شوشو لكنه بقي أسطورة في تاريخ المسرح
بين شوشو والتلفزيون علاقة متينة، لكنه كان أكثر شعبية في العرض المسرحي المباشر، ويوضح يواكيم هذا التمايز بقوله إن “شوشو كان ممثلاً مسرحياً بامتياز، يتألق ويجود في حضور الجمهور. في التلفزيون لا وجود للجمهور أثناء التسجيل. أنا كاتب “المشوار الطويل”، وأنا كاتب مسلسل “مسرح شوشو”. نجح شوشو في الأول أكثر من الثاني لأنه أدى في “المشوار الطويل” دوراً درامياً. وما ينطبق على التلفزيون ينطبق على السينما أيضاً”.وعن سبب إقدام شوشو على تمثيل بعض الافلام السينمائية، يشير يواكيم “اشتغل شوشو في السينما لهدفين: الأول فني، شأنه شأن كل نجوم المسرح كما نجيب الريحاني، واسماعيل يس، وعادل إمام، ودريد لحام وسواهم. والثاني مادي. كان شوشو مديوناً، وأراد من إنتاج الأفلام السينمائية أن يحقق إيراداً مالياً ليسدَ به جزءا من ديونه. لكن الحظ لم يحالفه في الأفلام اللبنانية. علماً بأنه لمع في الأفلام المصرية مثل “فندق السعادة”، وفيلمه الأخير “سيدتي الجميلة” كان من إنتاجه أيضاً، وقام فيه بدور صغير والهدف منه كان تجارياً. صفة المنتج هنا كانت أهم من صفة الفنان. ومن سوء حظ شوشو أن هذا الفيلم حقق إيرادات، لكنه لم يفرح بذلك، لأنه عرض بعد وفاته”.كان مسرح شوشو يغصّ بالمشاهدين كل ليلة، ومع ذلك كان شوشو مديوناً. هذه الإشكالية يفسرها يواكيم قائلاً إن “شوشو حين أسس “المسرح الوطني” لم يكن يملك قرشاً. استدان لكن من مرابين. وكان المسكين مضطراً لأن يدفع للمرابين فوائد تبلغ 60 بالمئة سنوياً. يعني معظم إيراده يذهب للمرابين، وتبقى الديون ديوناً، ناهيك عن المصروفات الضرورية للانتاج المسرحي من رواتب الممثلين، وكلفة الديكور، والملابس وخلافه”.يتذكر يواكيم مسرح الاطفال مع شوشو. يقول ” شوشو أسس أيضاً مسرحاً للاطفال، وقام ببطولة هذه المسرحيات، وكان أول مسرح للأطفال في لبنان. أيضاً تجربة رائدة للأسف يتجاهلها أو يجهلها بعض مؤرخي المسرح، وبالمناسبة، فقد كان يقدم العروض للأطفال بالمتعة ذاتها التي قدم بها مسرحيات الكبار”. ويروي يواكيم أن “شوشو اكتشفه محـمد شامل، وهو أعطاه هذا اللقب، واشتغل معه طويلاً في الإذاعة والتلفزيون. من جهته، أدى نزار ميقاتي دوره بأمانة، فصنع فرقة متجانسة حول النجم الخارق، ودرب الجميع بمن فيهم شوشو على العمل المسرحي. كلهم كانوا من ممثلي الإذاعة والتلفزيون”، ويتابع: “بعد نزار ميقاتي تعاون شوشو مع ريمون جبارة معداً لمسرحية “اللعب على الحبلين” وبرج فازليان مخرجاً لها. ظل برج فازليان مخرجاً وقدم 5 مسرحيات ناجحة، منها المسرحية التالية “كافيار وعدس” وهي من إعداد وجيه رضوان”.ثم ينتقل يواكيم عن تجربته مع شوشو، وبدايتها كتابة مسرحية “فرقت نمره”، ثم إلى “زوجة الفران” التي كان سيقدمها لكنه رحل قبل العرض الأول”، ويفيد أن مجموع ما أعده له “كان 12 مسرحية، وفي مجال الإخراج تعاون أيضاً مع محمـد كريم، وروجيه عساف، ومحمـد سلمان، والمصري السيد بدير، ونقولا أبو سمح. كل مخرج قدم لهذا المسرح الجديد. لكن المسرحية الأشهر تبقى “آخ يا بلدنا”، الإخراج لروجيه عساف، والنص من إعدادي، وكانت ذروة نجاح شوشو ومسرحه”. ويلاحظ أنه “كان مسرحاً شعبياً بمعنى إقبال الناس عليه، فأصبح مسرحاً شعبياً بمعنى أنه المعبّر عن الشعب، وكانت الأغنية التي كتبها ميشال طعمة، ولحنها الياس الرحباني، جميلة، قوية، معبرة: “شحادين يا بلدنا”.. وما زال الناس يرددونها إلى الآن”. الخوف من تأثير شوشو وفنه على الجمهور، دفع بالسلطات إلى مكافحته، ومنها مصادرة أغانيه التي ما تزال حية يرددها الناس حتى اليوم. وقيل إن شوشو اعتقل بسبب أغنية “شحادين يا بلدنا”، لكن يواكيم يؤكد أنه، رغم الضجة التي قامت على الأغنية، “لم يعتقل، واستجوب فقط، وأمر القاضي بمصادرة أسطوانات الأغنية، لكنه سمح بعرضها على المسرح. وفي المسرحية التالية “خيمة كراكوز” صودرت الأغنية، ومنع عرضها على الخشبة”.ويتناول يواكيم أسباب التركيز على إعداد المسرحيات واقتباسها، أكثر من الحديث عن تأليفها، ويذكر أنه “حدث في تاريخ “المسرح الوطني” أنه قدم مسرحيتين “فوق وتحت” و”خيمة كراكوز” وكلاهما من تأليفي. لكن كما تطور المسرح في الأداء والإخراج، تطورت عملية إعداد النصوص. لم تكن عملية سهلة. هذا مسرح كوميدي، ويجب تأمين حد أدنى من الفكاهة. وعلى كل حال، فالمسارح العربية الكوميدية عاشت على الاقتباس. كل مسرحيات نجيب الريحاني ما عدا “حكاية كل يوم” مقتبسة. أنا تطورت من الاقتباس إلى الإعداد. بعض المسرحيات تجاوزت فيها الاقتباس إلى الاستعانة بالفكرة وقد قمت بإعادة كتابتها، ومنها “جوه وبرّه”.. “الدنيا دولاب” .. “آخ يا بلدنا”. ومن الإعداد إلى التأليف. استمر شوشو في مسرحه عشر سنوات من النجاح الباهر، وكان في السادسة والثلاثين، والتساؤل، كيف كان من الممكن أن يصبح مسرحه لو قدر له أن يعيش عمرا أطول؟”، ينهي يواكيم كلامه معلقاً: “لا أملك جواباً واضحاً. قبل موته، هددت الحرب مسرحه الذي احترق أيضاً بفعل القصف ودمرته الحرب المجنونة. مات شوشو مع مسرحه الذي أحبه. لكنه بقي أسطورة في تاريخ المسرح اللبناني”.