شهر أيار.. من نقمة السابع عشر منه إلى نعمة الخامس والعشرين
موقع قناة المنار-
أمين أبوراشد:
البداية، تحية تعظيم وامتنان لمقاومة أدخلت لبنان تاريخ الإنتصارات، وانحناءة إكبار للشهداء والجرحى ولكل لبناني قام من موقعه بفعلٍ مقاوِم، ونخصُّ بالذكر، تلك الأذرع الوطنية التي احتضنت أهلنا خلال تسطير ملاحم التحرير وإذلال ما كان يُعتقد أنه الجيش الذي لا يُقهَر.
قد تكون مصادفة القدر، أن يجمع شهر أيار بين التاريخين، السابع عشر منه عام 1983عندما بترت اليد اللبنانية، الأيادي التي حملت أقلام التوقيع على ذلك الإتفاق الذليل مع العدو الصهيوني، فكان النصر المبدئي للتوجهات الوطنية الذي مهَّد لأمجاد الخامس والعشرين منه عام 2000، وأن يستحق لبنان بعد مرور سبعة عشر عاماً نعمة النصر المُحقَّق.
ولأننا ما زلنا في أجواء الخامس عشر من أيار، فإن اللبنانيين كانوا أمام خيارين في الإنتخابات النيابية، وسط أجواء من الشحن أشاعها الكثيرون من الفاشلين على الساحة السياسية، ووحَّدهم برنامج إنتخابي واحد، وهو التسديد الحاقد على سلاح المقاومة، وهُم أنفسهم كانوا من الموقِّعين على اتفاق 17 أيار، وتجاهلوا كل الأزمات المعيشية والإحتيالات المصرفية والإنهيارات الكيانية للدولة، وجعلوا من أنفسهم ومن خطاباتهم مواد إلهاءٍ للشعب اللبناني عن نكبته بهم.
أما وقد انتهت الإنتخابات النيابية، وبصرف النظر عن نتائجها، فإن خيارات الناخبين في لبنان وبلاد الإغتراب تُحترم كما هي، بصرف النظر عن ثغرات قانون الإنتخاب الذي ساوى بين نواب فازوا بعشرات ألوف الأصوات ونواب فازوا ببضع عشرات، والنتيجة في النهاية، أن لكل نائبٍ حيثيَّتين: حيثية إنتخابية فرضها القانون المعمول به، وحيثية شعبية هي التي تعطي لكل نائبٍ حجمه التمثيلي وحجم حزبه.
داخل المجلس بات هناك فريقان يحملان إرثاً من شهر أيار، وإذا كانت مقاربة 17 أيار من 25 منه مستحيلة، فإن مقاربة طروحات بناء الدولة ليستحقها وطنٌ محرر ليست من المستحيلات، إذا شاء الفريق الأول التنازل عن المكابرة على الواقع، واستيعاب معنى السيادة خارج المفهوم الكلامي الى التطبيق الفعلي لهكذا سيادة، التي لا يُحققها باب سفارة ولا أموال سفير يشتري الذمم.
مسألة أيام، وتنتهي إجراءات انتخاب رئيس المجلس ونائبه وهيئة مكتب المجلس، والحاجة الى تشكيل حكومة تُحتِّم على النواب الخروج من أجواء الإنتخابات واستعراض الأحجام الى العمل الجدي، سيما وأن السواتر قد رُفعَت من محيط المجلس إيذاناً بدخول مَن يُمثِّلون الحراكات الشعبية إليه، والعمل من الداخل لا يشبه بشيء العمل من الخارج، ومشاريع القوانين بالمئات تنتظر النواب سواء القدامى منهم أم الجُدُد، والوقت ليس في صالح أحد.
وقبل إحالة نتائج الإنتخابات الى أرشيف التاريخ، نؤكد مجدداً على التمثيل الشعبي الحقيقي داخل مجلس النواب، كي لا يقع أحدٌ من النواب في خطأ تقدير نفسه وتقدير الآخرين، لأن الأهم من أعمال التشريع هناك الإعتراف بشرعية الآخر وفق قاعدته الشعبية، وعلى هذا الأساس، ندعو للمجلس النيابي بالتوفيق، للبدء بورشة بناء دولة يستحقها وطن الخامس والعشرين من أيار، ويستحقها الشعب الذي رفض كل الذلّ في السابع عشر منه..