شموع الأملِ وثِمار العملِ الإسلامي
موقع إنباء الإخباري ـ
يلينا نيدوغينا*
لم يكن الاحتفال بعيد الثورة الايرانية الـ36 الذي نظّمته سفارة جمهورية إيران الاسلامية في عمّان، مجرد احتفال عادي وتقليدي، كإحتفالات أخرى، بل كان وكما أرى وأعتقد، وكما لمستُ وشاهدتُ، إحتفالاً مُمَيزاً وحاشداً ومُمَثِّلاً لإتجاهات مجتمعية وسياسية ودولتية وحكومية متباينة شدة التباين، اجتمعت سوياً تحت المظلة الايرانية وحول سفير إيران، سعادة السيد مجبتي فردوسي. وكان كذلك جَمعٌ من صفوة المجتمع الاردني، وعلى رأسهم معالي وزير الاوقاف، هايل داوود، الذي ألقى كلمة توجيهية وغنية المضمون، كعادته في الاحتفالات الايرانية، كانت ذات أبعاد عقلانية وموضوعية، وتطرّقت بصدق وعلومية العالِم المُخلص لدينه ومبادئه وإنسانيته، وشؤون وشجون الإقليم، الى أوضاع المنطقة، التي تتوسل معالجةً حقيقية للانقلابات الصارخة التي نشهدها فيه، في المفاهيم والتوجهات، والتقهقر الذي يعانيه في القواعد والأُسس، وتسطيح العقائد والتحالفات المُستَنكرةِ مع جهنم..
كان الاحتفال وبرغم قِصر مدّته الزمنية، كافياً لإستحضار موقف الجمهورية الاسلامية الايرانية تجاه ملفات وقضايا المنطقة والعالم، ولفت الانتباه إليها، ولتأكيد دور الدولة الإيرانية المحوري والفاعل في المنطقة. وظهر ذلك بخاصة في كلمة سعادة السفير الجديد السيد مجبتي فردوسي عن ذكرى الثورة، التي كانت وماتزال تمارس تأثيراً بيّناً وواضحاً لا يمكن إغفاله ولا التغاضي عنه على مساحة كامل “الاوسطين الكبير والصغير”، وهو تأثر مُندرج ضمن سياقات سياسية وفكرية ومجتمعية وعسكرية إيرانية، تزداد ثباتاً ورسوخاً وأنفة وتجذّراً في عَملانية التطور الإيراني اللافت في شتى المجالات، برغم العقوبات الاقتصادية والسياسية الغربية المفروضة على طهران، والتي لم تتأثر بها على نحو كبير، بل مَنحتها فرصة ذهبية لاستعادة نفسها، وثبات ركائزها، وتقويم مسيرتها، على سُبلٍ أنجع، ولتأكيد لونها الخاص، بين ألوان كثيرة تعجُّ بها المنطقة ويَموج بها العالم.
في الواقع، اختزنت الثورة الاسلامية الايرانية التي شهد العالم حدوثها في حَمأة الصراع العالمي والأوسطي، في الحادي عشر من فبراير 1979، مكونات النهوض الاسلامي العالمي بطبيعته الخاصة، وأشكاله العامة والشاملة، وغدت كما أراد قائدها أية الله الخميني، علامة واضحة وفاصلة لتحوّل تاريخي في المنطقة والكرة الارضية، وتحويل ثوري متمايز عن غيره لمسار التاريخ وأمم الإقليم. لذلك بدأت الثورة بممارسة تأثيراتها، وقُدراتها الوطنية الاسلامية على مجمل حركات التحرر العربية والعالمية، منذ يوم انتصارها الاول. فهي قد ارتبطت بعرىً إيمانية كفاحية وثيقة، أدت الى تعزيز روح الانتماء والكفاح والوحدة الكبرى في صدور المسلمين والمسيحيين على حد سواء، وقادتهم سوياً في مواجهة تاريخية ضارية مع المُهَيمن الاجنبي، ماتزال تعمل بقوة الى اليوم، في إقليمنا المُعَاند منذ مئات السنين لقوى الشر وقفزاته العشرية، ومخططات الاستعمار الجديد القديم العودة الى المنطقة بلبوس زاهٍ، ومن خلال الاستغراب الذي إكتسح الشعوب، والإحلالية والإزاحات التدريجية التي تمارستها السلطات الاجنبية على ناس الاقليم الاوسطي بخاصة، في محاولة لتكريس ارتباطاتهم بالخارج، وبطرائق تفكيره وأهدافه ومساراته.
لم تصبح إيران بَعد تحقيق الثورة في واقع حالها، دولة مستقلة ومتطورة وسيّدة وآمنة وعاملة على توثيق اختراعاتها واكتشافاتها لخير إنسانها الجديد فحسب، إنما ومع ذلك كله وبسببه غدت أيضاً دولةً مزدهرةً وصناعيةً وزراعيةً ونفطيةً كبرى، تحقّق الانتصارات العلمية السلمية يومياً، برغم الحصار الاقتصادي الغربي المَفروض عليها. وما منجزاتها السلمية العلمية، والطبية، واكتشافاتها المتلاحقة يومياً، سوى مِثالٌ على نجاعة الاستقلالية الايرانية، وبُعد بَصيرة القيادة، التي تعي مكانها ومكانتها في التاريخ، وتسير وفق إستراتيجية واضحة المعالم، وآمنةً، تضي سُبلها شموع الأمل نحو مستقبلٍ مرسومة طٌرقه وأبعاده بعناية فائقة، وتُجنَي ثمارهُ في أوانها.
*كاتبة وإعلامية ورئيسة تحرير الملحق الروسي سابقاً بالاردن